قوات الروسية في أوكرانيا (بلومبرغ)
قوات الروسية في أوكرانيا (بلومبرغ)
الجمعة 26 مايو 2023 / 23:16

هل تفتح أوكرانيا جبهات حرب جديدة في روسيا؟

يرى الكاتب والمحلل السياسي أندرياس كلوث، أن نقل الحرب بين أوكرانيا وروسيا، من كييف إلى موسكو، فكرة مطروحة بين القادة الأوكرانيين، لكنها لن تكون جيدة بما يكفي لإنهاء الصراع المستمر منذ أكثر من عام.

ويقول كلوث في مقال بـ "بلومبرغ"، إن قوات شبه عسكرية عبرت هذا الأسبوع من أوكرانيا إلى روسيا، وتسببت في معركة  كبرى، وإن لم يكن أكثر من ذلك بكثير، وهو ما جعل الروس كما هو معهود يلومون على الفور بعد التوغل "الإرهابيين الأوكرانيين"، و"الفاشيين".

ولكن كلوث يقول إن تلك الجماعات تتكون من الروس الذين انشقوا عن جيش رئيسهم فلاديمير بوتين، ويقاتلون الآن ضده، من جماعة تطلق على نفسها  "فيلق حرية روسيا"، وأخرى تدعى "فيلق المتطوعين الروسي القومي" المتطرف.

ألوية دولية

لا يُعرف الكثير عن هذه القوات شبه العسكرية الروسية المناهضة لبوتين وإذا كانت تتلقى أوامر من كييف أو تتصرف بشكل مستقل، لكن كما يرى كلوث، يبدو أنهم على الأقل مرتبطون بشكل فضفاض بـ "الفيلق الدولي" الأوكراني، قوة المتطوعين الأجانب تشبيهاً بـ" الألوية الدولية" التي قاتلت في الحرب الأهلية الإسبانية ضد القوميين الموالين للجنرال فرانسيسكو فرانكو.

ومن جانبها، تنفي كييف تورطها في الهجمات عبر الحدود، لكن يقول كلوث: "دعونا نضع ذلك جانباً ونطرح سؤالاً أكبر: هل أن شن هجمات على روسيا بشكل صحيح له معنى استراتيجي؟".

ويقول الكاتب: "لقد فاز بعض أعظم العقول العسكرية في التاريخ بالحروب الدفاعية بهذه الطريقة بالضبط. الفكرة هي تهديد قاعدة منزل العدو، وإجباره على الانسحاب، كلياً أو جزئياً، من خط المواجهة الأصلي لحماية كافة المنطقة".

وتاريخياً يقول كلوث: "هذا ما فعله القائد الروماني سيبيون الإفريقي بين 210 و 202 قبل الميلاد. كان حنبعل، العدو الأكثر إرعاباً الذي واجهه الرومان على الإطلاق، يرهب إيطاليا بقوة الغزو القرطاجي مدة 8 أعوام. لذلك أخذ سيبيون جيشاً رومانياً إلى أيبيريا، للاستيلاء على قواعد حنبعل هناك. بعد سنوات، عبر سيبيون إلى شمال إفريقيا لتهديد قرطاج نفسها. في تلك المرحلة فقط غادر حنبعل إيطاليا للدفاع عن وطنه، لكن سيبيون هزمه، وفازت روما بالحرب".

جبهات حرب جديدة

وبنفس الطريقة، يرى الكاتب أنه يمكن لأوكرانيا أن تفتح جبهات جديدة داخل روسيا. سيتعين على بوتين بعد ذلك، سحب أجزاء من قواته من أوكرانيا، وإرسالها إلى روسيا. وهو ما من شأنه أن يضعف المواقف الروسية في أوكرانيا، ويساعد الأوكرانيين على استعادة أراضيهم. وسيبدأ بوتين أيضاً في الظهور بمظهر الضعيف في بلاده، وسيصبح عرضة سياسياً أو جسدياً للانقلابات.

ولكن أوكرانيا ليست روما القديمة، وروسيا ليست قرطاج، وبوتين بالتأكيد ليس حنبعل، أحد أعظم العباقرة العسكريين في التاريخ، رغم هزيمته في نهاية المطاف، إلا أن الوضع الاستراتيجي مختلف تماماً، كما يقول الكاتب.

ويوضح كلوث أن الفرق الأول هو أن لبوتين، على عكس حنبعل، أسلحة نووية، وهدد مراراً وتكراراً باستخدامها إذا وُضع في الزاوية. في الوقت الحالي، أقنعه العالم بما في ذلك حليفته الصين بأنه لا تسامح مع التصعيد النووي. لكن العقيدة الروسية تدعو  لاستخدام الأسلحة الذرية عندما تكون الدولة الروسية نفسها في خطر.

دعم غربي

هناك تمييز آخر كما يشير كلوث، هو أن أوكرانيا، رغم أنها تملك الآن الجيش الأكثر صلابة في العالم، تعتمد على الدعم الغربي المستمر. وتدافع عن سمائها بصواريخ أمريكية مضادة، وستشن هجومها المضاد بدبابات ألمانية، وقد تهيمن على الجو بطائرات مقاتلة من طراز "إف-16".

ولكن كل هذه المساعدة كانت مبنية حتى الآن على افتراض أن أوكرانيا تدافع فقط عن أراضيها، أما الخوف الأكبر في الغرب، فهو من جر الناتو إلى حرب ضد روسيا، يمكن أن تتصاعد إلى الحرب العالمية الثالثة.

قد تتوقف بعض الدول الغربية وربما الولايات المتحدة بعد انتخابات 2024، عن دعم أوكرانيا إذا تبنت تكتيكات هجومية.

وبالتالي، فإن النسخة الأكثر دقة من استراتيجية "سيبيونيك" ستكون مهاجمة شبه جزيرة القرم، فهي أرض أوكرانية في القانون الدولي، رغم  أن بوتين "ضمها" بالفعل في 2014. ومن الناحية النفسية، يعتبر بوتين والروس شبه جزيرة القرم جزءاً من بلادهم، لكن العالم لا يفعل ذلك. لذلك فهي لعبة عادلة.

وحسب كلوث، ستكلف استعادة شبه جزيرة القرم الكثير من الدماء الأوكرانية، لأنه ليس لدى كييف صواريخ بعيدة المدى أو قوة جوية، أو قوات برمائية للالتفاف على القوات الروسية في منطقتين أوكرانيتين محتلتين أخريين، خيرسون، وزبروجيا. لذلك سيتعين عليها المرور عبر تلك المناطق.

قطع خطوط الإمداد

قد يكون النهج الأفضل هو ببساطة قطع شبه جزيرة القرم عن خطوط الإمداد الروسية، ولذلك، سيستخدم الأوكرانيون دباباتهم الغربية الجديدة، وأسلحة أخرى في بحر آزوف، وقطع "الجسر البري" الذي بناه الروس هناك بين لوهانسك وشبه جزيرة القرم. إذا نجح هذا الهجوم، يمكن للأوكرانيين أن يجعلوا المواقع الروسية في خيرسون وشبه جزيرة القرم غير قابلة للدفاع عنها على المدى الطويل.

ومع الحظ، قد يقرر بوتين في تلك المرحلة أن لديه ما يكفي لدخول مفاوضات السلام على مضض، بطريقة ما ليظهر نجاح "عمليته العسكرية الخاصة" في الداخل مع دعاية قسرية إلى أقصى حد. وعلى النقيض، إذا تعرض بوتين لضغوط عسكرية في روسيا نفسها، فلن يتمكن من التظاهر بأنه فاز بشيء.

ولذلك على الأوكرانيين ألا يهاجموا روسيا بشكل صريح، أو تشجيع الوكلاء مثل القوات شبه العسكرية الروسية المناهضة لبوتين على ذلك نيابة عنهم، من الأفضل أن يوضحوا للعالم أنهم يدافعون عن بلادهم فقط، ويجب أن تبقى الاستراتيجية متمحورة حول كسب الدعم العالمي، ثم استعادة أكبر قدر ممكن من أوكرانيا.