صحافيون في غزة يشيعون زميلاً إلى مثواه الأخير (أرشيف)
الخميس 8 أغسطس 2024 / 12:03
في نهاية يوليو (تموز) الماضي، أعلنت وسائل إعلام فلسطينية ارتفاع عدد القتلى من الصحافيين إلى 165 منذ بدء الحرب على قطاع غزة، وهو عدد كبير مقارنة مع الحروب السابقة في العالم من الناحية الزمنية والمكانية، ومنها الحرب العالمية الثانية 1939 ـ 1945، التي راح ضحيتها عشرات الملايين، وتوصف بالحرب الأكثر دموية في التاريخ الحديث، ولا تزال مؤثرة سلباً إلى اليوم، بعد ما يقارب من ثمانية عقود، على حياة البشر، على النحو الذي نراه في هيروشيما، التي تذكرت مأساتها التاسعة والسبعين في السادس من أغسطس (آب) الجاري.
وبلغة الأرقام، حسب عدد من المؤسسات الإعلامية ومنها "منتدى الحرية" بواشنطن، فإن عدد الضحايا من الصحافيين، والإعلاميين عموماً، الذين قتلوا بيد القوات الإسرائيلية في حرب غزة، يفوق من الناحية العددية، وفي جرمه وبشاعته ما حدث خلال الحرب العالمية الثانية، التي دامت ست سنوات، حيث فقد فيها 69 صحافياً حياتهم، والحرب الكورية 1950 ـ 1953 التي كان من ضحاياها 17 صحافياً، وكذلك الاحتلال الأمريكي لفيتنام 1955 ـ 1975، حيث فقد 63 صحافياً حياتهم، وتلك جميعها حروب واسعة النطاق ودامية، كما هو معروف.
قد يرى البعض أنه لا يجوز المقارنة بين الحروب السابقة الذكر والحرب الدائرة في غزة منذ عشرة أشهر، لأسباب كثيرة، من أهمها، الوسائل القتالية المتطورة في هذه الحرب، وضيق مساحتها، وصعوبة الفصل بين المدنيين والعسكريين، وهذه جميعها، وغيرها مبررات واهية، لأنه بالإمكان التمييز بوضوح بين الصحافيين وغيرهم في هذه الحرب، وربما يعود الفرق بين هذه الحرب، مع أنها لحد الآن ليست عالمية، إلى عدم الالتزام بقواعد وأخلاق الحرب في التعامل مع المدنيين عموماً، والصحافيين، الإعلاميين، بوجه خاص.
ما يؤكد أن الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة هي ضد المدنيين، والهدف منها إبادتهم، وقتل أي صوت ينقل أخبارهم وصورهم، هو عدد الضحايا، فقد بلغ عددهم في اليوم 305 من الحرب 39 ألفاً و623 قتيلاً، و91 ألفاً و469 مصاباً، وعدداً غير معروف من المفقودين، وذلك منذ 7 أكتوبر(تشرين الأول) 2023، إضافة لكارثة إنسانية وشبح مجاعة يخيم على كافة مناطق القطاع، وتدمير كل شيء في غزة، وتوسيع نطاق الحرب ضد الضفة الغربية.
الحصيلة سابقة الذكر مخيفة ومرعبة، ووصمة عار على الضمير الإنساني، لأن المعدل اليومي للقتلى من المدنيين في هذه الحرب 130، وعدد الجرحى 300، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، لكن الواضح أن هذا عامل أساسي ورادع قوي تعول عليه إسرائيل، وترى فيه سبيلاً لإلحاق الهزيمة بفصائل المقاومة، خاصة حماس.
وكما تابعنا منذ إطلاق إسرائيل حملتها العسكرية على قطاع غزة وعلى الجنوب اللبناني للرد على طوفان الأقصى، فقد اتّجهت إلى استهداف الصحافيين مع بدء هجماتها في مرحلة أولى، وفي مرحلة ثانية عرضتهم للاعتقال والرقابة ثم اعتبرتهم طرفاً في الحرب الدائرة، أي أنهم أعداء، ثم وسعت دائرة العداء لتشمل عائلاتهم وأقاربهم وأصدقاءهم. وهكذا وسعت من دائرة الأعداء، فشملت الجميع بمن فيهم العاملون في مجالات الإغاثة الإنسانية.
الحرب في غزة، وما قد يتبعها من صدام عالمي عسكري وشيك، مختلفة عن كل الحرب السابقة، ليس فقط من ناحية وحشيتها، وعدم تكافئها، وإنما أيضاً لأنها تعيدنا إلى عصور غابرة حين لم تكن هناك قوانين تتحكم في النزاعات والحروب، حيث لا وجود اليوم لأي جانب أخلاقي أو قيْمي لدى القوات الإسرائيلية، لأنها تسارع الخطى نحو تحقيق قناعة ترسخت لديها، هي نتاج الذاكرة اليهودية، تتعلق بإبادة الأعداء قبل أن يقضوا عليها، ويبدو هذا في ظاهره حقاً مشروعاً، لكن في حقيقته حال من العدمية لا تخص الفلسطينيين في حال انتصار إسرائيل، وهذا أمر غير قابل للتحقق في الوقت الراهن، إنما ستشمل الدولة العبرية وشعبها، وستنتهي إلى وقود لحرب أشعلتها، ولن تستطيع مهما أوتيت من قوة إطفاءها.