حارب الظاهري وعدد من إصداراته( 24 )
حارب الظاهري وعدد من إصداراته( 24 )
الثلاثاء 28 مارس 2023 / 20:01

حارب الظاهري لـ24: ذكرياتي الرمضانية مؤثرة وتظهر في نتاجي الأدبي

24 - إعداد: نجاة الفارس

" ذاكرة الطفولة"  زاوية نضئ فيها على طفولة أديب من الإمارات، نصغي لأولى تجاربه ورؤاه، أولى أفراحه وأحزانه، نمخر عباب مرحلة، بصماتها خالدة في أعماق الذات، وتتسرب لأطراف الأصابع، عبر النتاج الأدبي بين لحظة وأخرى.

مجموعتي الشعرية تجربة حياتية نمت أثناء تداخلات الحياة والحب 

كتبت قصصا عن المرادفات الحياتية زمن الدهشة الأولى والمعاناة

بعض كتبي بمرحلة الطفولة ما زلت أحتفظ فيها لأنها نواة الانفتاح على القراءة

       الصداقة فرح الإنسان وسعادته والترابط يشعره بجمالية الحياة

الشعور بالآخر


يقول الأديب حارب الظاهري: " رمضان شهر مبارك في إطلالته الحسنة، في مرحلة الطفولة كنا نشعر أن رتم الحياة يختلف عن سابق الشهور، وتبدأ التساؤلات الكبيرة والحثيثة، لماذا نتوقف عن عادات الطعام والشراب في النهار، ثم تتسع التساؤلات وتأخذ مداها بمنحى ديني، حتى ترسخت الفكرة لدينا، بأن رمضان استهلال على حياة الخير والشعور بالآخر من البشر منهم الضعفاء والمساكين، بعد ذلك صرنا نستوعب تلك التجليات ونؤمن بها، وندرك أهمية رمضان كشهر جميل لا يخلو من المواقف الطفولية، حين ننسى أننا صيام ونقبل دون شعور على الماء، وإذا شاهدنا أحدا يشرب الماء نخبر أهله ويخبرون أهلنا عنا، كنا نسهر حتى وقت متأخر، ميزة لا نجدها في سائر الشهور، ونلهوا مع أصدقائنا الى حد السحور أحيانا، وإذا صادفت الدراسة أثناء الشهر الكريم نلتزم أكثر بالوقت، ونذهب الى المدرسة بنفوس صافية ومفعمة بالوقار الديني".


منظومة إبداعية


ويضيف في حوار خاص لـ24 " ذكرياتي الرمضانية مؤثرة وتظهر في نتاجي الأدبي، بل حتى الكتابة أثناء الشهر الكريم لها مذاق جميل، فكثير من الإصدارات التي أنجزتها كانت أثناء هذا الشهر، الذي يبدو ذو شهيه غريبة، ففراغ اللهفة على الطعام تشحن الفكر وتحفزه، وكأن الكتابة تتغذى على الاحاسيس البسيطة من الحب والخوف والأمل، تلك التناقضات الجميلة تسحر النفس في تجاذبها نحو الفكر وتشكل منظومة إبداعية جميلة".
 


الأم والجدة




وبالنسبة لطبيعة علاقته مع الأم والجدة، يوضح الظاهري: " في بدايتي كنت هادئا جدا وأشعر بالحيرة أمام تجليات الحياة، كما لو أقرأ الحياة بتمعن وهدوء وكنت شغوفا بالكتابة والقراءة أبحث دوما عن كتب ومجلات خارج المقررات الدراسية، كما لو أبحث عن شيء غال ونفيس، وكانت الوالدة تحثني على الدراسة، وتنمي في روحي محبة قراءة القرآن وحفظه، بالإضافة إلى التزامي بالدراسة، وتحثني على التبصر في المحتوى الديني، أما الجدة فكانت تعتني بتفاصيلي اليومية وتشعرني بالأمان، إذا ما مرضت أو خفت وإذا نقص شيء تفاجئني بإحضاره لي، الحياة كانت جميلة ومؤثرة من البيت الى الحارة الى الأقارب والجيران الى السوق القديم، والمكتبات التي تفرحنا بقصص تعشش في ذاكرتنا، فكتبت قصصا حين كبرت عن هذه المرادفات الحياتية زمن الدهشة الأولى والمعاناة".


 


تساؤلات كبيرة




ويذكر:"الحياة نتعلمها من كل شخص قريب منّا، كالأب والجد والعم والخال، كلّ له فلسفة خاصة لا نشعر بها في حينها، وعندما كبرت وتجاوزت 10 سنوات بدأت أشعر أن الهدوء أمام احتدام الحياة يشكل معضلة حقيقية، فلا يشعرك بأنك أخذت حقوقك البسيطة، كما أن   
شخصية الأب العسكرية في قراره وفي عمله الطويل مع الجيش الإنجليزي، ولكنه شعر بانتمائي واهتمامي بالقراءة، فكان يمدني بالصحف اليومية والمجلات مثل مجلة "درع الوطن" و"مجلة الشرطة و"زهرة الخليج" وبعدها رسمت طريقي في انتقاء المجلات ومنها مجلة العربي، والأزمنة، فتكونت لدي تساؤلات كبيرة ناضجة خاصة في حضور الكبار بالمجلس، فكسبت شخصية متميزة بالنقاش والدراية بالحياة".


جمالية الترابط




ويقول: " لدي صداقات منذ الصغر، ورغم انتقالي من العين إلى أبوظبي في وقت مبكر، إلا أن الصداقات ظلت مؤثرة، نجتمع معا ونتذكر الدراسة والمدارس والحارة ونقترب من بعضنا، نستعيد ذكرياتنا التي وطدت علاقة المحبة وزادت التواصل فيما بيننا، فهم شخصيات متعددة لهم حضورهم المعرفي، بعضهم تباعدوا بحكم ظروف حياتهم الخاصة أو العامة، لكن الصداقة هي فرح الإنسان وسعادته، ورغم رتم الحياة وما جرى من متغيرات وحكايات وتشعبات مؤثرة فيها، إلا أن الترابط يشعر الإنسان بجمالية هذه الحياة".


كرة القدم و الطوابع
 


وعن الهوايات المفضلة بمرحلة الطفولة، يبين:" أن هوايته كانت لعبة كرة القدم في الحارة التي تضج بالأطفال وهم يمارسون هذه اللعبة الجميلة، موضحا أنه كان يلعبها بالمدرسة، وكذلك في نادي صغير ينظم حضور الأصدقاء ومشاركتهم، في التمارين والمباريات مع المناطق الأخرى، و كنا نمارس ألعابا أخرى مثل "الكيرم"، وكذلك أجمع الطوابع وأراسل الصحف والمجلات بما أكتب من مقالات أو مواد أدبية، وبعض الهوايات انقرضت لكن ما زالت تمر في حياتي استرجعها وأكتب عنها.
 


دفتر الذكريات

 
ومن المعلمين الذين لا ينساهم الظاهري، يقول : " مدرس التربية الفنية، فقد كان يوجهني بشكل مستمر، وكتب لي في دفتر الذكريات الذي ما زلت أحتفظ فيه الى الان، كتب لي مادة جميلة بخط جميل، وما زلت أتذكر كثيرا من المدرسين الذين شجعونا على البحث والقراءة، وعلى إنشاء حدائق صغيرة بالمدرسة نشعر فيها بجمال الإنتاج والثمار والمعرفة معا. 


نواة الانفتاح




ويضيف : "القراءة رفيقة الدرب، تأسست على قراءة القرآن، وكتب المدرسة وخاصة التاريخ واللغة العربية، وبداية من قصص الأطفال بالمكتبات التجارية الى المجلات التي تتكلم عن المغامرات، إلى كتب الشعر والشعراء، ومنها كتاب حول شعراء المهجر، وقع في يدي وكان يدور حول حياة كل شاعر، وعلاقته بالثقافة، كان كتابا ملهما ومشعا بالشعر العربي، وبعض الكتب ما زلت أحتفظ فيها لأنها نواة الانفتاح على القراءة".


وجدت ضالتي




ويقول: " ثم امتدت قراءاتي نحو الروايات العربية والقصص العراقية، فمن خلال معارض الكتب بدأت تتبلور لديّ ثقافة تتميز بشكل أجمل، وأكثر تأثيرا، وكان للصفحات الثقافية دورا في التعرف على الكتابة الشعرية المختلفة وانماطها، وكذلك المسابقات الثقافية التي كانت تخصص للصغار وكانت مشجعة نتفاعل بالمشاركة فيها، وحين انتقلت إلى أمريكا للدراسة الجامعية، لم أنقطع عن الصحف اليومية، واشتركت في بعضها رغم التكلفة الباهظة، ووجدت ضالتي في الصحف السعودية، التي كانت تصل الى المكتبات الجامعية بشكل مجاني". 


تجربة مهمة




ويذكر الظاهري: " بدأت رحلة الكتابة منذ صغري، وكتبت لنفسي بداية، ثم نشرت في الصفحات المخصصة لعمري، وكان القائمون عليها يشجعوني على الكتابة والنشر، واستمرت الرحلة حتى نضجت الأفكار، وما زلت أحتفظ بتلك القصاصات التي نشرتها في مجلة "زهرة الخليج" ومن ثم مجلة "الصوت" التي صدرت عن سفارة الإمارات في أمريكا للطلبة، أثناء تلك الحقبة الزمنية، وهي الاختبار الحقيقي، فرغم ضياع بعض المقالات إلا أنها صقلت الكتابة لدي بشكل حثيث وجميل، واتسعت لها الرؤية فلم أكن أخجل من ردود القراء بل كانت تجربة مهمة".


علاقات واسعة


  وعن أولى تجاربه في السفر يقول : " لم أتجاوز 15 عاما حين قررت الذهاب لدراسة اللغة الإنجليزية، فسافرت إلى مدينة سكابرا في المملكة المتحدة، والتقيت بعدد من الأصدقاء صدفة، وآخرين تعرفت عليهم فيما بعد، ولإن المعهد يجمع طلبة من الإمارات ومن دول عربية وأوروبية، كوّنت علاقات واسعة، وكانت تجربة جميلة، أن أعيش مع عائلة إنجليزية لها غير عاداتنا وتقاليدنا، تعلمت كثيرا من الطقوس والنمط العائلي المختلف، وكانت بداية الاعتماد على النفس، فالعائلة لم توفر المواصلات، وكنت أذهب إلى المعهد مشيا على الأقدام، ثم حفظت الطرقات وسير القطارات، أما الغذاء فكان مختلفا، وبسيطا، لم اعتد عليه من قبل، وكان قضاء شهر ونيف هنالك كفيلا بأن أعود من هذه الرحلة الدراسية نحيلا. 


اكتشاف الآخر




ويضيف : "كان مدرسي بالمعهد يسكن جاري، ولديه شغف بتعلم العادات العربية، وأثناء ذهابنا في الطريق الممتد من المنزل الى المعهد وأثناء العودة، يشغلني في الحديث عن العادات العربية، وذات مرة دعاني وصديقي في العطلة الأسبوعية للذهاب الى مدينة يورك القريبة من سكابرا، إلا أنه اشترط عليّ دفع قيمة البنزين فاستغربت من دعوته، وقلت ربما عاداتهم تستوجب ذلك، وحين توقفنا عند محطة البترول، حاولت دفع ثمن البنزين، لكنه ضحك قائلا سمعت عن الكرم العربي وودت أن أختبرك، كانت رحلة أولى لاكتشاف الآخر، والحياة، ونمط التجارب، زودتني بذكريات جميلة وكثيرة لا يمكن أن أنساها، وأصلت بنفسي اللهفة على حب الوطن".

الحب الأول


ويختم الظاهري: " كان الحب الأول عفيفا بعاطفة بريئة، فمن الجميل أن تكتب لمن تحب، وتسعد أن تسمع ما كتبت، لقد كانت مشاعر جسدتها عبر رسائل مليئة بالخواطر والأشعار، ضمن كتابات أدبية مليئة بصدى ذلك الحب، من أعماق أزهرت في الروح، حتى الكتابة تستمر على نمط الحياة والحب والقيم الجميلة، لذا فإن مجموعتي الشعرية عبارة عن تجربة حياتية نمت أثناء تداخلات ما بين الحياة والحب.