فاطمة المزروعي مع إصداراتها ( 24)
فاطمة المزروعي مع إصداراتها ( 24)
الإثنين 27 مارس 2023 / 19:06

فاطمة سلطان المزروعي لـ 24 : معلمة التاريخ غرست في نفسي حبه

24 - إعداد: نجاة الفارس

"ذاكرة الطفولة" زاوية نضئ فيها على طفولة أديب من الإمارات، نصغي لأولى تجاربه ورؤاه،أفراحه وأحزانه، نمخر عباب مرحلة، بصماتها خالدة في أعماق الذات، وتتسرب لأطراف الأصابع، عبر النتاج الأدبي بين لحظة وأخرى.

مهما تطورت التكنولوجيا يظل الجد نبراسا ومعلما يعطي من أفكاره وتجاربه الحياتية

ذاكرتي بمرحلة الطفولة تصيدت جميع التفاصيل الحياتية

العادات والتقاليد في حياتنا تشكل ذاكرة الأديب وشهر رمضان قصة لا تنتهي

جدتي أثرت عليّ في سرد الحكاية ولها الفضل الأكبر في تشكيل شخصيتي الكتابية

تقول الأديبة فاطمة سلطان المزروعي: "رمضان شهر جميل ننتظره بشغف منذ سنوات طفولتنا ولغاية اليوم، وأذكر في طفولتي كيف كانت طقوس رمضان في منزلنا، فنستقبله بتنظيف المنزل وغسيل السجاد، وتجهز والدتي البهارات وتجففها وتحمصها وتطحنها، كما أن الكثير من الأكلات الشعبية الخاصة في مائدة رمضان تحتاج تجهيز مستلزماتها باكرا، مثل شراء حب الهريس وحب الساقو، وتحميص حب القهوة وعمل السمن وتجهيز خبز الرقاق والكثير من الأعمال المنزلية، التي نتشاركها مع أفراد الأسرة والعائلة والأرحام والجيران وغيرهم، تلك اللحظات ما تزال محفورة في الذاكرة، وكلما اقترب الشهر الفضيل تعود الذكريات، وتعود والدتي لعمل ذلك بمزيد من الحب والعطاء، ورغم اختلاف الحياة وتوفر الكثير من المؤن والمستلزمات الرمضانية، وحدوث تغيير كبير في العادات والتقاليد ظلت أمي حريصة على هذه اللحظات الروحانية والقيم التي لا تتغير لديها".

الحب والعطاء
وتضيف: " في رمضان نحرص على زيارات الأرحام والصديقات و الجيران مع الأسرة، وحضور بعض الجلسات الرمضانية النسائية، وقد تسنّى لي  في طفولتي تعلم المزيد من الطبخات على يد والدتي، فكانت تعهد لي بمهام صغيرة كتجهيز المواد الأساسية للطبخة، وتقطيعها، وكنت أشاهد تفاصيل طبخها بعيني، وتعلمت الكثير، كانت والدتي تعتبر مزيجا من الحب والحنان والعطاء للأسرة، لذا كبر العطاء في قلبي، وأشارك أسرتي مع شقيقاتي تلك الطقوس في استمرار، أما عادة تبادل الأطباق في رمضان فهي مترسخة في المجتمع الإماراتي منذ قديم الزمان، وكانت والدتي ترسلني بأطباق الطعام  إلى بيت الجيران.


تفاصيل 


وتبين المزروعي "لم تخلُ مائدتنا من طبق أو أكثر من الأهل والجيران، كما كانت ترسل شقيقي بأطباق إلى المسجد القريب، وتردد دوما أن رسولنا الكريم أمرنا بصلة الأهل والأحباب والتصدق في رمضان، لان بركته تزيد بفعل الخير وطعام الواحد يكفي 10، كما كان لصلاة التراويح من ذاكرتي نصيب كبير، كنت أرافق والدتي للمسجد، وأنظر لتجمعات الأطفال في ساحتة، ثم نجلس بالساعات بين قراءة القرآن والدعاء وأحيانا أستمع لحكايات النسوة وأحاديثهن المتبادلة، لقد كانت ذاكرتي تتصيد تلك التفاصيل الحياتية المتكررة، كانت الحارة في طفولتي تتزين بالإضاءات الملونة ورائحة البخور والحب وتبادل الأطباق، وفرح الأطفال وتجمعات النسوة وأصوات الدعاء والقرآن وصلاة التراويح والأذان، وكنا ننتظر بشغف أذان المغرب والجميع يتحلق حول المائدة العامرة بأصناف الطعام.
 
قصة لا تنتهي


  وتقول: "في طفولتي علمتني والدتي الصيام عدة ساعات بداية، حتى يتعود جسدي، وأحيانا أصوم اليوم بأكمله، وكانت متعة الصيام والفرح بانتهاء اليوم الروحاني، ولقد تأثرت بهذه الأجواء، وما زالت موجودة في ذاكرتي وعقلي وقلبي، وطالما رصدت تلك اللحظات الحميمية في كتاباتي ورواياتي، لقد انعكست بشكل كبير في ربط الاحداث الاجتماعية، وبالأخص في كتاباتي الإبداعية، كالرواية والقصة والشعر والمسرح والسيناريو وحتى كتابة المقال، فتلك الأجواء نقلتها بعين مترصدة تتابع الأحداث وتكتبها بذاكرتها وعقلها وقلبها، فلا يخلو عمل لي من ذكر رمضان وروحانيته، وحتى فترات الطفولة وصلاة التراويح وطقوس رمضان، فالحياة الاجتماعية والعادات والتقاليد جزء من حياتنا لا غنى عنه، ويشكل جزء من ذاكرة الأديب والشاعر والكاتب والروائي، فشهر رمضان قصة لا تنتهي".


شخصية عظيمة

وتوضح "العائلة جزء من الذاكرة، وجدتي كانت جزء كبير من حياتي، كبرت بين جنبات حنانها، وقصصها وخرافاتها وضحكاتها، لا يمكنني نسيان تلك التفاصيل الحميمة التي عشتها معها، لقد كانت من الشخصيات العظيمة التي لعبت دورا كبيرا في تشكيل شخصيتي وحياتي، كانت قوية، حكيمة، تمتلك ذاكرة ممتازة، رغم إنها أمية وغير متعلمة، كانت حكاءه وتسرد القصص بشكل ممتع، تشبه شهرزاد في سردها وتشويقها، و تسرد لي كل يوم حكاية، انتظر تلك الحكاية بشغف، كانت إنسانة متمسكة بالحياة، والجمال، تجيد الحياكة، والطبخ، وقرض الشعر، وتلاوة القرآن، والأعمال الحرفية التراثية، كانت ماهرة في الحياة، وماهرة في الأعشاب الطبية، الجميع يلتف حولها، عشقها الصغار لحكايتها وعشقها الكبار لعطائها، كنت أتفاءل بها صباحا قبل ذهابي للمدرسة ثم إلى عملي لاحقا، وهي ترتدي أجمل ثيابها، والحناء على أصابعها، ورائحة المسك والبخور والمخمرية تفوح من شعرها وثوبها، ولا أنسى ابتسامتها، وكلماتها ".
 
سرد الحكاية

 وتذكر "والدتي لها دور كبير في تربيتنا بشكل صارم، وكنت أقرب لجدتي بحكم تربيتها لي فترة طويلة، وتغلغل حكاياتها في قلبي وعقلي، لكن والدتي علمتني الاعتماد على النفس، والقيام بالأعمال المنزلية، والثقة والشجاعة، كانت تحثنا على الدراسة وحفظ القرآن والصلاة، وتحب صلة الارحام، وتزور الجميع دون استثناء وتحرص على التقاليد والعادات الاجتماعية في اللبس والطعام، خاصة  في وقت المناسبات، وكانت تجيد أيضا صناعة الكثير من الحرف النسائية، لقد نشأت والدتي ضمن نظام صارم قائم على العادات والتقاليد، وقد كبرنا على ذلك النظام ورغم صعوبته، ولكن لديه إيجابيات في الحفاظ على تقاليد الأسر ضمن منظومة قيمية عالية تقوم على التربية الأخلاقية والصدق والمحبة، تلك الشخصيتين كانت لهمها النصيب الكبير في كتاباتي، جدتي أثرت علي ّ في سرد الحكاية ، وكان لها الفضل الكبير في تشكيل شخصيتي الكتابية، وقد أخذت النصيب الأكبر في موضوع تجسيدها في أعمالي، فالجدة هي الحاضن الأكبر  للأبناء وأم أخرى لهم" .
 
معنى الموت 


وتواصل المزروعي "  الجد مصدر الحنان والدعم ويساعد في تربية الأطفال، وهو مصدر السعادة والحكايات والنصائح ولديه الخبرة الكبيرة في الحياة، ويرغب بنقلها بكل حب إلى أحفاده، ويساعد على حل الخلافات والوصول إلى حلول عملية ناجحة، وكم سعدت كثيرا  بسماع خبرات جدي، ورغم انه توفي وأنا في سن السابعة، إلا أنني ما  زلت أتذكر كيف كان يضعني في حضنه ويحكي لي عن البحر وأيام الغوص والأيام الماضية والصعوبات التي واجهت أجدادنا في ظل ظروف صعبة وقاسية، والأيام الطويلة التي عانوا منها في البحر وشعورهم بالجوع والقسوة بسبب ظروف الحياة الصعبة، وسفراته مع أصدقائه إلى الهند، لقد كان جدي انسانا طيبا كريما، حزنت جدا على وفاته، وجسدت رحيله في قصة من قصصي وجزء من رواياتي، أتذكر الكثير من تفاصيل وفاته التي شهدتها في طفولتي، لأول مرة ولم أكن أفهم معنى الموت، لكن عند وفاته سمعت الكثير من البكاء والصراخ.  


نبراس ومعلم

وتضيف "لعب جدي دورا كبيرا في حياتنا كان الناصح بخبرته، حريص على وحدة الأسرة وحل مشاكلها وكان هو وجدتي وحدة واحدة جميلة حريصة على الترابط الاسري، ورغم أن جدتي ظلت فترة طويلة وحيدة بعد وفاته، ولكنها كانت قوية حكيمة ، تستمد هذه الروح من الايمان وقوة الترابط الاسري والمحبة، كان وجود والدي في حياتنا ليس بالكثير، فقد كان مشغول طيلة الوقت بأعماله وتجارته، كان عاشقا للصحراء والعزلة والمزارع، الأب كان أسلوبه صارم في التربية، وحريص على تعليم أبنائه  وتزويدهم بخبرته في الحياة، وهو مصدر للأمان وغطاء أمني ومعنوي واجتماعي يظلل الأسرة ويحتويها ويؤمن لها احتياجاتها اليومية والاستقرار، وقد تعددت أدوار الجد بكتاباتي، وتناولت العلاقة بين الأبناء والآباء في مراحل متعددة في المرض والشيخوخة والعجز والمناسبات الاجتماعية، ومواجهة الماضي وصراعه مع الحاضر والمستقبل في تربية الأحفاد، وقد عاصر شظف الحياة، وقسوتها ونقل خبرته لأبنائه وأحفاده، ومهما تطورت التكنولوجيا يظل الجد نبراسا، ومعلما أول يعطي من أفكاره وتجاربه الحياتية، رغم أن البعض غير متعلم، إلا أن الجد يبقى هو الأب الأكبر للعائلة وأهميته تنبع من كونه صاحب حكمة وخبرة حياتية عميقة جعلت منه مدرسة".


صديقات القلب


وتقول : "مرت علي الكثير من الصديقات خلال فترة طفولتي، ولا أنسى تلك التفاصيل الجميلة، حيث جمعتنا الفصول الدراسية والامتحانات، والحكايات مع مجموعة جميلة من الزميلات، كنا نتبادل الكتب والروايات، وكانت لدينا دفاتر المذكرات، حيث تسجل كل واحدة منا، فيها عبارات محبة وسعادة وحنين، وقد امتدت صداقاتي بالكثيرات خارج إطار المجتمع الأدبي والثقافي، وكنّ يتواصلن معي ونجتمع خارج العمل نتبادل الضحكات وأحاديث الحياة، ولا يزلن يقرأن لي ويتواصلن معي بالنصيحة، ويتشاركن معي لحظات الاحتفالات والنجاحات ومصاعب الحياة، وقد كتبت الكثير من الأعمال التي جسّدت تلك الصداقة والمحبة وأهديت بعض كتاباتي لعدد من صديقات القلب القريبات".



 الأجناس الأدبية



القراءة من أهم الهوايات التي مارستها طيلة حياتي، كان لدي شغف كبير بقراءة القصص والحكايات والمجلات وخاصة في فترة طفولتي الأولى، ومع الوقت صار عندي مكتبة اشتريتها من مصروفي الشخصي، حرصت على انشائها أعود إليها كل يوم، ولقد كبرت تلك المكتبة وصار فيها الآلاف من الكتب المتنوعة.
الكتابة وبالأخص اليومية هواية أعشقها، كبرت عليها وصارت جزء مهما من حياتي، وأخذت حيز ومكانة رائعة في قلبي وعقلي، و لها أهمية كبيرة فكتبت في كافة الاجناس الأدبية القصة الشعر والمسرح والسينما والرواية والمقال اليومي، ولدي هواية الطبخ ورثتها من والدتي، وهوايات أخرى أمارسها بين الحين والأخرى كالرياضة، وبالأخص في طفولتي مارست لعبة نط الحبل، والجمباز، ولعبة  الطوق، وحياكة الملابس وبالأخص ملابس الدمى، كنت مستمتعة بتلك الهوايات إلى جانب الرسم والتلوين وغيرها من الهوايات التي كبرت معي وتحول بعضها إلى جزء من حياتي مثل  السفر والبحث عن الأماكن الجديدة وزيارة المتاحف، والأماكن السياحية سواء داخل الدولة وخارجها، كما أصبحت لدي مكتبة كبيرة تجاوزت الآلاف وصارت جزء من أبحاثي وكتاباتي اليومية .
 


سرد التاريخ

وتوضح"تأثرت خلال فترة الدراسة بالعديد من المعلمات اللواتي تركنّ في داخلي الكثير من القصص السعيدة، وربما معلمة التاريخ أكثرهن، فهي التي زرعت في نفسي حب مادة التاريخ وقصصه وأحداثه، كانت تسرد التاريخ بطريقة قصصية ممتعة، تسهل حفظه واسترجاعه، إلى جانب أنها من المعلمات اللواتي يحرصنّ على تقديم النصيحة حول الدراسة  والمستقبل والحرص الكبير علينا، أيضا مرت علينا مدرسات أخريات كان لهن أثر كبير على شخصيتي مثل معلمات اللغة العربية طيلة  فترة مرحلة الابتدائية والاعدادية والثانوية شجعوني على الكتابة والقراءة كثيرا، وكنت دائما أسعد بقراءة نصي في حصة التعبير، وأسمع عبارات التشجيع والتصفيق، فتحية لكل معلمة كان لها التأثير الإيجابي في حياتنا.
 


تمازج الثقافات

وحول انطلاقها في عالم القراءة تذكر: " كانت المجلات وقصص الجيب من الكتب التي أثّرت عليّ جدا، بالإضافة إلى الأعمال الروائية العديدة التي قرأتها في بداياتي، منها  رواية "العجوز والبحر" لهمنجواي، و"جاك وحبة الفاصوليا"  و"سندريلا "و"بياض الثلج" و"علاء الدين والمصباح السحري" و "علي بابا والأربعون حرامي" وغيرها وحتى أفلام الكرتون والقصص العالمية، التي أثّرت على شخصيتي وشكّلت الكثير من تمازج الثقافات المختلفة عليّ وساعدتني فيما بعد على استلهام  أفكاري في كتابة أعمالي الأدبية أو حتى مقالاتي اليومية، ولكني  أعتبر جدّتي أكبر وأعظم  أديبة مرت عليّ حتى اليوم، لأنها من أهم الشخصيات التي أثّرت في حياتي، لا تزال قصصها المحطة الأولى التي أثرت علي، وساهمت في تشكيل شخصيتي، ودفعي نحو عالم الكتابة والتأليف.
ليلة العيد

 وبالنسبة لرحلتها مع القلم تقول: "بدأت الكتابة منذ سن الطفولة، وبعض الكتابات والقصص البريئة والحكايات كتبتها في دفتر مذكراتي الأولى، ولدي أعمال كثيرة لم تنشر ما زالت حبيسة الأدراج، وجميعها تعود لفترة طفولتي، ولكن أول عمل نشرته كان بعنوان " ليلة العيد" بالتعاون مع دائرة الثقافة في الشارقة، عبر مشروع إشراقات الذي كان موجها للشباب لتشجيعهم على نشر الأعمال الإبداعية، شعرت بالسعادة والفرح عند نشره، وتحوله إلى إصدار ورقي عام 2004، وأنا طالبة في مرحلة الثانوية العامة، كما أن فكرة النشر ساعدتني في وضع قدمي على بداية طريق النشر فعليا".


عاشقة السفر

وتضيف المزروعي: "أنا عاشقة محبة للسفر، أول دولة زرتها في طفولتي مع أسرتي هي السعودية لأداء شعائر العمرة، وكانت رحلة محببة لقلبي بأماكنها الجميلة، ورغم إن الرحلة لم تتجاوز 3 أيام، لكن تفاصيل الأماكن والناس والمعتمرين والأطفال، وتفاصيل الحياة الروحانية وأصوات الأذان ما زالت ماثلة في عقلي وقلبي وذاكرتي".