الأحد 14 مايو 2023 / 08:29

هدنة جديدة وليست حلاً

افتتاحية الخليج الإماراتية

ليس من خيار أمام الفلسطينيين والإسرائيليين إلا مفاوضات جادة تجلب الأمن والاستقرار

بعد خمسة أيام من المواجهة الدامية بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، نجحت الوساطة المصرية في إرساء هدنة جديدة، لا تختلف كثيراً عن الهدن التي أعقبت جولات الصراع السابقة، طالما لا يوجد حل عادل للصراع، يمنح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية؛ بحيث يعيش بسلام وأمن إلى جانب إسرائيل.

كسابقاتها، أثبتت هذه الجولة من القتال، أن الصراع سيستمر، ولن يستجيب للحلول المؤقتة، لأن الطرف الإسرائيلي ما زال يكابر، ولا يريد الاعتراف بحق شعب خاضع للاحتلال ومحاصر، يريد أن يكون كغيره من الشعوب سيداً على أرضه، يعيش بكرامة، ويخطط للمستقبل دون خشية من أن يعتدي عليه أحد أو يهدم منزله أو يصادر ممتلكاته. وهذا ما يعانيه الفلسطينيون منذ عشرات السنين، وتفاقمت معاناتهم مؤخراً مع زيادة حضور اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية. وإذا كانت غزة قد تعرضت للقصف، وفقدت العشرات من أبنائها المدنيين، ضحايا حملة الغارات والقصف الأخيرة، فإن أوضاع الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة ليست أفضل حالاً، فالاقتحامات العسكرية الإسرائيلية متوالية، والضحايا يسقطون كل يوم تقريباً، والمستوطنون يستمرون في الاستفزازات، وفي الاعتداء على المقدسات والممتلكات، وهم في ذلك مدعومون من بعض الأطراف الحكومية ممن لا تؤمن بالسلام، ولا ترغب في التعايش مع الآخر الفلسطيني.

ليت الهدنة الجديدة التي توصلت إليها مصر، بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية، تكون بداية لوعي مختلف عن السابق، يتجه فعلاً إلى جوهر المشكلات، ويعمل على حلها وفق إيمان بمبادئ السلام والحوار، فليس من خيار أمام الفلسطينيين والإسرائيليين إلا الانخراط في مفاوضات جادة، تحقق التطلعات، وتجلب الأمن والاستقرار إلى المنطقة، وتتمسك بالقانون الدولي، ومقررات مجلس الأمن. وعندما تشدد كل المواقف العربية والدولية على ضرورة الالتزام بـ"حل الدولتين"، باعتباره الخيار الأمثل للسلام، فإن ذلك ينبع من قناعة أنه لا الفلسطيني ولا الإسرائيلي يمكن أن يشطب الثاني، وما يؤكد ذلك نتائج جولات التوتر المتكررة سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، ففي كل مرة يندلع فيها العنف، تتدخل الوساطات، لإيجاد صيغة تفاهم توقف إطلاق النار، وتتحدث عن مساعٍ لحل المشاكل، وإعادة الإعمار، لكن في التنفيذ لا يتحقق شيء حتى تتدهور الأوضاع مجدداً، وتعود إلى المربع الأول.

السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ضرورة حتمية، يجب أن تتحقق على أساس الاعتراف بالحقوق، والشعب الفلسطيني هو الطرف المضطهد والمعتدى عليه، أما الجانب الإسرائيلي فعليه أن يستوعب أن التعويل على استخدام القوة أو الحلفاء والداعمين لن يضمن له كل الأهداف، لا سيما في ظل التغيرات العالمية، والتطور العلمي والتقني، وعقدة التفوق التي سادت لعقود لن يُكتب لها الدوام والاستمرار، وهذه من الحتميات التاريخية، وليست أمنية لا تتحقق. فإسرائيل بحاجة إلى السلام حالها كحال الفلسطينيين وربما أكثر منهم، بالنظر إلى ما فات وخزنته الذاكرة من مآسٍ وانتهاكات طوال الصراع.