تعبيرية.
تعبيرية.
الإثنين 24 أبريل 2023 / 19:56

الذائقة العربيّة... وثنائية التسامح الديني

الذائقة العربيّة تعيش في مأزق استثنائي، لا يمكن الخروج منه إلا من خلال نشر مبادئ التسامح والانفتاح


الذائقة كمفهوم عام من الذوق والتذوُّق، كما أنّ الذائقة وإن رُدَّتْ إلى أصلها، فهي متتابعة ومتغيّرة ولها تجلياتها ومدخلاتها في الوعي الإنساني، هناك كثير من التراكمات الحقيقيّة التي تُسهم في رفع مستوى الذائقة الإنسانيّة، لا سيما أنّ معايير نموّ الذائقة تتطلّب المعرفة والإحاطة بالعلوم والثقافة.
وليست الذائقة أمرًا اعتباطيًّا، بل هي أدوات وقدرات تتكوَّن وتنمو وتتطوَّر تباعًا، ومسألة الوعي مرتبطة بتشكيل وتطوير الذائقة، والذائقة هي محصلة الوعي والمعرفة والإدراك، حتمًا تخضع الذائقة- أيضًا- للبيئة المحيطة، حيث تغيِّر من إدراكها الحسي، وفي المقابل هناك دور للإعلام وللتكنولوجيا وللتواصل الاجتماعي في صياغة الذائقة وتشكيلها حسب الطلب والعرض.
وللاقتراب أكثر أقول إن الذائقة العربيّة تعيش في مأزق استثنائي، لا يمكن الخروج منه إلا من خلال نشر مبادئ التسامح والانفتاح، وللأسف فقدت هذه المفاهيم إشعاعاتها وانتعاشها في وجدان الإنسان العربي، ولزامًا علينا أن ينتشر «التعايش» كسمة مميزة تطبع المجتمع الذي يدعو الإسلام إلى قيامه، بصفته دين «السماحة» الذي لا ضيق فيه ولا تعصُّب، ولا غلو ولا تطرف، ولا عنف ولا إرهاب، سواء مع الذات أو مع الآخر، سعيًا نحو عقليّة متحضّرة، تخلق تباعًا ذلك الحس الإنساني المرهف والمتسامح والمتصالح مع الجميع، طالما نحاول استدعاءه في واقعنا الراهن؛ لأنّنا حقًّا لم نفهم العقيدة الإسلامية فهمًا يتصالح مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وبأنّ الإنسان أفضل المخلوقات وهو خليفة الله في الأرض، وهو من أسجد الملائكة له، وهو الغاية من خلقه سائر المخلوقات، وفضله على كثير مما خلق تفضيلًا.
وقد عانت الأمّة في الحقبة المنصرمة من آثار التزمُّت الديني؛ ما أجهز على وعيها، وأحاطه بالجمود والتعصُّب المقيت، وهو ما أخلَّ بمعايير الذائقة الجمعية من خلال تعبئة العقول الطريّة، وتكبيلها بمفاهيم الغلو والكراهية للمختلف معه.
إن قيمة المواطنة للإنسان العربي المسلم يشوبها الخلل، حتى الذائقة الوطنية -إن صحَّ التعبير– اعتراها الضعف والوهن؛ لأنّها أيضًا عانت من مناخ الكراهية والفكر المتطرِّف، وحضور الانتماء للأمَّة في غيبة الانتماء الوطني، من دون الأخذ في الاعتبار أن اجتماع الأمّة ووحدتها لن يكون حتى يستطيع أفرادها أوّلًا إصلاح أوطانهم وتعزيز أمنها ورخائها.
لقد انطفأت جذوة الذائقة الخلّاقة، وأتى بديلًا لها الذائقة المختلة أو التابعة..الخ ، وهو ما يظهر جليًّا في آدابنا وطرائق تفكيرنا وفنوننا وثقافتنا، وتحتاج الذائقة إلى نضوج ثقافي وطني وإنساني، فيرقى بها الفرد ليتعاطى مع كلّ الثقافة الإنسانيّة الكونيّة، فالذائقة الواعية تتطوّر وتتّسع، حسب ماهيّة وعينا وتحضّرنا، وكيفية استفادتنا من الثقافات الأخرى، ومدى الاعتدال والوسطيّة في أفكارنا ومفاهيمنا وصياغة رؤاها في البواكير الأولى من التنشئة، ليتشكل لدينا حسٌّ وذوق إنسانيّ مرهف.