قصر بعبدا الرئاسي في لبنان (أرشيف)
قصر بعبدا الرئاسي في لبنان (أرشيف)
الثلاثاء 6 يونيو 2023 / 11:45

الرئيس قادم إليكم بالمعجزات

فاروق يوسف-ميدل إيست أونلاين

لبنان في حاجة إلى رئيس لجمهوريته. حاجة لبنان إلى رئيس هي أشبه بحاجة أهله للخبز الذي يغيب ويحضر حسب صرف سعر الدولار أو الليرة إذا شئت.

يشعر المرء أن غياب الساكن في قصر بعبدا إنما ينغص سبل العيش على اللبنانيين في بيوتهم. لابد من رئيس ليستوي الميزان، ويحق الحق، وتعود المصارف إلى عملها، مثلما تعود الطيور المهاجرة إلى أوطانها. وإن كان لبنان لا ينقصه إلا رئيس فإن الطوائف كلها تضع ثقتها بممثليها الذين تعبوا، وتعب معهم العالم من أجل رسم الصورة الأمثل لذلك الرمز الذي سيذهب بلبنان إلى العالم حضوراً، ليس المطلوب منه سوى أن يستعيد شكل الدولة التي تتلفت بين الطوائف.
لبنان الطائفي الذي فرض عليه أن يختار رئيساً مارونياً لم يعد قادراً على رؤية الطائفة المارونية إلا من خلال ثقب طائفي صغير. ثقب لم يحفره الموارنة ولكن الآخرين اجتهدوا ليكون الرأس الماروني بحجم ذلك الثقب. وهو ما أدى إلى استبعاد الكثير من أصحاب الرؤوس الكبيرة.

ما يلزمنا رأس صغير يكون بحجم ذلك الثقب الذي يؤدي إلى قصر بعبدا. وكما يبدو فإن الطبقة السياسية صارت قريبة من الحل بعد اختلاف رأت دول عالمية وأخرى إقليمية أنها ستهدر أوقاتها عبثاً لو جلست إلى طاولته وصارت تنصت إلى ضجيجه الذي كان الهدف منه إلهاء الشعب المنكوب عن لقمة عيشه، وأمواله المسروقة، وليرته التي تتبخر قيمتها في انتظار الرئيس.

لبنان الطائفي لم يعد يعترف بحق اختيار الموارنة لشخص رئيس الجمهورية الذي هو من حصتهم طائفياً. لم يعد الدستور هو الحكم. صحيح أن الرئيس لا يزال مارونياً غير أن اختياره ينبغي أن يتم وفق مزاج الطائفة التي تحمل السلاح. وهي طائفة حزب الله، ولا أقول شيعة لبنان. فعلها حزب الله في وقت سابق حين عين ميشال عون، والآن سيفعلها. عون كان واجهة حزب الله المارونية في الحكم. كان الرجل صريحاً حين قال: "لبنان ذاهب إلى الجحيم" تعليقاً على انفجار مرفأ بيروت عام 2020. ذلك الجحيم هو ما سيعيشه لبنان بعد أن يكون ضيف بعبدا الجديد قد غير أثاثه بما يناسب ذوق زوجته. ليست الأمور بذلك السوء. فالودائع المصرفية التي تمت سرقتها لن تعود إلى أصحابها. ذلك ما أعلنته جهات أجنبية فرشت أمام اللبنانيين حقائق ما جرى لهم.
ستكون هناك فرحة عارمة في لبنان. أخيراً سيكون هناك رئيس. ليأتي أي رئيس. المهم أن تنتهي المناظرات والندوات والحوارات التلفزيونية. لتبحثوا عن خبر آخر غير تلك الأخبار التي ترى في الرئيس مخلصاً. يعرف اللبنانيون أن المعجزة تحل لو أن التبولة، والكبة النية، والفلافل، وصحن الفتة، والمشويات وصلت عن طريق الدلفري إلى كل بيت. ذلك ما لم يفعله حزب الله في حارة حريك. علينا أن لا نتخيل حدوثه في شارع الحمرا. سيكون الخصام أبدياً بين اللبنانيين ومطبخهم، أما الذين يرقصون في الحانات المجاورة للجامعة الأمريكية وعلى شاطئ الروشة فإنهم في مأمن من الخصومة.
ننتظر غداً أو بعد غد سيكون الرئيس جاهزاً، مشوياً أو مسلوقاً ومتبلاً بكل البهارات ومعداً للتسويق بأسلوب الديلفري إلى العالم. تعب الطباخون في إعداده. لم يبق من مارونيته شيء بعد أن استعمل الطباخون مزيجاً من البهارات التي طعمت بمسحوق الفستق الإيراني. ألا يزال طعم الفستق الحلبي عالقاً بألسنتكم؟
معجزة اختيار رئيس للبنان هي ليست واحدة من معجزاته. قرر حزب الله سحب البساط من تحت قدمي لبنان حين احتكر الرئاسة ومنصبها وقصر بعبدا والموارنة وبعدهم اللبنانيين كلهم. ولكن ما معنى أن يكون هناك رئيس للبنان في ظل الهيمنة الإيرانية التي يمثلها حزب الله؟

يكمل الرئيس صورة البلد الضائع. المركب السكران في حاجة إلى قبطان. خدعة تغطي على حادث اختطاف. لبنان بلد تم اختطافه. كل الأحزاب وكل الطوائف هي أساطير تنتمي إلى الماضي. ما يحدث الآن يمثله الرئيس الذي عرضت سيرته على حزب الله. إن وافق الحزب فقصر بعبدا له، وإن رفض الحزب، فإن حظ الشعب سيكون مؤجلاً.      
اللبنانيون ينتظرون رئيسهم المخلص. يا لبؤسهم وهم يفكرون بودائعهم التي سرقت. ولكن الخبز لن يكون في مأمن. بغض النظر عن شخص الرئيس لن يحطم الحدث شباك التذاكر كما يقال في السينما. وهو حدث سينمائي ستتسابق المطاعم على وضع صوره الدعائية على واجهاتها.