مبنى الكرملين في موسكو (أرشيف)
مبنى الكرملين في موسكو (أرشيف)
السبت 8 أبريل 2023 / 10:51

سهم في خاصرة روسيا

علي قباجة - الخليج

يبدو أن الناتو عازم على محاصرة روسيا ضمن حدودها، وتكبيلها لكبت طموحاتها في مقارعة النظام الغربي الذي استمر لعقود في فرض رؤاه السياسية والاقتصادية والعسكرية على العالم أجمع.

فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع تسعينات القرن الماضي، استفردت أمريكا بطرفي الأرض، واستخدمت القارة الأوروبية في خدمة مصالحها؛ بل إنها نصّبت نفسها شرطياً على العالم، وتدعم من يدور في فلكها أو ينضم تحت عباءتها، لكن استمرار الوضع على ما هو عليه كان خارج الحسابات.

فروسيا أولاً خطت نحو القطبية، لتكون نداً لواشنطن، في محاولة لخلق نوع من التوازن، وسعت للتصدي لكل ما يهدد أمنها الاستراتيجي، وكانت الحرب التي تدور رحاها في أوكرانيا رسالة للغرب بألا يتجاوز الخطوط الحمرالتي تهدد أمنها.

 آخر فصول الصراع، كان انضمام فنلندا إلى الناتو لتصبح الدولة ال31 في منظومته العسكرية، وانضمامها في هذا التوقيت لم يكن محض صدفة، وإنما هي رسالة لموسكو بأن الغرب سيسعى جاهداً لتضييق الخناق عليها؛ إذ لا يخفى على أحد أن هلسنكي التزمت الحياة لعقود طويلة، وانضمامها الآن غرضه واضح، إلى جانب أنها تشترك مع روسيا في حدود بطول 1300 كيلومتر، وهو ما سيجعل مد كييف بالأسلحة عبرها هيناً ويزيد من الضغط على روسيا.

كما أن الجيش الفنلندي على الرغم من قلة عدده فإنه يملك تدريباً ومعدات يمكنه أن يشكل ورقة ضغط في مرحلة ما على موسكو التي عدّت ما حدث سهماً غُرس في خاصرتها٬ حيث توعد نائب وزير الخارجية الروسي، بتعزيز حضور بلاده العسكري في شمال غربي البلاد، واعداً بإجراءات إضافية، لضمان الأمن العسكري لروسيا بشكل موثوق به، كما أن موسكو ستقرب  أسلحتها النووية من حدود الناتو، وسيتم وضعها على الحدود مع بولندا.

والتحرك الروسي المضاد تزامن مع تصريح لافت لوزير خارجية المجر بيتر سيارتو، قال فيه: إن "اجتماع وزراء خارجية دول الناتو في بروكسل يؤكد خطورة اندلاع حرب عالمية جديدة بسبب الأزمة الأوكرانية"، هذا التصريح من دولة عضو في الناتو يشي بأن الأمور تتجه للخروج عن السيطرة، فما زالت أوروبا ومن خلفها أمريكا، يطمحان إلى كسر شوكة روسيا، فالأمر بات مسألة موت أو حياة، لأن انتصار روسيا سيكون بمنزلة إعلان وفاة للنظام الدولي الحالي الذي يتحكم في أوصاله الغرب، وميلاد نظام جديد تكون موسكو فيه إلى جانب بكين لاعبّين مهمّين على الساحة الدولية، وقطبين لا يشق لهما غبار.

 لا يمكن التفاؤل بسلام قريب بين المعسكرين الكبيرين، فالتفاعلات الدولية لا تبشر بذلك، فروسيا والصين اتفقتا على تحقيق هدف واحد من غير الوارد التراجع عنه، وهو إقامة نظام دولي تعددي متوازن وعادل، لكن يبقى الأمل معقوداً ألا تنجرف الأمور إلى تصادم شامل، خصوصاً مع تصريح بوتين المهم الذي أكد فيه أن الاتحاد الأوروبي بدأ مواجهة جيوسياسية مع بلاده، وأن العلاقة مع الولايات المتحدة تمر بأزمة عميقة، وأن روسيا ستبقى رقماً صعباً في السياسة العالمية.