الشيخ منصور بن زايد والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هامش القمة العربية (أف ب)
الشيخ منصور بن زايد والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هامش القمة العربية (أف ب)
الخميس 25 مايو 2023 / 12:14

التغيرات الجيوسياسية تُبرز النفوذ المتنامي للإمارات والسعودية

24- طارق العليان

شهدت الأشهر القليلة الماضية تغيرات ملحوظة في التوجه السياسي للعديد من البلدان في الشرق الأوسط. فقد حظي الاتفاق الذي تم مؤخراً بين المملكة العربية السعودية وإيران باهتمام كبير، بعد القلق الذي أعرب عنه في وقت سابق معظم أعضاء مجلس التعاون الخليجي والمجتمع الغربي بشأن تهديد إيران للاستقرار الإقليمي والأمن الدولي.

الميزة الاستراتيجية التي حققتها الدول العربية من خلال جهودها لتطبيع العلاقات مع سوريا وإيران ستمكّنها من ممارسة نفوذ دقيق على حزب الله



ولعبت الصين، التي يُنظر إليها دائماً بوصفها المنافس الرئيس للولايات المتحدة، الدور الرئيسي في تيسير الاتفاق بين السعودية وإيران، حيث تُعد الأولى الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

مبادرة الأمن العالمي

وفي هذا الإطار، رأى تقرير لموقع "جيوبولتيكال مونيتور" الكندي أنه ربما يؤثر الانخراط الاستراتيجي المتزايد للصين مع المملكة العربية السعودية على نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة. وعلى نحو ربما يفسر الأسباب، قام مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان بزيارة السعودية في وقت سابق من هذا الشهر للقاء مسؤولين سعوديين، وتأتي هذه الزيارة في أعقاب رحلة مدير وكالة الاستخبارات المركزية إلى المملكة الشهر الماضي.
علاوة على ذلك، تحتل الصين مكانة بارزة بصفتها المشتري الرئيسي للنفط السعودي. أضف إلى ذلك أنه قبل إبرام الاتفاق السعودي الإيراني، قدمت الصين تصورها لـ "مبادرة الأمن العالمي"، التي تهدف إلى معالجة الصراعات بين الأمم.
وهكذا يبدو أن الصين لديها رغبة في توسيع انخراطها الاستراتيجي وإرساء نموذج فريد للحوكمة العالمية يختلف عن النماذج الغربية التقليدية، وذلك كما يتضح من جهودها الرامية إلى زيادة الروابط الاقتصادية في المنطقة.

 


ويعطي هذا النموذج المقترح الأولوية للنمو الاقتصادي والاستقرار، مع مراعاة مصالح الصين الفريدة في الوقت نفسه، والتي قد تختلف عن مصالح القوى الغربية. ومن ثم فإنه يشكل تحدياً لقيم العالم الغربي فيما يستهوي أيضاً دولاً في الشرق الأوسط، ربما بينها وبين الولايات المتحدة خلافات.
بعد الاتفاق الذي أُبرم بوساطة صينية بين المملكة العربية السعودية وإيران، من المتوقع أن تحرص الشركات الصينية التي تنتمي إلى طيف متنوع من الصناعات على زيادة وجودها في أسواق السعودية والشرق الأوسط من أجل زيادة النفوذ الاقتصادي والسياسي الصيني، مما يشكل تهديداً للحصة السوقية للشركات الغربية العاملة في الشرق الأوسط.
وفي ضوء الاتفاق السعودي الإيراني الأخير، من المتصور أن تشهد النفقات العسكرية داخل دول مجلس التعاون الخليجي انخفاضاً في المستقبل المنظور.
وفي ضوء الوضع الحالي، من المحتمل تماماً أن تقوم السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي بتحويل أموالهما تدريجياً من المشتريات الدفاعية من الولايات المتحدة إلى الأولويات الاقتصادية الناشئة الأخرى، مع استمرار تنفيذ اتفاق السلام.
فمن الآن فصاعداً، يرتبط  قرار إعطاء الأولوية للتطورات الاقتصادية والاستثمارات الاستراتيجية حاسماً في السعودية، بما يتماشى مع رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للمملكة 2030، ارتباطاً جوهرياً بضرورة التخفيف من احتمالية نشوب صراع مع إيران.


تقارب مصري إيراني

وفيما يتعلق بمصر، أفادت أنباء أنه بالإضافة إلى الاتفاق الذي أُبرم مؤخراً بين السعودية وإيران، هناك جهود جارية لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران.
فقد اجتمع مسؤولون دبلوماسيون واستخباراتيون من القوتين الإقليميتين مؤخراً في العاصمة العراقية بغداد لمناقشة تطبيع العلاقات بين الجانبين.
إلى ذلك، تباحث الجانبان بشأن جدوى عقد لقاء بين رئيس الدولة المصرية عبد الفتاح السيسي والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

جدير بالذكر أن السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين تتعاون بشكل متكرر على كافة الأصعدة الدبلوماسية والاقتصادية، كما أن إعادة سوريا مؤخراً إلى جامعة الدول العربية بعد تعليق دام قرابة 12 سنة لعضوية البلد تعد أيضاً مؤشراً واضحاً على التحولات الجغرافية السياسية في المنطقة.
واستقبلت دولة الإمارات مؤخراً الرئيس السوري بشار الأسد، ووجهت له دعوة رسمية لحضور قمة المناخ كوب 28.

وبالإضافة إلى ذلك، اتخذت السعودية قراراً بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع الجمهورية العربية السورية، وحضر الأسد القمة العربية في جدة تلبية لدعوة من الملك سلمان بن عبدالعزيز.
 

تحول جماعي

واعتبر التقرير التحول الجماعي الأخير في الموقف الإقليمي للدول العربية تجاه الرئيس السوري مؤشراً واضحاً على التحولات السياسية المنسقة التي تحدث في الشرق الأوسط.
ووفق التقرير، فإن الميزة الاستراتيجية التي حققتها الدول العربية من خلال جهودها لتطبيع العلاقات مع سوريا وإيران ستمكّنها من ممارسة نفوذ دقيق على حزب الله في لبنان، الجماعة التي تعدها إسرائيل تهديداً.
وأكد التقرير أن للديناميكيات السياسية المتغيرة في منطقة الشرق الأوسط تأثيراً كبيراً على المشهد الجيوسياسي العالمي.
ويحظى المناخ السياسي الحالي في الشرق الأوسط باهتمام كبير، فيما بدأت الصين وروسيا وإيران تنخرط بشكل متزايد في المنطقة.
 

تقويض النفوذ الأمريكي

وحسب التقرير، بإمكان هذا التطور الجديد أن يقوض النفوذ الأمريكي طويل الأمد في المنطقة، والموجود منذ ما يقرب من 50 سنة.
وقد تمخض المناخ السياسي الحالي عن فرصة كبيرة لمختلف الدول في المنطقة. وهذا يشمل القوة الدبلوماسية متعددة الأطراف والنفوذ الاستراتيجي المتناميين السعودية والإمارات ومصر في جميع أنحاء المنطقة.
 

اعتبارات سياسية

واستدرك التقرير قائلاً: "لكن يجب أن نتوخى الحذر فيما يخص مختلف الاعتبارات السياسية. أولاً وقبل كل شيء، فعلى الرغم من تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، ما زال الغموض الذي يكتنف طموحات البرنامج النووي الإيراني قائماً".
فمنذ عقود ومجلس التعاون الخليجي ينظر إلى إيران بوصفها قوة مزعزعة للاستقرار، حيث تشكل طموحاتها النووية تهديداً كبيراً على الأمن الإقليمي. واحتمال تطوير إيران سلاحاً نوويّاً، على الرغم من أي اتفاقات سلام، لا يتمخض إلا عن تصعيد مخاطر الصراع في المنطقة.
وشدد التقرير على ضرورة عدم استغلال الشرق الأوسط كمنصة للأعمال العدائية السياسية والأمنية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين.