الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.(أرشيف)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.(أرشيف)
الثلاثاء 28 مارس 2023 / 13:43

لماذا يلجأ بوتين إلى التصعيد النووي عبر بيلاروسيا؟

قال مراسل الشؤون الدبلوماسية لمجلة "نيوزويك" ديفيد برينان إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعود مجدداً إلى ورقته الأكثر فاعلية، بينما تعاني قواته لإحراز تقدم بارز على الخطوط الأمامية المدمرة في أوكرانيا، ومع استعداد كييف لاستخدام أسلحتها الغربية الجديدة ضد قوات موسكو.

يحاول الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بطريقة ما المشي على حبل مشدود بين الانقسام الشرقي-الغربي


وأعلن بوتين نهاية الأسبوع الماضي أن موسكو ستبني منشآت تخزين لأسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، وستدرب طيارين بيلاروس على تسليم رؤوس حربية بواسطة مقاتلاتهم من طراز سو-24.
لم يعط بوتين أي مؤشر إلى موعد إرسال الرؤوس الحربية وعدد الرؤوس التي سيتم نشرها، بالرغم من قوله إنه توقع إنجاز المنشأة بحلول 1 يوليو (تموز). أثار الإعلان ضجة إعلامية دولية، لكن المسؤولين في الولايات المتحدة وأماكن أخرى كانوا أكثر هدوءاً. قال الناطق باسم البيت الأبيض لشؤون الأمن القومي جون كيربي لشبكة سي بي أس: "لم نرَ أي إشارة إلى أنه نفذ تعهده أو نقل أي أسلحة نووية". وتابع أن بلاده لم ترَ أي إشارة على الإطلاق إلى أن لديه أي نية لاستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا.

أقل ثقة مما يبدو عليه

لا يزال بوتين بحسب "نيوزويك" يحدد جدول أعمال الإعلام بالرغم من أن نيته الظاهرة بوضع أسلحة نووية في بيلاروسيا قد تكون علامة انعدام أمان، عوضاً عن أن تكون علامة ثقة. رأى مارك فويجر، وهو المستشار الخاص السابق للشؤون الروسية والأوراسية للقائد السابق للجيش الأمريكي في أوروبا الجنرال بن هودجز، أن هذا الأمر عبارة عن "هيمنة تصعيدية، على طريقة بوتين". وقال للمجلة نفسها إنه "يحاول تحقيق انتصار استراتيجي من نوع ما".


وافق محلل الشأن الروسي في مجموعة الأزمات أوليغ إيغناتوف على تحليل فويجر، قائلاً لنيوزويك إن سياسة بوتين الأخيرة هي "تصعيد قابل للإدارة". وأضاف: "هو يريد التصعيد. هو يريد إظهار أنه جاهز للتصعيد أكثر من الغرب، ولجعل الوضع أقل راحة من الناحية السياسية. هذا لا يعني أنه سيهاجم".
وأشار محلل المخاطر المتخصص في الشأنين الروسي والأوكراني أليكس كوكشاروف إلى أن إعلان بوتين "لا يعني أنه سيتم نشر الأسلحة النووية بالضرورة". يتم فقط إنشاء البنية التحتية التي ستستضيفها وتطلقها من بيلاروسيا. ويعتقد كوكشاروف في حديث للمجلة نفسها أن هذا الأمر ذو حافز سياسي على الأغلب، ويشير إلى أن أداء روسيا على الميدان ليس جيداً بشكل خاص.
"سيعودون إلى التهديد النووي لثني الدول الأوروبية عن دعم أوكرانيا. لا أعتقد أنه سينجح". وتابع: "لو نظرنا إلى السنة الماضية، كانت روسيا تصعد خطابها النووي حين لم تكن تبلي بلاء حسناً بشكل خاص على الميدان. كان هناك أول قفزة في تلك التهديدات النووية في سبتمبر (أيلول)، وسط هجوم خاركيف المضاد. ثم طرأت جولة أخرى في أكتوبر (تشرين الأول)، أوائل نوفمبر (تشرين الثاني)، حين كانت عملية خيرسون جارية".

هدف آخر

مع ذلك، دعا الخبراء إلى عدم تجاهل توسع مظلة موسكو النووية. قال فويجر الذي أصبح زميلاً غير مقيم في مركز التحليلات الأوروبية وأستاذاً في الجامعة الأمريكية في كييف إن "الاحتمال هو أن الناتو قد يتشتت انتباهه إلى حد ما بفعل هذا التهديد". وأضاف: "أنا لا أقول إنه سينجح في مساعدة روسيا على الفوز، لكن بالتأكيد يمكنه مساعدتهم في تشتيت انتباه الغرب بطريقة ما. علينا أن ننتبه إلى جميع تلك التحركات للقيادة الروسية، حتى ولو كانت لا تبدو مرتبطة مباشرة بأوضاع تكتيكية معينة على الأرض".
وذكر إيغناتوف أن "روسيا تملك تفوقاً في الصواريخ النووية التكتيكية، لأن الغرب يملك أقل والروس يملكون الكثير منها".

لوكاشينكو في حيرة

يحاول الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بطريقة ما "المشي على حبل مشدود"ـ بين الانقسام الشرقي-الغربي. سمح لوكاشينكو باستخدام أراضي بلاده لمهاجمة أوكرانيا خصوصاً كمحطة انطلاق لمحاولة التوجه الفاشلة إلى كييف الربيع الماضي. لوكاشينكو مدين بالفضل لبوتين بسبب اعتماد اقتصادي طويل المدى على روسيا، لكن أيضاً لأن الكرملين أنقذ نظامه من الإطاحة بسبب تظاهرات شرسة مؤيدة للديموقراطية في 2020. وأبقت مينسك قواتها خارج الحرب بالرغم من اعتقاد بأن موسكو تدفع لوكاشينكو والمسؤولين البيلاروس للالتزام الكامل بالمستنقع في أوكرانيا.


تقول المؤسسة المشاركة للمجلس البريطاني حول الجيو-استراتيجيا فيكتوريا ستاريش-ساموليين لمجلة نيوزويك إن "لوكاشينكو لعب دوماً هذه اللعبة حيث يقف إلى جانب روسيا، لكن بعدها يحاول أيضاً عدم اتباع توجيهات موسكو بالكامل، على أمل أن يكون هناك نوع من القدرة بالنسبة إليه على التفاوض مع الغرب وخصوصاً مع الاتحاد الأوروبي". ولاحظت أن لوكاشينكو في موقف صعب حيث أن الولايات المتحدة أضافت عقوبات جديدة على لوكاشينكو وحلفائه في نهاية الأسبوع الماضي بينما يهدد الاتحاد الأوروبي بجولة أخرى من العقوبات المرتبطة بقبول مينسك بالأسلحة النووية التكتيكية.

ستحترق

أضافت ستاريش-ساموليين أن "مقاومة ما يقوله له الكرملين تصبح أصعب بشكل متزايد. قد يكون هذا إشارة إلى أنه للأسف، يتبع الآن بشكل كامل ما يقال له". وكتبت قائدة المعارضة البيلاروسية المنفية سفياتلانا تسيخانوسكايا على تويتر أن المسار يبدو قاتماً، وأن الاتفاق "يزيد خضوع روسيا" للمصالح الروسية.
قال إيغناتوف إنّ "بيلاروسيا تصبح أكثر وأكثر اعتماداً على بوتين وأنه إذا كان ثمة أسلحة نووية روسية هناك، فهذا يعني أن التعاون بين الجيش الروسي والجيش البيلاروسي سيزداد. والتعاون، بالنسبة إلى الروس، يعني المزيد من التحكم. قبل 2021، كان الحضور العسكري الروسي في بيلاروسيا محدوداً للغاية. والآن الصورة مختلفة تماماً".
حذر فويجر من أن القرار يضع بيلاروسيا في خط إطلاق النار المباشر إذا تحقق ما لا يمكن تصوره واستخدمت روسيا السلاح النووي. "إذا حدث أي شيء، فستكون بيلاروسيا هي التي ستحترق، وليست روسيا".