نواب منتخبون من التجمع الوطني.
نواب منتخبون من التجمع الوطني.
الخميس 11 يوليو 2024 / 12:29

اليَسَار الفرنْسي.. والرّهان المَغَارِبِي

بالنسبة للدول المغاربيَّة، فإن رهاناتها على فوز اليسار، تبدو في ظاهرها العام واحدة


انتهت نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة في فرنسا إلى تصدّر تحالف اليسار تحت راية" الجبهة الشعبية الجديدة" المشهد الانتخابي بفوزه بـ 182 مقعداً، الأمر الذي أرجعه المراقبون إلى ثلاثة أمور:
أولها يتعلق بميول الناخب الفرنسي، وموقفه من سياسة الرئيس ايمانويل ماكرون.
وثانيها، مخاوف الفرنسيين من تطرف أحزاب اليمين، خاصة بعد تمددها على الصعيد الأوروبي، واظهارها لمواقف تبعث على عدم اليقين، وتدفع نحو صراع مستقبلي على مستوى الجبهات الداخلية.
وثالثها، التجاوب مع خطاب ووعود الجبهة الشعبية الجديدة المُشكَّلة من مجموعة أحزاب اليسار، منها: حزب فرنسا الأبية بزعامة جون لوك ميلانشون، والحزب الاشتراكي (الذي أوصل بعضا من قادته إلى الرئاسة على غرار فرانسوا ميتران، وفرانسوا هولاند)، إضافة إلى حزب “الخضر” والحزب الشيوعي.
وجاء المعسكر الرئاسي في المرتبة الثانية بعد حصوله على 168 مقعداُ، وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعول عليه ـ بعد حلّ الجمعيَّة الوطنيَّة ــ في تحقيق نتائج أكبر تخوّل له تشكيل الحكومة، باعتباره تحالف تيار الرئيس نفسه، وهو يمثل تيار الوسط الليبرالي، القائم على مبادئ وتصورات متنوعة تجمع أطرافا وشخصيات من تيارات مختلفة.
وحَلَّ التجمع الوطني (الجبهة الوطنية سابقا) في المرتبة الثالثة بحصوله على 143 مقعداً، ورغم تقدمه من ناحية الحصول على المقاعد مقارنة بالانتخابات السابقة، إلا أنه من الناحية العملية مُنِي بخسارة مقارنة بالجولة الأولى من الانتخابات الحالية، وهذا على عكس ما حققه في الانتخابات البرلمانية الأوروبية في شهر يونيو (حزيران) الماضي.
هذه النتائج بدت مطمئنة لجاليّات الدول المغاربية (الجزائر والمغرب، وتونس، وموريتانيا، وليبيا) في فرنسا، مع أن أيّاً من التشكيلات السياسية لم تتمكن من الحصول بمفردها على الأغلبية المطلقة البالغة 289 نائباً، والتي تسمح لها بتشكيل الحكومة، وبالتالي تنفيذ برامجها.
حالة الاطمئنان من فوز اليسار في الانتخابات التشريعية الفرنسية، مصحوبة بعودة الأمل، مثَّلت اجماعاً لدى الجاليات المغاربية، بل وعند غيرها من الجاليات الأجنبية عامّة، في فرنسا، ذلك أن تقدم اليسار، وحضوره في المشهد السياسي بقوة أبْعَدَا الأخطار والمخاوف من حملات الهجوم المتواصلة من اليمين المتطرف، ومن وعوده الانتخابية القاسية، والتي لو تحققت لأحدثت شرخاً كبيراً داخل المجتمع الفرنسي، وأدت إلى تصدع الجبهة الداخلية.
وفي الرهان المستقبلي تتوقع الجاليات المغاربية، الانتقال إلى مرحلة اليقين ـ النسبي ـ والخروج من ضبابية الرؤى السياسية، التي لم تحسم بعد في مواطنتها وانتمائها من جهة، وإقامتها ـ وأحيانا جنسيتها ـ من ناحية وجودها الفرنسي من جهة ثانية، بحيث ينتهي التناقض بين الاثنتين، أو احْداث صدام مفتعل بينهما، أدى في كثير من الأحيان إلى توتر العلاقة بين الجاليات والمجتمع الفرنسي، كما هو الموقف من سكان الضواحي.
أما بالنسبة للدول المغاربيَّة، فإن رهاناتها على فوز اليسار، تبدو في ظاهرها العام واحدة، أو على الأقل متقاربة ـ وهي بالفعل كذلك ـ خاصة تلك المتعلقة بمصالح وحقوق جالياتها في فرنسا، لكنها تختلف في مسألة الأولويات حين يتعلق بالمصالح المباشرة بهذه الدولة المغاربية أو تلك، ما يعني أن الرهان بينها نسبي ومختلف، ويعتمد على الأهداف التي تودًّ كل دولة تحقيقها على الصعيد الرسمي، حيث صناعة القرار ترتبط بمصالح سياسية ذات صلة بجملة من المواقف، منها: تاريخية، وجيوستراتيجية، واقتصادية، وغيرها.
هنا نضرب أمثلة عن مواقف بعينها تحظى بالاهتمام من الدول المغاربية في علاقتها المستقبلية مع فرنسا بعد فوز اليسار، فالجزائر، مثلا، مهتمة بمسألة" الذاكرة"، وعدم إلغاء" اتفاقية 1968"، والمغرب يعنيه بالأساس إنهاء التوتر في العلاقة الذي قام بين الدولتين، خصوصا خلال السنتين الماضيتين، وتونس معنية بمزيد من الدعم الفرنسي للخروج من أزمتها الاقتصادية، بينما موريتانيا معنية بالدور الفرنسي في الجوار الموريتاني، وفي الصحراء الكبرى والغرب الأفريقي، بينما ترغب ليبيا في دعم فرنسي لإقامة سلطة شرعية موحدة من خلال إجراء الانتخابات، وذلك لتحقيق الاستقرار.
ومهما يحمل الرهان المغاربي من اختلافات بين دولِه، ولو كانت قليلة، فإن الواضح ـ طبقا للتجارب الميدانية ــ أن ذلك الرهان نفسه قابل للتحقق من خلال الجاليات المغاربية، وذلك هو الأهم، لأنه يتعلق بوجودها الآني، ومستقبل أبنائها، خاصة الذي ولدوا ونشأوا هناك، وأصحبوا جزءاً من المجتمع الفرنسي، ولا يحملون من أوطانهم الأصلية إلا الاسم، ولا يعرفون عنها إلا بما سمعوا به، أو ما رآه من زارها منهم في رحلة سياحية عابرة.