الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بعد محاولة اغتياله
الخميس 18 يوليو 2024 / 10:34
من الأمثلة الدالة على ذلك رفض قرارات مجلس الأمن لتوقيف حرب الإبادة في غزة
قضايا سياسية كثيرة يعيشها العالم اليوم هي محل متابعة ودراسة من المؤسسات والمراكز البحثية، ومثار جدل من السياسيين وصُنّاع القرار، وعناصر النخبة، كل في مجال تخصصه، كما أنها تعد من أهم المشكلات التي تتطلب حلولاً عاجلةً، منها: مسألة الشرعيات بجميع أنواعها (السياسية، الدينية، الثقافية.. إلخ)، والانتخابات في جميع الدول ـ المتقدمة والمتخلفة ـ بما يرافقها من إقبال أو عزوف، وفشل الأحزاب في تنفيذ برامجها والوفاء بوعودها، ودور الأحزاب في العملية السياسية، وتنوع الرؤى حول الحقوق والواجبات، ومتطلبات السلام، وضرورات الحرب، وغيرها من القضايا الأخرى.
وإذا بحثنا عن الرابط بين تلك القضايا جميعها من ناحية تشكلها وتبعاتها إما بتحقيقها بالمعنى الإيجابي، أو رفضها لما بها من سلبيات، سنجده في الممارسة الديمقراطية سواء أكانت حقيقية عند تطبيقها أم مزيفة، أو عند التنظير لها استناداً إلى مرجعيات قديمة عبَرت من العصر اليوناني إلى أن وصلتنا مع تغيّر واضح في فلسفتها، أبعدنا عن الطموح البشري الأزلي بإقامة مدينة فاضلة طبقاً للتصور الأفلاطوني.
والقول بأن هناك خللاً في الممارسة الديمقراطية، وهو بالطبع بعيد عن التعميم لاختلاف القراءات وتباينها، ترتّب عليه ظهور القضايا سابقة الذكر، وتفرعها، وتناسلها، وهذا يفرض علينا اليوم النظر إلى"العصر السياسي الراهن" على المستوى العالمي من واقع نهاية مرحلة من عمر البشرية، ودخلوها حقبة جديدة، لم تتبلور بعد، ولا عرفت أبعادها، ولا تشكلت رؤيتها بشكل يقيني قاطع، ومع ذلك فإنه يمكن أن نطلق عليها "ما بعد الديمقراطية"، وهي بالتأكيد لن تقضي على ما حققته الممارسة الديمقراطية على ما فيها من نقائص، وإنما يمكن أن تعدل أو تضيف.
من الناحية العملية ـ كما أظهرت معظم النتائج المتحققة على الصعيد العالمي ـ فإن الزيف والافتراء، وأحياناً التزوير، وكل الأساليب والمواقف السيئة التي صاحبت الممارسة الديمقراطية، وحتى التي جاءت قبلها عند التحضير لها، أو تلك التي اتبعت بها من منطلق أنها نتاج قرارات ديمقراطية هي علامات دالة على فراغ التطبيق من روح النظرية، أو على الأقل تحويره بما يخدم تصورات ورؤى ومواقف مناقضة للمشاريع الديمقراطية المطروحة، والتي يتم السعي إليها من خلال خطاب براغماتي( نفعي) يسود العالم اليوم.
على مستوى التنظير ليس هناك ما يخيف من الدعوة إلى الديمقراطية والمطالبة بتطبيقها، بل ينظر إليها من زاوية طرح خطاب التغيير الذي يحتاجه البشر جميعهم في كل أزمنتهم، واتساع مساحة الحديث عنه في عصرنا يعتبر ميزة لهذا الأخير ومنجزاً حضارياً، لكن هل يكفي الخطاب، حتى لو كان مؤثراً على القيام بأفعال واتخاذ قرارات تحققه وتدعمه؟
بالتأكيد لا يعد الخطاب كافياً، ولا بديلاً، عن فعل أو مجموعة أفعال تحقق الديمقراطية، كما أنه قد يتحول إلى خطاب عدائي وهمجي ووحشي إذا استند إلى نتائج الانتخابات مثلاً، كأن يسهم في فوضى ودمار يعم العالم على النحو الذي رأيناه في الحرب العالمية الثانية، أو يؤدي إلى وصول قوى وأطراف معادية للديمقراطية إلى الحكم، كما هو الأمر الآن في أوروبا، حيث الاتجاه العام يسير نحو تمكين أحزاب اليمين المتطرف من الوصول إلى الحكم، أو يؤدي إلى انهيار الدولة واضطراب الجبهة الداخلية وتوتر شبكة العلاقات الاجتماعية كما حدث في عدد من دول العالم الثالث بعد فوز قوى محافظة أو متطرفة في الانتخابات.
مهما يكن من أمر، فإن كل الدلائل والمؤشرات والمعطيات تشِي بدخولنا حقبة ما بعد الديمقراطية، ومن الأمثلة الدالة على ذلك رفض قرارات مجلس الأمن لتوقيف حرب الإبادة في غزة، وما تسهم فيه أوروبا والغرب عموماً من جهة وروسيا من جهة ثانية من قتل ومعاناة في أوكرانيا، وما أُصيبت به الديمقراطية الأمريكية من تهور أثناء الحملة الانتخابية، وذلك بمحاولة اغتيال المرشح دونالد ترامب، ومثل ذلك كثير في دول العالم الأخرى.. الأمر الذي يعني نهاية المرحلة الديمقراطية أو على الأقل تشكلها في نمط جديد.