أمريكيون يتظاهرون أمام فندق يقيم فيه المرشح الجمهوري رون ديسانتيس حملة لجمع التبرعات.(أف ب)
أمريكيون يتظاهرون أمام فندق يقيم فيه المرشح الجمهوري رون ديسانتيس حملة لجمع التبرعات.(أف ب)
الجمعة 26 مايو 2023 / 10:12

السباق الجمهوري بين ترامب المذعور وديسانتس المغرور

24- طارق العليان

أطلق رون ديسانتيس حملته لخوض سباق الجمهوريين نحو تسمية مرشح للانتخابات الرئاسية لعام 2024، ومن المتوقع أن يصبح المنافس الرئيسي لدونالد ترامب.

هناك المسار الآخر للجمهوريين، الذي يتم فيه منح الغفران العنصري دون إبداء التوبة العنصرية


وفي هذا الإطار، قال الكاتب الصحفي تشارلز بلو في مقال بصحيفة "نيويورك تايمز": "دخل السباق الرئاسي رون ديسانتيس الذي لا يتمتع بالجاذبية ولا باللباقة. في استطلاعات الرأي التمهيدية للحزب الجمهوري لسنة 2024، يحل دائماً في المركز الثاني بعد ترامب".
أضاف الكاتب: "بنى ديسانتس أسطورته على إعادة انتخابه بسهولة كحاكم فلوريدا، وطريق سهل نجح من خلاله في سنّ قائمة من التشريعات المحافظة التي تقيد تعليم الهوية الجنسية في المدارس، وذلك بفضل الأغلبية الفائقة التي يتمتع بها الجمهوريون في الهيئة التشريعية لفلوريدا بمجلسيها".

خصوم مكتوفو الأيدي

وتابع الكاتب أن ديسانيتس يلوح بسجل إنجازاته كدليل على كفاءته، لكن كل ما فعله هو الفوز بسلسلة من المعارك التي كان فيها خصومه مكتوفي الأيدي، نظراً لكونهم من الأقلية.


ومع ذلك فإن الكثير من المعلقين والمانحين الجمهوريين، الذين يأسوا من التخلص من سموم ترامب، وقع اختيارهم على ديسانتيس عند البحث عن بدائل. وضخموا غروره، حيث أقنعوه بأن قاعدة نفوذه الكبيرة في فلوريدا تجعله لا يُقهر.
ووفق الكاتب، يبدو أن ديسانتيس يراهن على إنهاك ترامب، أو ربما تراكم مشاكله القانونية بدرجة كبيرة جدّاً يتوصل معها حتى أشد مؤيدي الرئيس السابق حماسة إلى استنتاج مفاده أنه أشد إرهاقاً من أن يتمكن من الفوز. ولو لم يستطع التفوق على ترامب، فسوف ينتظره ليلحق به، وهو يعرج.

مرشحون احتياطيون

ولا ينطلق ديسانتيس وحيداً في ذلك المسار. فالمرشحون (أو المرشحون المحتملون) مايك بنس وآسا هاتشينسون وكريس سونونو (كلهم حكام حاليون أو سابقون) يحتلون المسار نفسه. وهم من فئة المرشحين الاحتياطيين في حالة الطوارئ، بحيث أنه لو انتهى الأمر بدخول ترامب السجن واضطر الجمهوريون إلى الحصول على بديل في اللحظة الأخيرة، فإنهم يرجون أن ينظر إليهم الناخبون على أنهم بدائل قوية.
وهم يتبوؤون مكانة كمرشحين يمكنهم الوفاء بأولويات السياسة الجمهورية دون أمتعة ترامب ودراما ترامب، لكن دراما ترامب هي الشيء الذي يدمنه الكثيرون من أنصاره. فالسياسات عنصر لصيق بالشخصية.

ترامب.. عرّاب المظلومية

ويقول الكاتب: يسمح ترامب لمؤيديه بالشعور والتعبير عن طيف كامل من المشاعر؛ فهو يسلّيهم، وينفّس غضبهم، ويعكس دوافعهم القمعية، وهو في أعينهم عرّاف مظلوميتهم المتصورة ونموذجهم كمحارب ضد حكومة وثقافة يرون أنهما تنقلبان عليهم.
ويرى الكاتب أن "الترامبية" تجربة ذاتية كاملة، روحية في أعماقها.
ثم هناك المسار الآخر للجمهوريين، الذي يتم فيه منح الغفران العنصري دون إبداء التوبة العنصرية. وهو مشغول بالمرشحين الملونين الذين يقدمون نسخة ما من هذا الغفران مفرط التبسيط وعديم الشفافية: "أمريكا ليست بلداً عنصريّاً".

 


وتابع الكاتب: "دعوني أكن واضحاً: هل كل شخص في أمريكا عنصري؟ كلا. هل العرق هو الاعتبار الغالب والمحدد لجميع النواتج السلبية بالنسبة للأشخاص ذوي البشرة الملونة؟ كلا. لكن هل كانت العنصرية أحد المبادئ التأسيسية لبلدنا؟ وهل ما زالت العنصرية تتغلغل في أعماق المجتمع الأمريكي ومؤسساته؟ نعم".
والعنصرية نفسها تكره اسمها، تكره أن تسمى كذلك. وأشار الكاتب إلى أنه في الدورات الانتخابية الأخيرة، احتضن الجمهوريون مرشحين قدموا نسخة من تلك الرسالة (هيرمان كاين في عام 2012، وبن كارسون في عام 2016)، حتى عندما تعرض حزبهم وبحق للشجب بسبب هوسه المناهض لباراك أوباما على غرار فضيحة البدلة فاتحة اللون، وهو الهوس الذي اصطبغ دائماً بالصبغة العرقية.
والآن لديهم مرشحان اثنان استخدما تلك الكلمات بالضبط: فعندما أعلنت نيكي هايلي ترشّحها في فبراير (شباط)، صرحت بقولها: "اسمعوها مني كأول امرأة من الأقليات تتولى منصب الحاكم في التاريخ: أمريكا ليست بلداً عنصريّاً".
وعندما أعلن تيم سكوت (الذي عينته في مقعده في مجلس الشيوخ) ترشّحه يوم الاثنين، كرر عبارة ألقاها ضمن خطاب له في عام 2021: "أمريكا ليست بلداً عنصريّاً".

سرد مشوه

مواقف سكوت على صعيد السياسات (التي تتذبذب بين جناح "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" الجمهوري وجناح جاك كمب الواهن) ليست سمته الجذابة، حسب الكاتب، فهو يروج سرداً لكنه مشوه، بمعنى ابتسامة مجمدة لحزب متعصب.
هالي أيضاً في هذا المسار. وتستخدم هي وسكوت نجاحاتهما الشخصية والسياسية، لا كأمثلة استثنائية على تخطي العقبات، بل للجدال حول ارتفاع العقبات والتشكيك في إرادة العدائين الآخرين.
وهما أيضاً ربما ينتظران صاعقة قانونية فيصبح ترامب عديم الأهلية سياسياً وينفتح ميدان الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري على مصراعيه.

ترامب يقاتل حتى النفس الأخير

لكن ترامب سيقاتل حتى آخر نفس، برأي الكاتب، ربما ليس لأنه يريد أن يصبح رئيساً مرة أخرى، بل لأنه يريد التحوط من أن يتم الزج به خلف القضبان.
وأوضح الكاتب أن جميع المنافسين الجمهوريين يسيطر عليهم الطموح، لكن ترامب تسيطر عليه الآن قوة أشد وأعتى، وهي الذعر.
صحيح أنه لو تم انتخابه مرة أخرى، فسيدّعي أنه في النهاية تفوّق على بايدن. لكنه يدرك أيضاً أنه إذا استعاد كرسي الرئاسة، فإنه يستعيد السلطة لتخفيف وطأة التحقيقات الفيدرالية المعلقة التي تدور حوله، ولفرض أزمة على أي دعاوى جنائية في الولايات، كتلك التي قد يتم تحريكها في جورجيا.
وهو يريد تعقيد أي ملاحقات قضائية محتملة بإثارة غضب أتباعه، مما يدفع المؤسسيين الذين يتبعون سيادة القانون للتوقف برهة وتأمل تبعات معاقبة رئيس جمهورية.
لقد أثبت ترامب أنه لا يتردد في تحطيم البلاد لإنقاذ نفسه، وأن الوطنية تأتي في المرتبة الثانية بعد الحفاظ على الذات.
وتابع الكاتب: أمضى ترامب حياته غارقاً في النعيم، وُلد وفي فمه ملعقة من ذهب كما يقال. وقد لوى عنق القواعد في أحيان كثيرة جدّاً لدرجة أنه نسي على ما يبدو أن للنظام القانوني سيفاً قلّما يمكن للمرء أن يفلت منه إلى الأبد.
وزاد الكاتب: الآن ومع احتمال وصمه بالعار بل وربما تقييده بالأصفاد، فإنه لن يدخر شيئاً في وسعه لإخلاء الميدان الجمهوري، ولا يبدو الأمر كما لو كان أي من خصومه مستعداً لذلك.
واختتم الكاتب مقاله بالقول: لو كنت تظن أن الدورتين الانتخابيتين الأخيرتين كانتا سيئتين، فلتستعدّ: هذه الدورة على الأرجح ستكون أسوأ. فجميع المخلوقات تزداد شراسة عندما تجد نفسها محشورة في الزاوية.