الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
الخميس 1 أغسطس 2024 / 12:03

تركيا وإسرائيل.. "أوْزار حرب كلامية"

تمثل الحرب الكلامية الراهنة بين تركيا وإسرائيل توسيعاً لخطاب "رفض حرب الإبادة في غزة" على المستويين السياسي والإعلامي.. تلك الحرب التي جاءت على خلفية تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان القائل فيها "كما دخلنا قره باغ وليبيا، يمكننا فعل الشيء نفسه بإسرائيل، وعلينا أن نمتلك القوة الكافية حتى لا تستطيع إسرائيل فعل ما تفعله في فلسطين".

من غير المتوقع توقيف هذا التصعيد

غير أن هذا الخطاب التركي الرسمي، مهما بلغت شدته وهجومه، سيظل حالاً من التعبير السلمي القائم على التمنِّي، ولن يتحوّل إلى تدخل عسكري تركي إلى جانب الفلسطينيين، أو حتى لإجبار إسرائيل على توقيف الحرب لأسباب كثيرة، لعل من أهمها الوضع الاقتصادي الحالي في تركيا، والعلاقة القوية بينها وبين إسرائيل ـ رغم إعلان قطع العلاقات التجارية، منذ مايو (أيار) الماضي، مع إسرائيل، مع التشديد على أنه لن يتم التراجع عنه إلا بعد ضمان عدم انقطاع إمدادات المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة ــ وعضوية تركيا في حلف الناتو.
عملياً، فإن الموقف التركي يصنّف دائماً ـ على المستوى النظري على الأقل ـ أنه يقف إلى جانب الحق الفلسطيني، ورغم الإسهام والدعم المباشر خاصة على الصعيد الإنساني، إلا أنه يتحرك طبقاً للاتفاقات مع دولة إسرائيل، وأن هذه الأخيرة توجهها نحو تحقيق تعاونها في مجالات ثلاثة: الأمني والعسكري والاقتصادي.
وفي الحالات القليلة، التي اتخذت فيها تركيا موقفاً مدافعاً عن الحق الفلسطيني مُنيت بالفشل، من ذلك على سبيل المثال: العمل من أجل اختراق الحصار، حيث قوبلت بردّ فعل عنيف، على النحو الذي انتهت إليه سفينتها "مرمرة"، التي شاركت عام 2010 في "أسطول الحرية"، وتعرضت أثناء إبحارها في المياه الدولية قبالة سواحل فلسطين المحتلة للاعتداء من قبل قوات الجيش الإسرائيلي، التي قتلت 10 أتراك وأصابت 56 آخرين.
تدرك إسرائيل أن تصريحات أردوغان، المقصود بها الجبهة الداخلية، أي أنها للاستهلاك المحلي، مثلما أن رد فعل قادة إسرائيل، ومنهم وزير الخارجية يسرائيل كاتس، عبر تغريدة على موقع "إكس"، قال فيها: "أردوغان يسير على خطى صدام حسين"، موجهة أيضاً للداخل الإسرائيلي، خاصة الجيش، بعد فشله في تحقيق أي انتصار يذكر منذ انطلاق طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر(تشرين الأول) الماضي.
لقد صعَّدت إسرائيل من خطابها تجاه تصريحات الرئيس التركي، في محاولة منها للترويج لمظلومية تعاني منها ـ رغم جرائمها البشعة في هذه الحرب ـ وهي ترى في ذلك مدخلاً للانتصار في معارك أخرى متعددة، ومنها: السياسة، والدبلوماسية، والاقتصاد.
ومن غير المتوقع توقيف هذا التصعيد، لأن الرئيس أردوغان ينظر إلى نتائج الحرب في غزة ضمن المصالح العليا لدولته، بما في ذلك مزاحمته للدول المسلمة الأخرى في توظيفها للقضية الفلسطينية، ومنها بوجه خاص، إيران التي تدعم حركتي حماس والجهاد، إضافة إلى دخول الصين على الخط، بعد عقدها الأسبوع الماضي لقاءً جمع 14 فصيلاً فلسطينياً في العاصمة بكين، بهدف الوصول إلى مصالحة وطنية.
ويستشف من تصريحات أردوغان ـ التي هاجم فيه إسرائيل ـ أن هناك إصراراً من أنقرة على لعب دور في الشأن الفلسطيني، بحيث لا يخص فقط فصائل المقاومة وعلى رأسها حماس، لأن هذه قريبة منها وتحظى بدعمها، وإنما يشمل أيضاً السلطة الفلسطينية، ومن هذا المنطلق يمكن قراءة الانتقاد الذي وجهه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للرئيس الفلسطيني لعدم مجيئه إلى تركيا رغم تلقيه دعوة رسمية، وهذا حين رد على الأحزاب التي طالبت الحكومة بدعوة محمود عباس إلى زيارة تركيا وإلقاء كلمة أمام البرلمان، بقوله: "من قال إننا لم ندعوه؟، السيد عباس لم يأتِ على الرغم من أننا قُمْنا بدعوته، يجب أولاً أن يعتذر لنا بشكل منفصل.. لقد دعوناه، لكنه لم يأتِ، نحن ننتظر، دعونا نرَ ما إذا كان سيأتي أم لا، وسواء أتى أم لم يأت فإننا نقول ما يجب قوله باسم الشعب الفلسطيني وإخواننا الفلسطينيين في كل الاجتماعات واللقاءات".
وقد سارعت السلطة الفلسطينية إلى الرد على تصريحات أردوغان عن طريق سفيرها في أنقرة فائد مصطفى، الذي صرّح قائلاً إن "الرئيس محمود عباس قد وافق على تلبية الدعوة لزيارة تركيا، ولقاء الرئيس رجب طيب أردوغان.. الاتصالات ما زالت قائمة لتحديد الموعد المناسب لهذه الزيارة من خلال القنوات الدبلوماسية ووفق الأصول".
التصريحات المتبادلة بين الرئيس التركي وقادة إسرائيل من جهة، وبينه وبين السلطة الفلسطينية من جهة ثانية، تؤكد على الدور الذي تسعى إليه تركيا في رسم علاقتها ليس بالطرفين المتصارعين في فلسطين فحسب، وإنما أيضاً بالقوى الدولية الفاعلة، وهذا سيتم عبر حرب غزة الآن، وحين تضع أوزارها غداً.