مناورات لميليشيا حزب الله في جنوب لبنان (أ ف ب)
مناورات لميليشيا حزب الله في جنوب لبنان (أ ف ب)
الأحد 28 مايو 2023 / 08:08

انسحبت إسرائيل.. وبقي اللبنانيون يضحكون على أنفسهم

خيرالله خيرالله- العرب اللندنية

لا يريد اللبنانيون الاقتناع بأن انسحاب إسرائيل كان خطوة لوضع اليد الإيرانية على البلد

بعد 23 عاماً على الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان لم يبق شيء من لبنان. لا يزال مطلوباً، أكثر من أي وقت، استخدام الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان كورقة في عملية تدمير ممنهجة للبلد، عبر تهجير أكبر عدد ممكن من أبنائه، خصوصاً الشبان المسيحيين منهم. لم يعد سرّاً أن لبنان الذي عرفناه انتهى إلى غير رجعة، كما تغيّرت طبيعة مجتمعه التي كانت مرتبطة بثقافة الحياة أوّلاً. حصل ذلك بعد مراحل ثلاث مرّ بها البلد.
تمثلت المرحلة الأولى في النشاط الفلسطيني المسلح الذي تسبب به، خصوصاً، السياسيين الذين وقفوا مع اتفاق القاهرة الموقع في 1969 والذي أوصل لاحقاً إلى الاجتياح الإسرائيلي صيف 1982.
خلف الاجتياح كوارث على كل المستويات. لم يكن النظام السوري يوماً بعيداً عن النشاط الفلسطيني المسلح. كان جزءاً لا يتجزأ منه، وقد استخدمه، قبل 1976 وبعده لتبرير السيطرة العسكرية على معظم الأراضي اللبنانية بموافقة أمريكية وضوء أخضر إسرائيلي في الوقت ذاته.

جاءت المرحلة الثانية في شكل وصاية سورية مباشرة وكاملة بعدما سلم ميشال عون قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية في اليرزة إلى القوات السورية في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 1990. كان ميشال عون يقيم في القصر الرئاسي بصفة كونه رئيساً لحكومة مؤقتة ذات مهمة محصورة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً للرئيس أمين الجميّل الذي انتهت ولايته في سبتمبر (أيلول) 1988.
أما المرحلة الثالثة من عملية القضاء على لبنان، وهي عملية ما زالت مستمرة، فإنها بدأت مع الانسحاب الإسرائيلي من جنوبه في 25 مايو (أيار) 2000 تنفيذاً لقرار صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في مارس (آذار) من 1978. انسحبت إسرائيل من الشريط الحدودي في ظل تفاهم غير مباشر مع حزب الله، الذي ليس سوى لواء في الحرس الثوري الإيراني. كان التفاهم بوساطة ألمانية. لعبت برلين دور الوسيط بين الجانبين.
أمنت إسرائيل انسحاباً آمناً لجنودها بعدما بقيت تتكبد خسائر بشرية طوال سنوات عدة. وجد إيهود باراك، رئيس الوزراء وقتذاك، أن ليس ما يدعو إلى تحمل خسائر في جنوب لبنان، خصوصاً أن مثل هذه الخسائر لا تؤمن أي مردود سياسي. على العكس من ذلك، كانت في إسرائيل أكثرية شعبية مؤيدة لقرار الانسحاب من جنوب لبنان الذي ليس هضبة الجولان السورية المحتلة في 1967 والتي تصر كل الحكومات الإسرائيلية، بغض النظر عن طبيعتها وتوجهاتها، على الاحتفاظ بها إلى ما لا نهاية لدواع أمنية.

بعد 23 عاماً على الانسحاب الإسرائيلي، يتبين أن اللبنانيين ما زالوا يضحكون على أنفسهم. لا يريد اللبنانيون الاقتناع بأن الانسحاب الإسرائيلي كان خطوة أولى على طريق وضع اليد الإيرانية على البلد. حصل ذلك بالفعل بعد اغتيال رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط) 2005. انسحب الجيش السوري من لبنان نتيجة اغتيال رفيق الحريري، وهو اغتيال معروف من نفذه في ضوء ما توصلت إليه المحكمة الدولية. استغل حزب الله الفراغ الأمني لملئه على طريقته الخاصة. فرض سلاحه على لبنان واللبنانيين.
كان في استطاعة اللبنانيين رفض أن تغريهم الشعارات التي تتحدث عن دحر الاحتلال في العام 2000. كان في استطاعتهم استغلال هذا الانسحاب وتحويله إلى مصلحة بلدهم. ففعلوا عكس ذلك. لعبوا كل الأدوار المطلوبة منهم كي يتفادوا الاعتراف بالحقيقة المرة.
تتمثل هذه الحقيقة في أن لا خلاص لبلدهم ما دام سلاح حزب الله موجوداً على الأرض اللبنانية. يستحيل التفاوض مع طرف يرفض التخلي عن سلاحه ويعترف أنه في خدمة المشروع التوسعي الإيراني الذي يشكل لبنان جزءاً منه وهدفاً من أهدافه المعلنة… حتى لو تظاهر المسؤولون الإيرانيون بأنهم يريدون مساعدة لبنان وتحقيق الوفاق فيه.
هل توجد دولة قابلة للحياة في العالم تعيش في ظل سلاح ميليشياوي يدعو إلى تعايش مع سلاح الجيش النظامي؟

يتوجب على المواطن اللبناني صباح كل يوم ألا يضيع وقته بأسئلة مرتبطة بأسباب انهيار البلد الباحث عن رئيس للجمهورية. هناك سؤال واحد يختزل كل الأسئلة، بما في ذلك لماذا كل هذا الإصرار لدى إيران على فرض من هو رئيس الجمهورية اللبنانية المسيحي؟
يكمن هذا الإصرار في رغبة واضحة وصريحة، وهي رغبة أن يكون لبنان جرماً يدور في فلك "الجمهورية الإسلامية". لا فائدة من كل الأسئلة الأخرى. اختارت "الجمهورية الإسلامية" ميشال عون رئيساً للجمهورية وأمنت انتخابه في مجلس النواب في 31 أكتوبر 2016. لم يكن وقوع خيار إيران على ميشال عون رئيساً للجمهورية صدفة. استطاع الرئيس السابق للجمهورية، بشراكة مع صهره جبران باسيل ونواب التيار التابعين له، تنفيذ المهمة التي عليهم تنفيذها وصولاً إلى تأمين انهيار النظام المصرفي اللبناني الذي لن تقوم له قيامة في المستقبل القريب.
كان يمكن للانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان أن يوظف في خدمة لبنان. فوظف في عملية تدمير ممنهجة للبلد. بدأ ذلك باختلاق قضية مزارع شبعا لتبرير احتفاظ حزب الله بسلاحه. ينطبق على مزارع شبعا القرار 242، الذي لإسرائيل تفسيرها له نظراً إلى تمسكها باحتلال الضفة الغربية والقدس والجولان. نفذت إسرائيل القرار 425 وانسحبت من جنوب لبنان. أكدت الأمم المتحدة ذلك. لكن اللبنانيين مصرون على الضحك على أنفسهم والذهاب في ذلك إلى النهاية.
ليس ما يشير إلى أن الانهيار اللبناني، الذي بدأ من الانسحاب الإسرائيلي من الشريط المحتل، سيتوقف قريباً. لن يتوقف إلا في اليوم الذي لن يعود فيه لبناني يتجرأ على فتح موضوع سلاح حزب الله، رمز الاحتلال الإيراني للبلد. يوجد على أجندة حزب الله في هذه الأيام موضوع انتخاب رئيس للجمهورية يكمل ما بدأه ميشال عون وصهره ولا شيء آخر. مطلوب خطوة أخرى على طريق الاستسلام نهائياً أمام المشروع الإيراني..