السبت 3 يونيو 2023 / 08:29

الحرب في السودان ستطول أكثر ممّا يُعتقد

علي حمادة- النهار العربي

ثمة مصالح مافيوية محلية كبيرة تتقاطع مع مصالح إقليمية استراتيجية

شكلت مفاوضات جدة في الأسبوعين الماضيين، برعاية مشتركة من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة والأمم المتحدة التي جمعت على طاولة واحدة كلاً من ممثلي الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، ممثلي قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، مناسبة لاختبار نيات القوتين المتصارعتين على أرض السودان، وتحديداً في العاصمة الخرطوم. فالطرفان اللذان استجابا أكثر من مرة لمطالب دولتي الرعاية والأمم المتحدة لوقف النار، يعلنان باستمرار أنهما يريدان حلاً سلمياً للنزاع، فيما يتصرفان وكأن النزاع مفتوح على مصراعيه. فالهدن التي أعلنت أكثر من مرة لم تُحترم أبداً، لا بل شكلت في كل مرة مناسبة لكلا الطرفين لاستجماع قواهما من أجل مواصلة الحرب بزخم أكبر، حيث إنه في كل مرة انخفضت فيها وتيرة الاشتباكات بين الطرفين في العاصمة الخرطوم، كانت تعقب ذلك معارك عنيفة جداً في مناطق جديدة. من هنا تبدو الوساطة السعودية - الأمريكية - الأممية في وضع حرج، لأن حسابات الطرفين لا تتطابق مع مناشدات الوسطاء.

في الأثناء يزداد الوضع في السودان قتامة، لأن مؤسسات الدولة تترنح، والقتال المتنقل بين منطقة وأخرى يزيد من ضعف الدولة المركزية، ويرفع من مخاطر تنامي الطموحات الجهوية في أكثر من إقليم، لا سيما في إقليم دارفور الذي شهد قتالاً وغزوات متنقلة، دفعت حاكم الإقليم مني أركو مناوي إلى دعوة السكان إلى التسلح للدفاع عن أنفسهم لمواجهة من أسماهم بـ"المعتدين"، وكان يقصد عناصر قوات الدعم السريع بقيادة "حميدتي". هذا النوع من الدعوات يمكن أن يتكرر في أقاليم أخرى من السودان المترامي الأطراف، لا سيما أن الجيش السوداني بدأ يوزع السلاح في عدد من الأقاليم على المواطنين لحثهم على الانضمام إليه.

معنى هذا أن السودان يقترب شيئاً فشيئاً من تحول الحرب إلى أهلية شاملة في كل مكان. فالقتال لا يتوقف، والوساطات لم تثمر حتى الآن، والعقوبات الأميركية يبدو أنها لا تخيف الطرفين اللذين يستندان إلى دعم خارجي لإكمال الحرب. فالوجه المحلي للقتال لا يعكس صورة الصراع الحقيقية التي بدأت تتداخل فيها مصالح دول الجوار، ومعها قوى دولية معنية بالقيمة الجيوستراتيجية للسودان الواقع في قلب شمال شرق القارة الأفريقية. ومن هنا صعوبة الحرب الدائرة التي مضى على اشتعالها أكثر من شهر ونصف (بدأت في 15 نيسان - أبريل الماضي) ولم تتوقف، لا بل إنها تفاقمت إلى حد بعيد.

ولكن اللافت في هذه المواجهة أن أياً من الطرفين لم يتمكن من حسم المعركة على الأرض في أي بقعة، ما عدا تمكن الجيش من استعادة القاعدة الجوية في مدينة مروي شمالي العاصمة الخرطوم. لكن داخل العاصمة لم يحصل أي تغيير جوهري في ميزان القوى بين الطرفين، كما لم يتغير الوضع في بقية المناطق والأقاليم. من هنا الخشية من أن يدخل السودان في حرب مديدة سرعان ما سينساها المجتمع الدولي، ويحوّل نظره عنها مكتفياً بالتدخل للتخفيف من آثار الحرب على المستوى الإنساني، في ضوء تفاقم قضية اللاجئين الذين غادروا ويغادرون مناطقهم هرباً من الحرب.
ثمة مصالح مافيوية محلية كبيرة تتقاطع مع مصالح إقليمية استراتيجية، وأخرى دولية فيها الجيوساسي والمالي والاقتصادي (الثروات في باطن الأرض)، بحيث سنكتشف أن استمرار الحرب بات نقطة تقاطع بين أطراف عدة قلما تهتم لمصير شعب السودان!