تعبيرية
تعبيرية
الإثنين 17 أبريل 2023 / 20:59

الأخلاقُ ذروةُ سنامِ "الصيام"

"إنما بُعِثتُ لأتمم مكارم الأخلاق" هذا جديث شريف كاشف عن الغاية الكبرى من رسالة نبينا عليه الصلاه والسلام، ألا وهي الأخلاق؛ لهذا رفع الإسلام من قيمة الأخلاق، بحيث جعلها من كمال الإيمان، وأن سوء الأخلاق مرده إلى ضعف الإيمان أو فقدانه تمامًا.

لهذا جعل شرط قبول الصوم هو الابتعاد عن قول الزور والعمل به، وعن اللغو والرفث



الصوم لا يُتقبَّل إلا بالتحلي بالأخلاق الحسنة، مع التخلى عن كل السلوكيات الذميمة، فإن أسرع الطرق إلى الله للحصول على ثمرة الصوم "لعلكم تتقون"، هي الأخلاق الرفيعة، والصيام يرفعك إلى منزلة ترتقي بها إلى أخلاق المتّقين، حتى تأخذ أعلى درجات إتقان الصيام.
إن ذروةَ سنامِ "الصيام" هي الأخلاق؛ فإذا أردنا أن نخرج من رمضان بذنب مغفور، وزاد وفير من الخير، وعتق من النيران، والفوز بالمغفرة والرضوان، فعلينا تدريب الجوارح على أن تصوم عن فعل الأخلاق السيئة؛ ولهذا جعل شرط قبول الصوم هو الابتعاد عن قول الزور والعمل به، وعن اللغو والرفث، وإن امرؤ جهل عليك فلا تشتمه ولا تسبه... وغيرها من محاسن الأخلاق.
وأقصر الطرق إلى الله ما كان فيها إدراك وتمعّن؛ لأنّ المسلم الحكيم هو من يسترعي انتباهه كلّ المعاني الخفيَّة؛ ولهذا تعدُّ مواسم العبادات ضرورة لا غنى عنها لمقاومة النفس الأمَّارة بالسوء، وهو فرصة لإنتاج فعل معرفي قرآني ملهم، قادر على التغلُّب على الأمراض الأخلاقيَّة، والعِلل الروحيَّة، والانحرافات السلوكيَّة.
وأهم ما نستلهمه من دروس في رمضان، فضيلة نقد الذات؛ فهي اعتراف بالخطأ أمام خالقه أولًا، ثم أمام أنفسنا ثانيًا؛ فلنكتشف الصفات والطبائع والأخلاق السيئة والقبيحة الكامنة في أنفسنا؛ فقليل من الناس من يمارس النقد الذاتي على نفسه، وذلك من خلال متابعته ومراقبته لأفعاله، وتقويم سلوكه، وتطوير أخلاقه الظاهرة والباطنة، بحيث لا يتغافل عن الإمعان في تصحيح مساره.
كما أن أفضال شهر رمضان لا تعدُّ ولا تحصى، فالصيام رياضة لمجانبة شهوات النفس، ولما لها من أثر كبير في تنوير القلب، والشبع أصل القسوة والغفلة والكسل عن الطاعة، ومع ذلك رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش؛ لأنه يرسل جوارحه في المعاصي، ولم يحفظ لسانه عن الكذب والغيبة، والخوض فيما لا يعنيه، أو يحفظ بطنه عن الحرام والشُّبه، فيُفسد بذلك صومه، ويُضيع تعبه، وهو ممن غلب عليهم الشقاء والخذلان؛ لأنهم ابتعدوا عن مكارم الأخلاق.

وإن أهم المنافع المترتِّبة على هذا الشهر تتجلى في "بناء الذات"، من خلال "نقد الذات"، أو "محاسبة النفس"، وهذا دأب الصالحين، وطريق المتقين، وإنّ تحقيق ذلك ليس متعذرًا، بل هو تحت إرادتنا ولمصلحتنا: ﴿وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾.
حتمًا إن طريق الله قريب المسافة في رمضان، ما دمنا نعقل ونقبل على شهر رمضان بالوعي لفضله، وتطبيق أوامر الله واقتناص فرصة الفرار إلى الله في شهر الله، ونقد الذات ومحاسبتها، وتقويم أخلاقنا، حتى نرتقي إلى العرفان الروحي لكي تظهر آثار الصيام وأنوار القيام؟!
لهذا السبب جعل الله لمقام حسن الخلق درجة الصائم، كما في الحديث: "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم"، ومَن لم يُفلِح في تغيير عاداته السيِّئة في رمضان فهو في غير رمضان أَوْلَى.
اللهم حسِّن أخلاقنا، وارزقنا بحسن الخلق قبول طاعتنا لك.