مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر  (أرشيف)
مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر (أرشيف)
الأحد 28 مايو 2023 / 11:56

دروس السياسة الواقعية لكيسنجر.. بالنجاحات والإخفاقات

24-زياد الأشقر

السبت في 27 مايو (أيار) 2023، احتفل هنري كيسنجر، أحد الأدمغة الأمريكية الأكثر تأثيراً وشهرة في السياسة الخارجية، بعامه المائة.

على صانعي السياسة المعاصرين أن يحسنوا الإصغاء كي لا يُكرر القرن المروع






 وفي هذه المناسبة، كتب مدير التحرير التنفيذي لمجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية كارلوس روا، أنه في سجلات التاريخ الديبلوماسي الأمريكي، قلة هم الأشخاص الذين أثاروا رعباً كذلك الذي أثاره الديبلوماسي الامريكي وقلة هم الذين ألهوا مثل النقاشات التي خاضها أو مثلوا مثل هذا التعقيد.  كلاجئ من ألمانيا النازية، تجسد حياة كيسنجر تقليداً خاصاً في الحياة الأمريكية: الانتصار على المحن، وخدمة وطن جديد، وانخراط ثقافي محموم مع تحديات العصر. من غموض نسبي إلى قمة السلطة الأمريكية، يجسد مساره الوعد بالحلم الأمريكي، حتى مقاربته للعلاقات الدولية، كانت راسخة في نظرة عالمية من الواقعية العميقة.  

 

فهم واضح للعالم


وتنبع مقاربة كيسنجر للسياسة الخارجية-السياسة الواقعية- من فهم واضح للعالم كما هو، وليس وفق ما نتمناه نحن. القوة والتوازن والتفاوض-كانت تلك أدواته. لم يسعَ إلى تشكيل العالم وفق صورة أمريكا، وإنما التعامل معه بنجاح، وموازنة قواه، وتالياً تحقيق المصلحة القومية. هذا المسار أكسبه معجبين ومنتقدين. وبالنسبة إلى مؤيديه، فإن هذا النوع من الواقعية هو بمثابة تنفس هواء نقي في عالم مليء بالحملات الصليبية الإيديولوجية. وبالنسبة لمنتقديه، فإن مقاربته هي تجاهل مرعب لحقوق الإنسان، إن لم يكن أسوأ.  


لكن انجازات كيسنجر كوزير للخارجية ومستشار للأمن القومي تتحدث عنه. لقد أرسى الأرضية للوفاق مع الاتحاد السوفياتي، واتبع سياسة الانخراط مع الصين مما أعاد تشكيل النظام العالمي، وسعى إلى سلام دائم في الشرق الأوسط عبر الديبلوماسية المكوكية بعد حرب "يوم الغفران". وساهمت مفاوضاته من أجل التوصل إلى اتفاقات باريس، على رغم كل عيوبها، في وضع حد للتدخل الأمريكي في فيتنام.


توازن القوى العالمية     

وبينما نحتفل بهذا الإنجاز، يجدر بنا التركيز على التحديات التي تنتظرنا. إن الدروس المستقاة من السياسة الواقعية لكيسنجر- بكل نجاحاتها وإخفاقاتها- تبقى على صلة وثيقة بالحاضر. وكطالب كرس نفسه لدراسة التاريخ، أكد كيسنجر ضرورة وجود عالم مستقر- عالم يتعين أن تكون فيه القوى العالمية متوازنة، حيث تشكل القوى الاقتصادية، الديبلوماسية، وحيث يتعين على رجل الدولة أن يكون قادراً- كما كتب كيسنجر نفسه في أطروحة الدكتوراه التي وضعها- " على التأمل في الهاوية، ليس بنظرة العَالِم، ولكن كتحدٍ يجب التغلب عليه- أو الهلاك في هذه العملية".  
يرى الكاتب أن على صانعي السياسة المعاصرين أن يحسنوا الإصغاء، كي لا يكرر القرن المروع قبل مئة عام، نفسه اليوم. وبينما تتلاشى الهيمنة الأمريكية ليحل محلها نظام متعدد الأقطاب، فإن أمريكا تحتاج إلى قادة قادرين على السير بها عبر هذا العصر الجديد. إن إرث كيسنجر هو تذكير في الوقت المناسب، بأن السياسة الخارجية هي عبارة عن عمل متوازن دقيق، من النوع الذي يتطلب الحكمة والإرادة، وكذلك تفهماً للعالم كما هو، حتى ونحن نعمل من أجل جعله كما يجب أن يكون.