الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.(أرشيف)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.(أرشيف)
الأربعاء 29 مارس 2023 / 11:26

كتاب يحلل التاريخ ويتوقع مستقبل روسيا بعد الحرب

في محاولة للإجابة على أسئلة شائكة بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا، وعما إذا كان مرتبطاً باستعادة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعض الأمجاد السوفيتية أو بجذور تاريخية وجيوسياسية أعظم، يضيء العضو المساعد في هيئة التدريس بالمعهد الآسيوي للإدارة روبرت ويتول على كتاب للمؤرخ البريطاني أورلاندو فايجز بعنوان: "قصة روسيا".

بعكس الصين التي بنت جداراً دفاعياً واستحوذت على مناطق عازلة، كانت روسيا دوماً توسعية


كتب ويتول في "المعهد الأسترالي للسياسة الخارجية" أنّه بحسب وجهة نظر فايجز، ركزت التحليلات الحديثة للحرب الروسية بشكل حصري على خصوصيات أفكار وسلوك الرئيس بوتين ومحيطه الأوليغارشي، وأحداث أخرى منذ تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991. عوضاً عن ذلك، ينصح فايجز المحللين السياسيين والعسكريين بتوسيع إطار اهتمامهم، واستخلاص الدروس من تاريخ روسيا الطويل.

أناقة

يدرّس فايجز في جامعتي لندن وكامبريدج وكتب مطولاً عن التاريخين الروسي والأوروبي. في "قصة روسيا"، يقدم سرداً مختصراً لكن شاملاً لماضي روسيا، ويختتم بتأملات حول وجهة روسيا. ينقل كتاب فايجز المكتوب بأناقة القارئ من أصول روسيا بدءاً بالفايكينغ والسلافية في القرن السابع، وحقبة "كييف روس" مروراً بحكم المغول وروسيا الإمبريالية، ونشوء وانهيار الاتحاد السوفيتي وصولاً إلى الحاضر. وسط هذه العملية، يستكشف فيجز مواضيع عدة متصلة بالحرب في أوكرانيا.

طبيعة الحكم

لطالما كانت الأوتوقراطية الروسية مطلقة. في أوروبا الغربية، تباعد التاج الملكي والدولة بطريقة تدريجية مفسحين المجال أمام قيام الديموقراطيات الليبيرالية الحالية. الملوك الباقون يفتقرون للسلطة السياسية. في روسيا، أتت محاولات الإصلاح متأخرة جداً. يذكّر فايجز قراءه بأن الدولة الأوتوقراطية في روسيا تفككت مرتين في 1917 و1991. لكن في الحالتين، شهدت الأوتوقراطية ولادة ثانية بشكل مختلف.
في الغرب، انفصلت الدولة والكنيسة بينما ظلت السلطة السياسية والدين متشابكين. في إيطاليا موطن العديد من المهندسين الروس، بنيت الكنائس خارج أسوار المدينة، بينما بنيت أهم الكنائس في موسكو داخل الكرملين. في انعكاس لهذه العلاقة الوثيقة، ألقى رأس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية البطريرك كيريل بثقله خلف غزو بوتين لأوكرانيا.

ما يميزها عن دول كالصين

بعكس الصين التي بنت جداراً دفاعياً واستحوذت على مناطق عازلة، كانت روسيا دوماً توسعية. من الفتح المغولي في القرن الحادي عشر، تعلمت روسيا أن أفضل طريقة للدفاع عن نفسها تكمن في السيطرة على أكبر مقدار ممكن من السهوب الأوروبية. بعد انهيار الإمبراطورية المغولية، توسعت روسيا في سيبيريا وآسيا الوسطى ووصلت في النهاية إلى المحيط الهادئ.
الأهمية الاستراتيجية للبحر الأسود أساسية لفهم غزو أوكرانيا. من دون البحر الأسود، لا تملك روسيا منفذاً بحرياً إلى أوروبا باستثناء بحر البلطيق الذي يمكن إغلاقه بسهولة. ضمت الإمبراطورة كاثرين الثانية (العظيمة) القرم سنة 1783، وسيفاستوبول هي موطن أسطول البحر الأسود، وهو عنصر أساسي في الدفاع البحري.

 

 

أصل الأوليغارشيين

تتبع فايجز حكم الأوليغارشية والفساد الحاليين في روسيا إلى أواخر العصور الوسطى، حين مُنح البويار (النبلاء الإقطاعيون) ملكية الأرض والثروة كمكافأة على ولائهم للدوق الأكبر في موسكو. خلال هذه الفترة، تجذرت ممارسة "التغذية من الأرض" مع استخراج المسؤولين السلع والأموال من السكان. لم تكن هذه العلاقة مختلفة عن تحالف بوتين مع أوليغارشييه الذين تعتمد ثروتهم على ولائهم للرئيس.

القوة العسكرية الروسية

يناقش فايجز أيضاً تطور الجيش الروسي. تحت حكم القيصر إيفان الرابع (الرهيب)، زود ملّاك الأراضي الجيش بالجنود بناء على حجم ممتلكاتهم. قام القيصر بطرس الأول (العظيم) بتوسيع التجنيد الإجباري حيث قدمت مجموعات من أسر الفلاحين جنوداً مدى الحياة. ما افتقر إليه الجيش على مستوى النوعية عوضه عبر الكمية. في الحرب العالمية الثانية، خسر الجيش الأحمر نحو 12 مليون جندي، وهي حصيلة تساوي ثلاثة أضعاف حجم الخسائر العسكرية لألمانيا النازية.
في حربها على أوكرانيا، تستغل روسيا مجدداً إمداداتها الكبيرة من الجنود القرويين. في أواخر 2022، أعلن بوتين تعبئة 300 ألف مجند إضافي. يأتي معظمهم من مناطق ريفية ونائية وهم غير مجهزين بشكل جيد. مع وجود هيكل قيادي شديد الهرمية وضباط صف غير فعالين، خسر الجيش الروسي في أوكرانيا أعداداً غير متناسبة من كبار الضباط. بشكل مثير للاهتمام، تعود هذه المشكلة إلى روسيا القيصرية، حين كان ضباط الصف مدربين بشكل سيئ، وغير موثوق بهم.

دعم الروس لبوتين

قلبت الحرب في أوكرانيا الرأي العام الغربي ضد موسكو. لكن في روسيا، تشير استطلاعات الرأي إلى مستوى مرتفع من الدعم لبوتين و"عمليته العسكرية الخاصة". بشكل ملحوظ، ثمة أدلة قليلة على وجود معارضة داخلية للحرب. ينسب فايجز هذا الأمر بشكل كبير إلى المواقف التي حملها الروس منذ الحقبة السوفيتية، من ضمنها التوقعات المادية المنخفضة والانسياق الاجتماعي وقبول السلطة.

ماذا عن المستقبل؟

يستعرض فايجز سيناريوهات مستقبلية. في ظل القلق من أن تكون روسيا عالقة في دورة تاريخية متكررة، بحيث تعود تكراراً إلى الاستبداد على النمط السوفيتي. لقد تسببت روسيا بموت هائل وبدمار ومعاناة بشرية في أوكرانيا، كما أثارت أزمات غذاء وطاقة عالمية. لكن فايجز يشير إلى أنه على المدى الطويل، تبقى روسيا نفسها الخاسر الأكبر، إذ ألحقت بشعبها واقتصادها ضرراً هائلاً وأعادت تنميتها عقوداً إلى الخلف.