ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبدالله الثاني والأميرة رجوة (أرشيف)
ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبدالله الثاني والأميرة رجوة (أرشيف)
الإثنين 5 يونيو 2023 / 11:20

الزفاف جزء من قصة نجاح أردنية

خيرالله خيرالله -ميدل إيست أونلاين

لم يكن زفاف ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبدالله والآنسة رجوة خالد السيف الذي استضافته عمان مجرد زفاف عادي بين أمير هاشمي وفتاة سعودية عصرية تنتمي إلى إحدى العائلات الراقية في المملكة.

كان الزفاف، يوم الأول من (يونيو) حزيران 2023، أكثر من ذلك. سيبقى هذا اليوم محفوراً في ذاكرة الأردنيين خصوصا أنه عكس صورة لمملكة، استطاعت ترتيب امورها الداخليّة أوّلا في مواجهة مخاطر لا تُعدّ ولا تُحصى. بات الأردن مملكة حديثة يتأكّد يوميا دورها على الصعيد الإقليمي من جهة وقدرتها على التطوّر في ظلّ الإستمراريّة من جهة أخرى.
مرة أخرى، توفرت مناسبة ليستوعب كل من يعنيه الأمر أن المملكة الأردنية الهاشمية لاعب أساسي واستثنائي في المنطقة، مهما تبدلت الظروف في المشرق العربي. يعود ذلك بكل بساطة إلى وجود مؤسسات راسخة، بناها الراحل الملك الحسين بن طلال، لدولة استطاعت تطوير نفسها في مواجهة ظروف قاسيّة في غياب أيّ ثروات طبيعيّة، بما في ذلك المياه.
وفر الزفاف فرصة للتعرف إلى مدى ارتباط القصر بالشارع الأردني، ارتباط الملك عبدالله الثاني والملكة رانيا بالمواطن. كان فرح الناس العاديين في عمان بالزفاف عفوياً وحقيقياً. إن دل ذلك على شيء، فهو يدل على مدى تجذر الاستقرار في بلد، يمر بأزمة إقتصادية، لكنه واجه في الماضي ومازال يواجه كل أنواع العواصف والخضات منذ تأسس قبل ما يزيد على مئة عام.
ملأ المواطنون الذين رفعوا الأعلام الأردنيّة الطريق الطويلة المؤدية من قصر زهران، حيث عقد الزواج، وبين حدائق قصر الحسينية التي استضافت حفلة استقبال كبيرة حضرها أصدقاء الأردن من مختلف بقاع الأرض. كان الملك والملكة والعريس والعروس ووالداها موجودين في حفلة الإستقبال. كان لديهم حرص على السلام على ما يزيد على الف مدعو أردني وعربي واجنبي وشكرهم على تلبية الدعوة.
كان الزفاف فخماً ومتواضعاً في آن. اعطى فكرة حيّ عن الأردن الذي استطاع عبدالله الثاني النهوض به في ظروف في غاية الصعوبة والتعقيد في ضوء وفاة الملك الحسين مطلع العام 1999. يتبادر إلى الذهن لدى من يزور عمّان هذه الأيام في مناسبة الزفاف الملكي، لماذا نجح الأردن وفشلت دول أخرى في الشرق العربي في مقدمها سوريا؟ أين سوريا الآن وأين الأردن الذي لم يضع يوماً فرصة الإستفادة من التجارب التي مرّ بها، بما في ذلك تجربة المواجهة مع الفدائيين الفلسطينيين في العام 1970.
يبقى السؤال الذي يفرض نفسه، لدى رؤية مدينة عمان التي تحولت من قرية إلى مدينة مترامية الأطراف في 2023، ما الذي كان يمكن أن تكون عليه الأمور لو انتصرت المنظمات الفلسطينية على الملك الحسين في ما يسميه الفلسطينيون "أيلول الأسود"؟ كان تحقيق ذلك الانتصار، أكبر خدمة لإسرائيل وللمنادين فيها بجعل الأردن "الوطن البديل"؟
لم يحم الأردن نفسه في العام 1970 فحسب، بل حمى الفلسطينيين من أفسهم أيضاً. حماهم في مواجهة إسرائيل. حماهم من الاستمرار في السقوط في أسر الشعارات الفارغة والمزايدات التي ارتدت عليهم. ليس صدفة أن الأردن بات الآن خط الدفاع الأول والأخير عن خيار الدولة الفلسطينيّة.
كان زفاف ولي العهد نقطة تحول في غاية الأهمية في سياق قصة نجاح أردنية مستمرة. كشف الزفاف وتجاوب الشارع معه البعد الإنساني في تجربة الأردن. يبدو الجديد الحقيقي في الأردن شعور المواطن، من أصل فلسطيني، بأن لديه مصلحة حقيقية في المحافظة على هذا البلد بعدما كان في الماضي يتجاهل ذلك. كان لافتاً نزول الأردنيين جميعاً إلى الشارع للاحتفال بزفاف ولي العهد. لم يعد من فارق بين شرق أردني وأردني من أصول فلسطينية.
كان الفلسطيني في الماضي، بشكل عام، جاحداً في حق الأردن الذي أسس بالفعل لخيار قيام دولة فلسطينية في الضفّة الغربية، دولة مستقلة وقابلة للحياة عندما اتخذ الملك الحسين قرار فك الارتباط مع الضفة في يوليو (تموز) 1988. رسم العاهل الأردني الراحل الحدود المفترضة للدولة الفلسطينية التي لا تزال هدفا لا بد من القضاء عليه لليمين الإسرائيلي.
يبقى أهم ما في الزفاف الملكي الأردني ظهور دولة متصالحة مع نفسها قبل أي شيء آخر. دولة تتعاطى بقيادة عبدالله الثاني مع الواقعين الإقليمي والعالمي بعيداً عن الأوهام. هذا ما يفسّر ذلك الحضور الغربي الكبير للزفاف، كذلك الحضور العربي المهم. في النهاية إن عبدالله الثاني رجل من هذا العالم يعرف ما يدور فيه ويعرف، عن كثب، الشخصيات الفاعلة أمريكياً وأوروبياً، وعربياً.
في الماضي القريب، كان الفلسطيني يتوجس من الأردن الذي وفّر فرصة مناسبة ثانية لتحديد الحدود المفترضة للدولة الفلسطينية المستقلة عندما وقعت المملكة اتفاق سلام مع إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) 1994. حافظت المعاهدة على حقوق الأردن في الأرض والمياه وقطعت الطريق على أوهام اليمين الإسرائيلي وأفكاره المريضة التي لا يزال "بيبي" نتانياهو يعبر عنها بين حين وآخر، وهي أفكار تكشف خبثاً وعداءً.
تقدّمت المملكة الأردنية الهاشمية نظراً إلى أنّها دولة تتعلّم من أخطائها، بما في ذلك خطأ الإنجرار إلى حرب 1967. تعود القدرة على التعلم إلى وجود نظام ملكي يؤمن بشعبه لا أكثر ولا أقلّ. لا عقد لدى الملك في الأردن. سمح غياب العقد بإقامة هذا الزفاف الرائع الذي شارك فيه الأردنيون مؤكدين للمرة الألف أن الشعوب تفضل حكاماً طبيعيين يرفضون العنف ويسعون إلى المحافظة على بلدهم. الأكيد أن ولي العهد الحسين بن عبدالله، الذي يُهيأ ليكون ملكاً يوماً، بات يعرف الطريق الذي تسير فيه المملكة الهاشمية حيث القصر على مسافة واحدة من كل مواطن اردني بغض النظر عن أصوله أو ديانته... أو مذهبه.