الجمعة 22 سبتمبر 2023 / 12:03

هل يتحمل شركاء أوكرانيا "حرب الأنفاس الطويلة"؟

24- طارق العليان

خالفت الحرب في أوكرانيا التوقعات مراراً. فقد استند الهجوم المضاد الذي بدأ في يونيو (حزيران) الماضي إلى آمال باستعادة الجنود الأوكرانيين المُدججين بأسلحة غربية حديثة ما يكفي من الأراضي، لضمان موقع قوي لقادتهم في أي مفاوضات لاحقة.

زيلينسكي: يجب أن أكون متأهباً لحرب الأنفاس الطويلة


لكن الخطة لم تفلح، حسب تقرير لمجلة "إيكونوميست". ورغم الجهود البطولية واختراق الدفاعات الروسية قُرب روبوتين، حررت أوكرانيا أقل من 0.25% من أراضيها التي احتلتها روسيا. ولم يتغير خط الجبهة البالغ طوله ألف كيلومتر.
وأوضح التقرير أنه ما زال بوسع الجيش الأوكراني تحقيق طفرة في الأسابيع المقبلة. ولكن استناداً إلى الأدلة المُستخلصة من الأشهر الثلاثة الماضية، سيكون من الخطأ الاعتماد على ذلك.
والمطالبة بوقف إطلاق النار أو محادثات سلام لا طائل منه، برأي التقرير، موضحاً أن الرئيس الروسي بوتين لا يُبدي أي رغبة في التفاوض، وإن فعل فلا يمكن الوثوق بالتزامه بالصفقة. هو ينتظر أن يصيب الغربَ الإنهاك، ويعقد الآمال على إعادة انتخاب ترامب. فبوتين بحاجة إلى الحرب لدعم ديكتاتوريته الداخلية. وأي وقف لإطلاق النار سيكون بمنزلة مهلة لإعادة التسلح، والتأهب للهجوم مجدداً.

 

حرب الأنفاس الطويلة

أدركت أوكرانيا ومؤيدوها في الغرب أن هذه ستكون حرب استنزاف طاحنة. فعندما زار الرئيس فولوديمير زيلينسكي واشنطن هذا الأسبوع لإجراء محادثات قال لمجلة "إيكونومست": "يجب أن أكون متأهباً لحرب الأنفاس الطويلة". لكن من المؤسف أن أوكرانيا وشركاءها الغربيين غير مستعدين لتلك الحرب، حسب التقرير.
وقال التقرير إن أوكرانيا والغرب بحاجة إلى إعادة النظر في استراتيجية أوكرانيا العسكرية. وبدلاً من السعي إلى "الفوز" ثم إعادة الإعمار، يجب أن يكون الهدف ضمان قدرة أوكرانيا على البقاء والصمود لشن حرب طويلة الأمد، وقدرتها على الازدهار رغم تلك الحرب.

 

 


وأكد التقرير أن إعادة النظر الأولى يجب أن تكون عسكرية. فجنود أوكرانيا منهكون، وكثير من خيرتهم قُتلوا. ورغم التجنيد الإجباري، فهي تفتقر إلى القوة البشرية للحفاظ على هجوم مضاد دائم وواسع النطاق.

توظيف الموارد وتغيير القواعد التكتيكية

وأوضح التقرير أن أوكرانيا بحاجة إلى توظيف مواردها، وتغيير قواعدها التكتيكية. فمن الممكن أن تنقل التكتيكات والتقنيات الجديدة الحرب إلى الأراضي الروسية. ويُكثِّف رواد الأعمال البارعون في التقنية في أوكرانيا جهود إنتاج الطائرات المسيرة.
ويبدو أن صواريخ تلك الطائرات ألحقت أضراراً بنظام دفاع جوي كبير في شبه جزيرة القرم. والأرجح، برأي التقرير، أن تفضي العديد من الضربات المثيلة إلى إضعاف البنية التحتية العسكرية الروسية، وحرمان البحرية الروسية من ملاذها في البحر الأسود.
فضلاً عن هذه القدرة الهجومية، تحتاج أوكرانيا إلى تعزيز قدرتها على الصمود. فهي بحاجة إلى مساعدات، تتمثل في إصلاحات متواترة وإمدادات موثوقة من المدفعية والتدريب.

 


وتتطلب حرب الأنفاس الطويلة دفاعات جوية أفضل، حسب التقرير، إذ "لا يمكن لأوكرانيا أن تزدهر إذا دمرت روسيا بنيتها التحتية وأفلتت من العقاب. كييف مدينة نابضة بالحياة بشكل مذهل لأنها تتمتع بدفاعات فعالة ضد الهجمات الجوية. ولذلك تستدعي الضرورة تأمين أسراب من طائرات F-16 والمزيد من أنظمة الدفاع الصاروخي".
وتقتضي الحاجة التقويم الاقتصادي أيضاً الذي ينصب على عدد أقل من خطط إعادة الإعمار بعد الحرب، والاهتمام بقدر أكبر بتعزيز الإنتاج والإنفاق الرأسمالي.
وأشار التقرير إلى تراجع حجم الاقتصاد الأوكراني بمقدار الثلث، ويتكفل الغرب بنحو نصف ميزانية أوكرانيا حالياً. ولأن نحو مليون أوكراني يحملون السلاح، وكثيرين فروا من البلد، أمسى العمال نادرين.
وشدد التقرير على ضرورة أن يتحول الاقتصاد الأوكراني من الاعتماد على المساعدات إلى جذب الاستثمارت، مشيراً إلى أنه لدى أوكرانيا إمكانات عظيمة، بداية من صنع المزيد من الأسلحة وانتهاء بمعالجة المزيد مما تنتجه مزارعها. والتحدي الحقيقي يكمن في حَمْل الشركات المحلية والأجنبية على زيادة الاستثمارات.
ولفت إلى أن الأجواء الأمنية الأفضل يمكن أن تكون عاملاً مساعداً أيضاً. فكلما كانت الدفاعات الجوية أقوى، انحسر خطر تفجير مصنع أوكراني جديد. وكلما تقهقرت البحرية الروسية، تدفقت الصادرات بقدر أكبر من الأمان عبر موانئ أوكرانيا على البحر الأسود. ولابد من بذل جهود أكثر لاستئصال الفساد الذي استشرى في أوكرانيا، والحفاظ على نزاهة القضاء وحياده.
وكل ما سبق يقتضي إرادة سياسية من أوكرانيا وأصدقائها في الغرب، وفق التقرير. وفي الأفق، يتجلى أفضل ضمان لأمان أوكرانيا في عضوية حلف شمال الأطلسي. فليس من السهل إقامة اقتصاد مُزدهر فيما القنابل تنهال على البلد. لكن أوكرانيا يمكن أن تندمج يوماً ما في أغنى كتلة اقتصادية في العالم.

تغيير العقلية الأوروبية

ولكي يتحقق ذلك، يرى التقرير ضرورة إحداث تحول في العقلية الأوروبية، مشيراً إلى أن أوروبا خصصت أسلحة بقدر أكبر من أمريكا. ورغم ذلك، عليها أن تبادر أكثر. فإذا فاز ترامب في عام 2024، فقد يخفِّض المساعدات العسكرية الأمريكية المقدمة لأوكرانيا.
وحتى لو خسر ترامب، فستحتاج أوروبا في النهاية إلى تحمل المزيد من الأعباء. وهذا يعني، حسب التقرير، تعزيز صناعاتها الدفاعاية، وإصلاح عملية صنع القرار في الاتحاد الأوروبي، كي يتمكن الاتحاد من استيعاب مزيدٍ من الأعضاء.