الأحد 5 نوفمبر 2023 / 08:31

كيف ستنتهي حرب غزة؟

عبدالرحمن الراشد- صحيفة الشرق الأوسط

ليس هروباً من الحديث عن أزمة غزة وحربِها الخطيرة، عن بداياتِها وتطوراتها، لكنَّ هناك جانباً فيه غموض، كيف ستنتهي، من سيستسلم، ومقابل ماذا؟.

فالهجوم العسكري الإسرائيلي المستمر الذي لم يستثنِ المدنيين والخدمات، في الحقيقة، هو أكبر من ردة فعل على هجمات حماس، حجمه يؤكد أنه مشروع لتغيير الواقع السياسي.
وقد سبق لنتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، في بداية الهجوم أن قال: المنطقة بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) لن تكون مثل قبله؟ وتردَّد صداه في العواصم الغربية التي أيدته بوضوح، مع ترحيل حماس من غزة.
نحن أمام أزمة إنسانية مريعة، ووسط معركة عسكرية، وبداية مشروع سياسي مختلف. وقد ينجح الإسرائيليون في تحقيق هدفهم الذي سيعني نهاية التنظيم المسلح كما نعرفه، لكن خروج حماس من المعادلة لن يلغي القضية الفلسطينية وحقوقها، ولن يوقف الخطر على إسرائيل، بدليل هجمات أكتوبر نفسها، التي جاءت أضخم من كل ما سبقها من عمليات، رغم أن إسرائيل حاصرت غزة وراقبت نشاطات حماس على مدى سنوات.
المفارقة أن العدوين، حماس ونتنياهو، هما أكثر فريقين تحالفاً ضد مشرع السلام، وعملا على تعطيله. والمفارقة الثانية، أن حماس ونتنياهو، هما الخاسران في الحرب. حماس قد تخسر غزة، ونتنياهو بسبب هزيمة هجوم أكتوبر سيخسر رئاسة الحكومة، وقد ينتهي في السجن بتهم فساد سابقة للحرب. والمفارقة الثالثة أن الحرب القاتلة هي من سينفخ الحياة في قطار السلام، وليس العكس.
نستذكر كيف أن إخراج ياسر عرفات ومقاتليه من لبنان آنذاك، بالفعل أنهى «فتح» بوصفها تنظيماً عسكرياً، لكن عرفات تموضع سياسياً، ونجح في العودة إلى فلسطين بصفة السلطة، عبر اتفاق أوسلو. وقد يعيد التاريخ نفسه، حتى في ضوء هذه الكارثة الإنسانية، الأسوأ في تاريخ الصراع الإسرائيلي في نصف قرن.
الحرب ستتوقف بعد أسابيع، وسيضطر الجميع لتفعيل العمل السياسي. وقد فاجأ إسماعيل هنية الجميع، ففي ذروة الاقتتال عبَّر عن استعداد حماس لقبول سلام قائم على حل الدولتين، لأنه يدرك الاحتمالات التالية للحرب. حماس ليست بالقوة التي تمكّنها من صد إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة، خاصة أنها تركت تحارب وحيدة من قبل حلفائها. هنية يريد أن يكون للحركة وجه سياسي لا عسكري فقط، ودور في قطف ثمار هجمات السابع من أكتوبر. الإشكال الذي يواجه هنية ومشعل أن حماس الداخل لا تعترف بأي دور لقياداتها في الخارج، وتسرب أنه تم إبعاد رجالهم من المراكز القيادية في عام 2017. الحركة منذ ذلك الحين تدار من قبل قادتها العسكريين، وتحديداً يحيى السنوار. وبسبب وضع الحركة المحاصر وما سيعقبه، فقد يكون لقادتها في الخارج كرسي على طاولة مفاوضات السلام المحتملة لاحقاً، التي شنت هجماتها لوأدها.
من بين التحديات، أن الأمريكيين سبق أن صنفوا «حماس» إرهابيةً وسيضطرون للتراجع في لحظة مقبلة إن تبنوا مشروع السلام. فقد كانوا يحظرون على عرفات دخول الولايات المتحدة، ويمنعون مسؤوليهم من مقابلتِه، وسعوا لاختراع قيادات بديلة له، عبدالشافي وعشراوي للتفاوض في مؤتمر مدريد. ثم قبل الأمريكيون لاحقاً الجلوس مع عرفات لأنه لم يكن ممكناً التفاوض والسلام من دونه. «حماس» المتطرفة ليست «فتح»، مع هذا تبقى رقماً صعباً لا يمكن تجاهله، ولو وافقت فستعزّز وضع السلطة الفلسطينية في المفاوضات المحتملة.
وحتى يحين ذلك الحين، هناك خريطة طريق مليئة بالأفخاخ. حماس لديها قوة من 35 ألفاً، وإسرائيل عدّت التخلص منهم هدفاً، وهذه مهمة تكاد تكون مستحيلة عسكرياً دون خسائر هائلة بين الجانبين والمدنيين بشكل مريع. فهل تقبل حماس الخروج تقليلاً لخسائر بين المدنيين ومنسوبيها؟ ولو قبلت التخلي عن سلاحها، فالتحدي الثاني أنه لا توجد دولة عربية مستعدة لاستضافتهم خشية المخاطر المصاحبة. في هذا المأزق قد يقتنع المتحاربون بحل وسط، هنا يأتي دور السلطة الفلسطينية في إدارة غزة. وهنا نرى ضوءاً في أنفاق غزة المظلمة.
للحديث بقية، عن خيارات السلام والسلاح.