جزء من أنابيب الغاز بين روسيا والصين "سيبيريا 2" (أرشيف)
جزء من أنابيب الغاز بين روسيا والصين "سيبيريا 2" (أرشيف)
الخميس 25 مايو 2023 / 20:04

بكين تُماطل وروسيا تضغط.. هل يحل "قوة سيبيريا" أزمة موسكو؟

غادر رئيس الوزراء الروسي الصين هذا الأسبوع دون المكافأة التي كانت موسكو تنتظرها منذ فترة طويلة، أي الالتزام الواضح من بكين بقوة "سيبيريا 2"، مشروع خط أنابيب الغاز الكبير لتحويل تدفقات الطاقة عبر آسيا.

الصين حريصة على تجنب الاعتماد الكبير على مورد واحد.

وتشير صحيفة "فايننشال تايمز" إلى أن خط  "سيبيريا 2" الذي صمم منذ أكثر من عقد لمساعدة روسيا على "التحول إلى الشرق"، عبر منغوليا، إلى الصين، كان وسيلة لتنويع مبيعات الغاز، وتعزيز الإيرادات، وإعطاء الكرملين المزيد من النفوذ الدبلوماسي.

أمل روسي جديد

أصبح هذا المشروع، الذي أطلق عليه "ألتاي" لأول مرة بعد المنطقة الجبلية في جنوب سيبيريا، أملاً جديداً منذ الحرب في أوكرانيا، حيث تبحث موسكو عن منافذ جديدة للغاز ، الذي يتدفق إلى أوروبا قبل أن تقف العقوبات في الطريق.

ولفتت الصحيفة إلى أن العقبة أمام موسكو، أن بكين، الشريك الاقتصادي الكبير منذ بداية الحرب بأوكرانيا، لا تبدو في عجلة من أمرها للمشاركة، وهو تحفظ يقول محللون إنه يظهر مدى ضعف قوة موسكو التفاوضية في زمن الحرب عند التعامل مع جارتها الأقوى اقتصادياً.

وأطلق خط روسي آخر "قوة سيبيريا"، في 2019 ومن المتوقع أن يصل إلى طاقته القصوى بـ38 مليار متر مكعب سنوياً بحلول  2024. لكن الخط اعتمد على تطوير حقول غاز جديدة في شرق سيبيريا، لم ترسل الوقود أبداً إلى أوروبا، ما جعله أقل فائدة لاستراتيجية التنويع في موسكو.

وعلى النقيض، كما تقول الصحيفة، يهدف "بي إس-2" إلى تزويد الصين بالغاز من شبه جزيرة يامال في الشمالي الشرقي، التي خدمت تاريخياً السوق الأوروبية عبر خطوط عدة، بينها "نورد ستريم"، التي توقفت إمداداتها عن التدفق، بسبب نزاعات مع الاتحاد الأوروبي حتى قبل تخريبه في 2022.

بكين تُماطل

وقالت أليشا باشولسكا، الخبيرة في السياسة الصينية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "لبكين تاريخ من إطالة المفاوضات للحصول على صفقة أفضل، كان هو الحال عندما تفاوضت على قوة سيبيريا 1، ومع تحول الحرب في أوكرانيا إلى حرب طويلة الأمد، تعتقد بكين أن موقفها التفاوضي مع موسكو لا يمكن إلا أن يصبح أقوى".

وتكثفت المحادثات الصينية الروسية على خط الأنابيب في الأشهر التي سبقت الحرب. وخلال أولمبياد بكين، وقع فلاديمير بوتين، وشي جين بينغ عقداً  يمتد 25 عاماً لطريق الشرق الأقصى و"تحدثا بالتأكيد عن بي إس-2"، كما قالت تاتيانا ميتروفا، الزميلة الباحثة في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا.

ومنذ ذلك التاريخ، أكدت روسيا مراراً وتكراراً استعدادها لإطلاق خط "بي إس-2"، لكن بكين لازمت الصمت بشكل واضح. وعند زيارته للكرملين في مارس (آذار) الماضي، تجنب شي جين بينغ الحديث عن المشروع بينما تكلم بوتين عن الخطة كما لو أنها صفقة منتهية، قائلاً: "عملياً انتهت جميع المعايير".

مصالح الصين

وقال جرجيلي مولنار، محلل الغاز في وكالة الطاقة الدولية، إن الصين حريصة على تجنب الاعتماد الكبير على مورد واحد، وكانت ناشطة لتأمين عقود الغاز الطبيعي بكميات أكبر مما تحتاجه بالفعل.

وأوضح للصحيفة أن الصين تعتمد على روسيا في ما يزيد قليلاً عن 5% من إمداداتها من الغاز. وجنباً إلى جنب مع الزيادات المخططة عبر الطرق الحالية من روسيا، فإن الاتفاق على المشروع سيزيد الحصة إلى حوالي 20% بحلول 2030.

ومن المتوقع أن تستفيد الصين من خط الأنابيب هذا، وهي حريصة على تنويع مصادرها من الطاقة، خاصة الإمدادات البرية من روسيا، وآسيا الوسطى التي ستكون أكثر أماناً من الطرق البحرية، عند التوترات الجيوسياسية أو العسكرية مع الغرب.

 أكثر أماناً

وقال لين بوكيانغ، رئيس معهد الصين للدراسات في سياسة الطاقة بجامعة شيامن، إن "نقل الغاز، أكثر أماناً من  روسيا، عبر النقل البري، مقارنة مع الشرق الأوسط البعيد".

وتقول الصحيفة إن هناك تعقيدات جيوسياسية للاتفاق على الصفقة بسبب الحرب في أوكرانيا، لكن بعض خبراء السياسة الصينية يعتقدون أن الشراكة في الطاقة الأعمق مع روسيا ليست سوى مسألة وقت.

وقال فيكتور جاو، نائب رئيس مركز الصين والعولمة في بكين: "ليس لأحد أن يتوقع حقاً أن تقطع الصين وصولها إلى النفط والغاز الروسي. هذا النوع من التجارة طبيعي، إنها تجارة سلمية"، مضيفاً "تجارة الطاقة الضخمة بين روسيا والصين ستؤدي في النهاية إلى إعادة تشكيل إمدادات النفط والغاز في العالم.. وليس للغرب أن يُفاجأ بذلك".

أما بالنسبة لروسيا، تشير الصحيفة إلى أن بناء خط "سيبيريا 2" هو السبيل الوحيد لتعويض جزء على الأقل من سوق الاتحاد الأوروبي الذي فقدته، وهي السوق التي استحوذت على معظم الغاز من شبه جزيرة يامال. لكن هذا يعني أن لا حافز  للصين للموافقة على خط الأنابيب الجديد الآن.