تعبيرية.
تعبيرية.
الإثنين 10 أبريل 2023 / 20:38

شهر القرآن شهر القراءة بامتياز

أهم ما يراد في هذا الشهر هو اغتنام فضيلة الزمان والمكان


القراءة في عمقها ليست مجرد تسلية أو تزجية للوقت، إنها تمثّلٌ وتفحّص واستبطان ورياضة ذهنية وروحية وتمرينٌ ممتع وشاق على نشدان الحقيقة، بل مشروع حياة ومحل للافتتان والشغف الخالص، والذي يجعل من هذه الموهبة تمريناً على الحرية.
إنّ نزول القرآن الكريم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان قد ابتدأ في شهر رمضان المبارك وبكلمة إقرأ ، وقد تنزَّل فيه القرآن من اللوح المحفوظ، إلى السماء الدنيا، كما كان المَلَك جبريل-عليه السلام- ينزل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان المبارك، فيُعلّمه القرآن الكريم.
إن قراءة القرآن الكريم في هذا الشهر المبارك لهي من أفضل الأعمال التي يمكن أن يقوم بها الإنسان تقرُّبًا إلى الله تعالى؛ فقد اشتهر شهر رمضان بتسميات متعددة، لعلَّ أبرزها أنه شهر قراءة القرآن، كما يحمل هذا الاسم الكثير من المعاني العظيمة التي تدل على مدى الارتباط الوثيق بين شهر رمضان والقراءة والقرآن الكريم، خاصَّةً وأنّ الأجور فيه تتضاعف، ولهذا أظهر السلف الصالح مدى حرصهم الكبير واللافت على كتاب الله عزَّ وجلَّ، فالأصل عندهم هو (تدبُّر القرآن الكريم) وكان هذا الشغف بالقراءة في موسم الطاعات يراد له أن يصبح عادة ومهارة وثقافة، لاسيما يزداد الإقبال على قراءة القرآن عند قدوم شهر رمضان المبارك، فكانوا يتدارسونه، ويتعلمون من فهم عجائبه، ويتحرون مغزى قصصه، والعمل على هذه القيم الرفيعة. فالعلماء الأجلاء كانوا يتوقفون عن كل أعمالهم استثمارًا لهذا الشهر لكتاب الله احتفالاً واحتفاءً بالشهر العظيم الذي نزل فيه القرآن لأنه هدى وبينات من الهدى والفرقان، كما أخبر ذلك في كتابه الكريم.
واستكمالًا للزخم القرائي والمعرفي وتعزيزًا له، يعتبر شهر رمضان شهر القراءة بلا خلاف، يتسابق المتقون فيه لقراءة القرآن وتلاوة آياته الكريمة، ولترسيخ استدامة القراءة كأسلوب حياة، للاستفادة من الثقافة القرآنيَّة وتنميتها من خلال تدبر معانيه وفهمها، فهو منهج حياة للأمة الإسلاميَّة، وخارطة الطريق لاستئناف الحضارة الربانيَّة.
وتديّننا المعاصر بعيد عن قيم القرآن واجتزاء للدين عن منابع الفطرة النقيَّة، سواءً من قيم التعايش والسلام والتسامح والدفع بالتي هي أحسن ونبذ الكراهيَّة.
فهي فرصة لتجديد العهد بكلمة- اقرأ- التي هي مفتاح النبوَّة لمحمد عليه الصلاة والسلام، لتتحوَّل هذه المهارة إلى عبادة يؤجر ويثاب فاعلها؛ لأنه أول مدخل لتغيير الذات، ولجني ثمار هذه المكرمة الآلهيَّة المحفزة بالعطايا الربانيَّة، والجزاء الوفير هو التدبر العميق، والوقوف على أوامره ونواهيه بوعي تامٍّ، واستخدام وسائل التفكير والتساؤل المنطقي للوصول إلى معانٍ جديدة، كما يَترُكُ أثرًا بالغًا في حياة الإنسان، بما يقدِّمه من تصحيح للمعايير الفكريَّة وضبط المفاهيم الأساسيَّة للأمة، كما يعتبر القضايا الجوهريَّة والمحوريَّة هو عدم تعطيل العقول والتفكير، لأجل استخراج الدُّرر المكنونة في هذا البحر الفائض بالخيرات، ولأجل بناء وعي سليم وفكر رشيد؛ ولهذا تختم الآيات بقوله تعالى: (لعلهم يتفكرون- وأفلا يعقلون- أفلا تبصرون).
فهناك قلوب لا تهتدي أو تخشع، ولا عين من خشيته تدمع، فيرجى في صاحبها أن يشفع له هذا الكتاب العزيز؛ لأنّ الله يُعبَّد بالعلم بالتفكر، وبالفهم والتدبُّر، سواء في الصلوات والعبادات والنّسك، أو في التأمّل في ملكوته وآياته، فالقرآن هو طوق النجاة للمسلم في الدنيا والآخرة.
كم تتلى علينا آيات القرآن وقلوبنا منشغلة عن معانيه لاهية عن إشاراته وبيانه، فشهر القرآن يراد منه خلق الشغف الجماعي بالقرآن، فهذه البادرة الربانيَّة لقراءة القرآن "مكرمة إلهيَّة" لكي لا تصبح القلوب كالحجارة أو أشد قسوة، فهي مراجعة مكثفة وعن كثب في شهر واحد، والتعجيل بقطف ثمار هذه الموائد القرآنيَّة في شهر القرآن، فهي محاولة ناجعة لتوفير وإعادة تشكيل الذات الإيمانيَّة الصالحة والمحصنة.
إن أهم ما يراد في هذا الشهر هو اغتنام فضيلة الزمان والمكان. فهناك فرص استثنائيَّة يستطيع معها المؤمن أن يرتقي بروحه إلى العروج إلى مدارج الله العليا بالتقرب إليه، وهو ارتقاء الإنسان إلى سلم الكمال الذي هو "التقوى" فهذا الشهر شهر المكارم الإلهيَّة الفياضة.. فمن غير المقبول أن يأتي الإنسان على مائدة الرحمن فيخرج من عنده محرومًا؟!!