الأحد 2 أبريل 2023 / 09:09

فنلندا في الأطلسي.. وبوتين يهول

خيرالله خيرالله- العرب اللندنية

أخطر ما في الأمر أن بوتين يرفض الاعتراف بأنه لا يستطيع الانتصار في أوكرانيا عن طريق التهويل

في اليوم الذي صارت فيه فنلندا عضواً رسمياً في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على المفهوم الجديد للسياسة الخارجية لبلده لدى اجتماعه بأعضاء مجلس الأمن الروسي حديثاً.
قال بوتين في هذا الصدد: "تطلبت منا التغييرات الجذرية في الحياة الدولية أن نعدل بجدية وثائق التخطيط الاستراتيجي الرئيسية، من بينها مفهوم السياسة الخارجية لروسيا، وهو المفهوم الذي يحدد مبادئ النشاط الدبلوماسي ومهماته وأولوياته".
تجاهل بوتين كلياً الأسباب التي دعت دولة مثل فنلندا، تغنت دائماً بحيادها، إلى الانضمام إلى الحلف الأطلسي. لا حاجة لدى الرئيس الروسي إلى الذهاب بعيداً في تحليلاته ونظرياته كي يكتشف أن حرب أوكرانيا أخذت فنلندا  والسويد إلى حلف شمال الأطلسي. لدى فنلندا أطول حدود لدولة واحدة مع روسيا. يبلغ طول هذه الحدود 1340 كيلومتراً. شن بوتين حربه على أوكرانيا بحجة أنها تنوي الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. كانت النتيجة أن الحلف توسع. ليس بعيداً اليوم الذي ستكون فيه أوكرانيا، إلى جانب فنلندا والسويد، في الحلف الأطلسي.

على الرغم من ذلك كله، يرفض الرئيس الروسي الاتعاظ من الأحداث ومن سلسلة الأخطاء التي ارتكبها. يريد بوتين التراجع من دون أن يتراجع. جعل حليفه ألكسندر لوكاشينكو، رئيس بيلاروسيا يدعو إلى وقف للنار في أوكرانيا ويلوح في الوقت ذاته بـ"حرب نووية تلوح في الأفق".
وجه رئيس بيلاروسيا، بعيد بدء استعداده لاستقبال أسلحة نووية روسية في بلده، كل أنواع التهم إلى الولايات المتحدة والغرب… كأن أمريكا وأوروبا غزتا أوكرانيا وأشعلتا، قبل 13 شهراً أو أكثر قليلاً من ذلك بقليل، حرباً في داخل القارة العجوز.
أوضح وزير الخارجية سيرجي لافروف ما يعنيه بوتين بقوله إن موسكو تسعى إلى بناء نظام عالمي جديد يكون أساساً للعلاقات الدولية. قال إن "استخدام القوة ضد من يهدد روسيا سيكون عقيدتنا الجديدة".
لم يحدد لافروف من يهدد روسيا، لكن الواضح أن روسيا تهدد نفسها، قبل أي شيء آخر. تخترع روسيا نظريات جديدة لتبرير كونها دولة عدوانية، تعتقد أن في استطاعتها إقامة نظام عالمي جديد من جهة وتبرير حربها على أوكرانيا من جهة أخرى.
رأى لافروف أن "المفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية يوفر احتمال اللجوء إلى إجراءات رد متماثلة أو غير متماثلة". أوضح أنه، بموجب المفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية، باتت الولايات المتحدة تسمى "صاحبة المبادرة والقائدة الرئيسية للخط المناهض لروسيا في العالم".
لم يعد سراً أن روسيا فلاديمير بوتين تبحث حالياً عن عدو. تعتقد أنها استطاعت، مع إيران والصين، تشكيل حلف معاد لأمريكا. مثل هذا الاعتقاد مجرد وهم لا أكثر. كل ما تقوم به روسيا في الوقت الحاضر هو هروب من الواقع.

ويندرج في سياق الهروب من الواقع تأكيد لافروف أن المفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية يعني "إعادة هيكلة جادة للاقتصاد العالمي". يعتمد على أن "المفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية يعكس منطقياً التطورات الثورية في الشؤون الدولية". اعتبر أن موسكو "ترى مخاطر تفاقم الصراعات، التي تشارك فيها الدول الكبرى، كما ترى احتمال تصاعدها إلى حرب محلية أو عالمية".
بدل التعاطي مع الواقع المتمثل في أن حرب أوكرانيا صارت حرب استنزاف طويلة، لم تكن روسيا مستعدة لها، لجأ بوتين إلى التهويل. قالت الوثيقة المتعلقة بالمفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية إن "استخدام القوة العسكرية في انتهاك للقانون الدولي، وتطوير الفضاء الخارجي وفضاء المعلومات كمجالات جديدة للعمليات العسكرية، وتلاشي الخط الفاصل بين الوسائل العسكرية وغير العسكرية للمواجهة بين الدول، وتفاقم الصراعات المسلحة التي طال أمدها في عدد من المناطق، يزيد من الخطر على الأمن العالمي. كذلك، يزيد من مخاطر الصدام بين الدول الكبرى، بما فيها القوى النووية ويزيد من احتمال تصعيد مثل هذه الصراعات وتفاقمها لتصل إلى حرب محلية أو إقليمية أو عالمية".
لدى التمعن في الخطاب السياسي الروسي في هذه الأيام، يظهر واضحاً أن بوتين لم يستطع الخروج من اللغة الخشبية التي اعتمدها الاتحاد السوفيتي منذ تأسيسه وحتى انهياره، رسمياً، في بداية 1992. لم يستطع الرئيس الروسي استيعاب معنى انضمام فنلندا إلى حلف الأطلسي. فوق ذلك كله، لا يستطيع أن يتذكر بين حين وآخر أن حجم الاقتصاد الروسي أصغر من حجم اقتصاد دولة مثل إيطاليا لا تمتلك ثروات طبيعية من أي نوع كما الحال مع روسيا!

حسناً، ستطول الحرب الأوكرانية التي أحدثت إلى الآن تغييرات كبرى في هذا العالم شملت ارتماء روسيا في الحضن الصيني بعدما أمضت بعض الوقت في الحضن الإيراني. غير فلاديمير بوتين العالم ثم ماذا؟
مشكلة الرجل أنه لم يستطع تغيير روسيا. كل ما فعله أنه كشف نقاط ضعفها، خصوصاً مستوى السلاح الروسي. فوق ذلك كله، تبين أن الشعب الروسي يرفض إرسال أبنائه إلى أوكرانيا. كان الشعب الروسي في البداية متحمساً للحرب، لكن هذه الحماسة ما لبثت أن تراجعت بعدما اكتشف المواطن العادي أن أوكرانيا تحولت إلى مقبرة للشباب الروسي.
لا يمكن تجاهل أن الولايات المتحدة تواجه مشاكل كبيرة على مستوى العالم، كذلك معظم الدول الأوروبية في مقدمتها فرنسا. لكن السؤال الذي يطرح نفسه كل يوم إلى متى يستمر فلاديمير بوتين في مغامرته الأوكرانية بكل ما ستتركه من آثار على العالم كله، وهي مغامرة أحسنت الصين استغلالها أفضل استغلال؟
هل من قوى في الداخل الروسي يمكن أن تقدم على عمل ما لوضع حد لهذه المغامرة التي لا أفق لها والتي جعلت مدينة روسية اسمها سانت بطرسبرغ في مرمى حلف شمال الأطلسي، كونها على بعد مئة كيلومتر من حدود فنلندا؟
أخطر ما في الأمر أن بوتين يرفض الاعتراف بأنه لا يستطيع الانتصار في أوكرانيا عن طريق التهويل، لا عبر بيلاروسيا ولا عبر غيرها. الصين نفسها لديها حسابات خاصة بها!