الخميس 1 يونيو 2023 / 15:41

هجمات أوكرانيا على روسيا.. مُقامرة محسوبة

يرى الكاتب والمحلل ليونيد بيرشيدسكي أن جلب الحرب إلى الأراضي الروسية قد يكون له تأثير عسكري على المدى القصير، لكن ارتفاع عدد الضحايا المدنيين يمكن أن يتسبب في استفاقة "الشيشان" الذين يعملون لصالح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على المدى الطويل.

ويشير الكاتب بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء العالمية "بلومبرغ" إلى أنه في 30 مايو (أيار) وقع هجوم بطائرة بدون طيار في موسكو ضرباً مجمعات سكنية، وهو الدليل الأكثر دراماتيكية حتى الآن على تحول كبير في الحرب الروسية الأوكرانية، حيث بات القتال يدور الآن في أراضي روسيا وكذلك في أوكرانيا.

كييف تنكر

وتحتفظ الحكومة الأوكرانية بورقة الإنكار، إذ إنها تعلم أن حلفاءها الغربيون لا يؤيدون أي هجمات ضد روسيا في روسيا بس نفسها، بدلاً من المناطق الأوكرانية التي تحتلها روسيا، لذلك لم تعلن كييف مسؤوليتها عن الهجوم الأخير بطائرات بدون طيار، أو عن محاولات سابقة لضربات بطائرات بدون طيار على الكرملين وعلى منطقة كراسنودار في جنوب روسيا أو عن التوغل الأخير لمجموعة صغيرة من المقاتلين باستخدام مركبات عسكرية غربية في منطقة بيلغورود الجنوبية الروسية.
كما أنها لم تعترف بقصف القرى والبلدات أو إخراج القطارات عن مسارها على الجانب الروسي من الحدود. ومع ذلك، فقد حدث الكثير من هذه الحوادث لرؤيتها على أنها أي شيء آخر غير تكتيك أوكراني لنقل الحرب إلى الروس.
وهذا التكتيك، بحسب بيرشيدسكي هو مقامرة وصعود عسكري مكشوف على المدى القصير، لكنه في الوقت نفسه هبوط نفسي محتمل على المدى الطويل، والذي تمكنت أوكرانيا من تجنبه حتى الآن من خلال الحفاظ على انخفاض عدد الضحايا المدنيين.
ويرى بيرشيدسكي أن هناك شقان للتبرير العسكري للهجمات في عمق الأراضي الروسية، سواء كانت غارات جريئة عبر الحدود أو ضربات بطائرات بدون طيار وصواريخ.

الدفاعات الروسية

أولاً، يشرح بيرشيدسكي: "تجبر مثل هذه الخدع القيادة الروسية على النظر في العديد من نقاط الضعف في الأراضي الروسية الشاسعة. في منطقة بيلغورود، اقتحمت المجموعة الأوكرانية، بقيادة الروس المنشقين على ما يبدو، مكانا بالكاد مأهولا. وسيطر المقاتلون على ثلاث قرى هادئة ورفعوا العلم الأوكراني فوق ناد اجتماعي قبل طردهم".
واخترقت الطائرات بدون طيار التي وصلت إلى موسكو أشد الدفاعات الجوية في كل روسيا لمجرد أنها حلقت على ارتفاع منخفض ويبدو أنها لم تستخدم الملاحة عبر الأقمار الصناعية عند الاقتراب؛ حتى بوتين أدرك أن الدفاعات الجوية لموسكو بحاجة إلى العمل. والنتيجة إذن هي أن القيادة العسكرية الروسية يجب أن تحول القوات والانتباه عن خط المواجهة في أوكرانيا، وهذا مساعدة للقيادة الأوكرانية لأنها تسعى إلى إرباك العدو بشأن اتجاه أو اتجاهات الهجوم المضاد المعلق، كما يقول بيرشيدسكي.
ثانيا، يضيف الكاتب: "الهجمات مفيدة في حرب المعلومات المعقدة في أوكرانيا. لقد محوا أي دعاية سلبية يمكن أن تكون قد نشأت من استسلام باخموت، وهي بلدة أنفقت أوكرانيا موارد كبيرة للدفاع عنها. كما أنهم نجحوا في اختبار مواقف حلفاء أوكرانيا الغربيين تجاه اتخاذ إجراءات أوكرانية أكثر جرأة. وكانت ردود الفعل الرسمية للولايات المتحدة والمملكة المتحدة هادئة. ولم يتزعزع تصميم الدول الغربية على تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى مثل ستورم شادو البريطانية وطائرات حربية مثل إف-16 بشكل ملحوظ. الهجمات هي تنفيذ ملموس لفكرة أن بوتين يفهم القوة فقط، وهو خارج منطقة الراحة الخاصة به عندما يواجهها".

نتائج عسكرية

ويضيف الكاتب أن كل من هذه المزايا مهمة بشكل خاص إذا كانت أوكرانيا واثقة من خططها المضادة. إذا تمكن الجيش الأوكراني بشكل حاسم من دفع الجسر البري الروسي إلى شبه جزيرة القرم، والذي يبلغ عرضه في بعض الأماكن 150 كيلومتراً فقط، فإن جميع المكاسب الإقليمية الروسية في أوكرانيا منذ عام 2014 ستكون في ورطة عميقة بسرعة كبيرة لدرجة أن بوتين قد يكون غير قادر على القتال.
ومع ذلك، إذا تعثر الهجوم المضاد حيث تواجه القوات الأوكرانية تحصينات روسية جديدة واسعة النطاق وخصماً أكثر خبرة وحذراً، فإن غارات القرصنة على روسيا قد تأتي بنتائج عكسية".
لكن بيرشيدسكي يرى أن أكبر مشكلة لبوتين مع استمرار الحرب في أوكرانيا ليست الحالة السيئة نسبياً للجيش المحترف، التي تقوضها الفساد وعدم الكفاءة البائسة للجنرالات الروس، بل إنها بالأحرى عدم وجود إجماع قوي مؤيد للحرب.
على سبيل المثال، كان معظم الروس غير راغبين في المساهمة حتى بمبالغ صغيرة من المال في المجهود الحربي. كما كانت معنويات القوات المتمركزة في أوكرانيا منخفضة، أي أكبر نقطة ضعف للجيش. وتسببت محاولة بوتين الأولى للتعبئة في الخريف الماضي في نزوح جماعي لرجال في سن القتال ينافس عدد القوات الجديدة التي تم استدعاؤها.
ويضيف الكاتب أنه مع الجيش الروسي في أوكرانيا في موقف دفاعي وغالبية الروس يتمنون أن ينتهي كل هذا قريبا، فإن مخاطر "الهجوم المضاد الخفيف" على الأراضي الروسية، على الأقل في الوقت الحالي، تؤتي ثمارها لأوكرانيا، وإذا كان هناك خط أحمر يمكن أن يعبره زيلينسكي وهو"يخدع الدب"، فهو إما غير مرئي أو لا يزال بعيداً جداً.