ناشطون بيئيون يستلقون في منطقة جافة في إسبانيا.(أف ب)
ناشطون بيئيون يستلقون في منطقة جافة في إسبانيا.(أف ب)
الثلاثاء 28 مارس 2023 / 12:20

تقرير: التهويل بنهاية العالم لا يخدم البيئة

24- طارق العليان

أثار تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ هذا الأسبوع ردود أفعال مخيفة في وسائل الإعلام وغيرها، إذ حذر في أحد عناوينه الرئيسة من "فرصة أخيرة للحد من التغير المناخي قبل فوات الأوان!". وبناء عليه، أطلقت صحيفة "غارديان" البريطانية تحذيراً قالت فيه: "توبوا أيها الخطاة، فالنهاية وشيكة".

خلع سمة الخطيئة، والسقوط، والبشاعة على إنجازات البشر يعتبر تحقيراً لهم



ليس التحول نحو الخطاب الديني بالشيء الاستثنائي، إذ تسيطر هلاوس نهاية العالم على الحراك والتغطيات المتعلقة بالتغيرات المناخية في الإعلام التقليدي، بسبب دعوات التمرد على الانقراض، وفق تقرير لمجلة "سبايك" البريطانية.
وقالت المجلة في تقرير مطول إن الطابع الكارثي للحقوق البيئية المعاصرة ليس مجرد بلاغة، فقد صار يشكل أفكار النشطاء ورؤاهم. ويُعزى هذا لإيمان المدافعين عن البيئة ببعض الأفكار الدينية التي تتحدث عن نهاية العالم.



هوس النهاية

غير أن الأفكار المتعلقة بنهاية العالم راحت تتخذ طابعاً دنيوياً، وهو ما يتجلى في قضية حماية البيئة في عصرنا الحالي، بسبب ما تحمله التوقعات والنبؤات الكارثية المصاحبة لها من هوس بيوم الحساب، والقصاص من الأشرار، والحلم بخلاص العالم.


وتتصدر الثورة على الانقراض طليعة جيش النبؤات الكارثية.ويزعم هؤلاء النشطاء أنه لا يفصل البشر عن الفناء سوى جيل واحد!
ولا يهتم المتمردون على الانقراض وأمثالهم من ذوي الرؤى الكارثية بالتغير المناخي باعتباره تحدياً عملياً يمكن التعاطي معه بالتقدم المادي والتقني، كما حدث مع المشكلات البيئة التي تم تحجيمها في الماضي، وإنما يتعاملون معه كعقاب.


دعاة البيئة وبث الرعب


ولن يُجدي رفع دعاة البيئة شعار نهاية العالم نفعاً، إذ لا يبث سوى الرعب في نفوس من يقتنعون به، لا سيما الشباب الذين باتوا يرون أن وظيفتهم تتمثل في إيقاظ البشر وجعلهم يكتشفون أرمجدون القادمة، معتقدين أن هذه المهمة النبيلة تفوق أي شيء آخر، حتى ولو وصل بهم الأمر لتسلق الجسور على طريق لندن السريع وإحداث شلل مروري، إذ يجب على الناس أن يروا الأخطاء في تخطيط الطرق، وإذا لم يفعلوا، سيصيرون أهلا للعقاب الآتي لا محالة.
ويعتبر الأثر الثاني لهذا التفكير أكثر سوءاً، إذ أن خلع سمة الخطيئة، والسقوط، والبشاعة على إنجازات البشر يعتبر تحقيراً لهم، ما يؤدي لنشر التشاؤم المجتمعي الذي يحول دون إمكانية التغير الإيجابي.


انتقاد الثورة الصناعية


يتجلى هذا في محاولات الساسة لتلميع سيرتهم بانتقاد الثورة الصناعية، ففي قمة المناخ التي عُقدت في غلاسكو عام 2021، صرح رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون أن المجددين البريطانيين إبان الثورة الصناعية هم المرتكبون الحقيقيون لجرائم المناخ، وأن غلاسكو هي مصدر أزمة المناخ حيث إن "جيمس وات هو من قام باختراع آلة تعمل بالبخار الناتج عن حرق الفحم منذ 250 عاماً". لا عجب، إذاً، من زعم متطرفي دعم البيئة أن بريطانيا يجب أن تدفغ ثمن الثورة الصناعية، رغم تحقيقها التقدم للعالم أجمع!
كما راح بعض دعاة البيئة يهاجمون الأعمال الفنية الكلاسيكية بدءاً من أعمال فناني عصر النهضة مثل فيرمير وصولاً لأعمال المُحدثين مثل فان غوغ. ويرى أنصار حماية البيئة أن كل ما حققه البشر غير ذي قيمة في ضوء اللعنات التي ستُستَنزل عليهم يوم الحساب.


دحض الدعوات المتشائمة


من هذا المنطلق، سيتسبب الفكر الكارثي لدعاة حماية البيئة بحرمان الكثيرين من مصادر القوة والرجاء. لهذا يجب مقاومته، وفق تقرير المجلة، وعلينا أن نتطلع في كل اتجاه نحو كل ما أبداه البشر من ذكاء وحسن تدبير في الماضي ونواصل المسيرة في الحاضر. فنحن نصنع التقدم في جميع مناحي المعرفة: بدءاً من الطاقة، ومروراً بالطب والنقل، ووصولاً للفضاء. ولم يسبق أن أظهرت الطبيعة كل ما تظهره اليوم من مودة. ويجب كذلك أن ندحض كل تلك الدعوات المتشائمة، متذكرين أنه لا يمكن التنبؤ بالمستقبل وأن كل توقعات الفناء الوشيك لهي مبالغ فيها.