الأربعاء 16 يوليو 2014 / 16:28

جبهة النصرة: الوجه الآخر لخلافة داعش

24 - إعداد: كارول شاهين

لا تعد التنظيمات الإرهابية في المنطقة وليدة اليوم، لكنه خلال الحرب الأهلية في سوريا، وجد تنظيمان تابعان للقاعدة بيئة خصبة لهما، في ظل موجة الاضطرابات التي عصفت بالبلاد، واجتمعا تحت غاية واحدة وهي "دولة الخلافة"، وكان الأبرز بينهما هو تنظيم "جبهة النصرة"، وإلى جانبه يعمل تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" الذي تحول اليوم لتنظيم "الدولة الإسلامية"، إضافةً إليهما، تنشط في سوريا اليوم تنظيمات عسكرية جهادية سلفية، ليست محسوبة بالضرورة على القاعدة.

ونتناول في هذا الجزء من ملف "الخلافة.. وهم أم حقيقة" ممارسات تنظيم "جبهة النصرة" وسياساته وعقيدته وأبرز أساليبه للوصول إلى تحقيق "الحلم" بتأسيس "دولة إسلامية" قاعدتها سوريا.

انطلاق التنظيم
تمّ الإعلان عن إنشاء التنظيم في نهاية يناير (كانون الثاني) 2012، بعد نحو عشرة أشهر من اندلاع الانتفاضة في سوريا، في البداية، عمل التنظيم كفرع لـ "الدولة الإسلامية في العراق"، إطار تابع لتنظيم القاعدة في العراق، وبهدف تصديق ذلك رسمياً، أعلن أبو بكر البغدادي، زعيم القاعدة في العراق في أبريل (نيسان) 2013 عن توحيد التنظيمَين في تنظيم واحد أُطلق عليه اسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام". لكنّ جبهة النصرة لم تحترم هذا الإعلان، الذي أُلغي رسمياً في حزيران (يونيو) 2013 من قبل أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، الذي قرّر أنّ جبهة النصرة هي ممثله الرسمي في سوريا، وكنتيجة لذلك، بدأ انقسام بين شقَّي القاعدة في سوريا.

يُحسَب تنظيم جبهة النصرة على الجهادية السلفية لتنظيم القاعدة، وتسعى إلى إقامة خلافة إسلامية في سوريا الكبرى (الشام الذي يشمل أراضي سوريا، لبنان، الأردن، إسرائيل، وفلسطين)، يجري الاحتكام فيها إلى الشريعة الإسلامية.

الأمير
يتزعم جماعة جبهة النصرة مقاتل ميداني خبير، يُكنّى "أبا محمد الجولاني" كان يُعتبَر في الماضي من مناصري أبي مصعب الزرقاوي، الذي كان يترأس المجاهدين الذين أرسلتهم القاعدة إلى العراق إثر الغزو الأمريكي مارس (آذار) 2003، ويلقب الجولاني بـ "الأمير"، وهو لقب متعارَف عليه في التنظيمات الجهادية المعاصرة، معنى هذا اللقب هو أنّ القائد هو شخصية سياسية ودينية في آن واحد، كما كان في بداية الإسلام.

ويبرز في قيادة جبهة النصرة نشطاء آخرون في القاعدة، امتلكوا هم أيضاَ خبرة عملياتية في العراق، وإضافةً إليهم، يقاتل ضمن التنظيم آلاف الناشطين الجهاديين من دول عربية وإسلامية وأوروبية، لا سيّما فرنسا وبريطانيا.

الخلافة هي الهدف

ﺿﻣن ھذا اﻟﺳﯾﺎق، وﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﺻﺣﺎﻓﯾﺔ أﺟرﺗﮭﺎ اﻟﺻﺣﺎﻓﯾﺔ راﻧﯾﺎ أﺑو زﯾد ﻣﻊ اﻟﻣدﻋو "أﺑو ﻋدﻧﺎن" أﺣد ﻗﺎدة ﺟﺑﮭﺔ اﻟﻧﺻرة ﻓﻲ ﻣﻧطﻘﺔ ﺣﻠب ﻧﺷرت ﻓﻲ ﻣﺟﻠﺔ Times Magazine ﻓﻲ 25 ديسمبر (ﻛﺎﻧون الأول) 2013، ﺻّرح ھذا اﻷﺧﯾر أّن "ﺟﺑﮭﺔ اﻟﻧﺻرة" ﺗﺳﻌﻰ ﺑﻘّوة ﻹﻧﺷﺎء دوﻟﺔ إﺳﻼﻣﯾﺔ، وهي تواجه اعتراضات قوية.

ووفقاً لتقرير مركز "كويليام" البريطاني في يناير 2013(كانون الثاني) فإنَّ "جبهة النصرة" في سوريا تسعى إلى "إعلان قيام الخلافة في بلاد الشام" بعد سقوط النظام الحالي في سوريا، من خلال تحقيق 5 أهداف أساسية، تنطلق من تكوين جماعة تضم جميع الجهاديين في إطار كيان متماسك، ثم تتجه إلى تعزيز الوعي بالطبيعة "الإسلامية" للنزاع الدائر، وتحاول الحصول على ما أمكن من سلاح وبناء مناطق آمنة تمارس فيها الجبهة حكمها، وتصل إلى إنشاء دولة إسلامية في سوريا، لتختم أهدافها بإعلان قيام الخلافة في بلاد الشام.

أساليب وممارسات الجبهة

أعلنت جبهة النصرة مسؤوليتها عن مئات التفجيرات التي نفذتها، وتعتبر منطقة دمشق ومناطق شمال سوريا وشرقها (حلب، حمص، حماة، إدلب، ودير الزور) مراكز النشاط العسكري لجبهة النصرة و داعش، كذلك لدى جبهة النصرة نشاط عسكري مكثّف في منطقة درعا، جنوب سوريا، حيث بدأت الانتفاضة ضدّ نظام الأسد.

تخوض جبهة النصرة حرب عصابات وإرهاب ضدّ قواعد، منشآت، وشخصيات محسوبة على الجيش السوري والنظام السوري لا سيّما الجيش والقوى الأمنية والمؤسسات الحكومية، وأيضاً شخصيات مدنية وعامة ممن "يحسبون على النظام" والمرتدون، هدف هذا النشاط هو خلق الفوضى ومنح جبهة النصرة ومجموعات متمردة أخرى سلطةً على مناطق نفوذ واسعة، لا سيّما شمال سوريا وشرقها، لذلك، تستخدم جبهة النصرة تكتيكات قتال متنوعة: تفجير سيارات مفخخة عبر إرهابيين انتحاريين أو عبر جهاز تحكم عن بُعد، تفجيرات انتحارية عبر أحزمة ناسفة، مهاجمة قواعد، منشآت، ومطارات عبر إطلاق نار بسلاح خفيف ومدافع هاون، وضع عبوات ناسفة في محاور سير مركزية، ومهاجمة حواجز للجيش وقوى الأمن.

تعاون الجبهة
تتعاون جبهة النصرة وتنظيمات جهادية سلفية أخرى مع مجموعات ثوار ذات طابع إسلامي، ليس بالضرورة تلك المحسوبة على فكر القاعدة، لتحقيق هدف مشترك أوله إسقاط النظام السوري وآخره إقامة دولة الخلافة، أبرزها الجيش السوري الحر، ذي الطابع السوري الوطني العلماني، رغم أنّ كثيرين من ذوي الهوية الإسلامية الواضحة يقاتلون في صفوفه، وفي عدة أماكن، ثمة تعاون عسكري بين جبهة النصرة وبين الدولة الإسلامية في العراق والشام، رغم الخصومة بينهما.

قصص حول النصرة
لم تتوان جبهة النصرة عن إعلان مسؤوليتها عن معظم التفجيرات الانتحارية، ولكنها بنفس الوقت حاولت إنكار العديد من القصص التي رواها شهود عيان، وأشخاص ادعوا أنها حصلت معهم بالفعل.

ولعل قضية "جهاد النكاح" التي دعت إليها النصرة، من أبرز القضايا التي قوبلت برد عنيف من قبل المجتمع العربي والدولي والمنظمات الإنسانية، وانتشرت مقاطع فيديو على موقع يوتيوب، توضح إجبار جبهة النصرة للفتيات المنتميات لتنظيم القاعدة على ممارسة جهاد النكاح مع أعضاء جبهة النصرة في سوريا.



وقالت سارة إحدى الفتيات المنتميات لتنظيم القاعدة "انتميت الى القاعدة في الصف العاشر، كنت أحضر دروس دينية في جامع بمدينة البوكمال، وكان هناك شيخ يأتي من العراق يعطينا دروس متعلقة بتنظيم القاعدة ويقنعنا أن من ليس مع القاعدة كافر".

وأضافت: "في البداية كنا عشرة فتيات بعدها أصبحنا أكثر، كما كان يقول أنه يجب علينا ممارسة الجنس مع كل من فرد ينتمى للتنظيم لأن هذا مسموح دينياً، كما كان يذكر لنا سور من القرآن وأحاديث للنبي محمد".

وتابعت "بعد أن انتهت الدروس وبدأت الأحداث في سوريا بدأ جهاد الفتيات من خلال ممارسة الجنس مع شقيق أحد الفتيات ومع رجال آخرين "اثنان من ليبيا واحد من تونس واحد من المغرب وواحد من مصر"، وقالت أخرى "أنها خلال 12 ساعة تزوجت وطلقت من 6 رجال".
وعرض الفيديو أيضاً جدول "جهاد النكاح" في مقر للنصرة الذي يقع شرق دمشق بعد أن سيطر عليه الجيش النظامي التابع للرئيس السوري بشار الأسد، لكنه أزيل عن موقع يوتيوب "لانتهاكه سياسة الموقع".



وفي قصة أخرى، كما هو معروف فإن منطقة دير الزور تخضع لسيطرة المسلحين، وعليه أظهر الفيديو رجل ملثم وهو يقول إن ما أسماها بالمحكمة الشرعية في المنطقة قضت بإعدام هؤلاء الجنود.

ويظهر الفيديو أن كان الضحايا معصوبي الأعين، وقد تمت عملية الإعدام بإطلاق رصاصة على كل واحد منهم في مؤخرة الرأس وهم جاثمون على ركابهم، وقام ملثمون آخرون برفع رايات سوداء في الوقت الذي كان فيها إطلاق الرصاص مرفقاً بالتكبير.

وليس بعيداً عن دير الزور، شهدت الرقة هي الأخرى عملية إعدام لثلاثة أشخاص لتصبح هذه الممارسات البشعة هي ما يميز تطور الأوضاع خلال الأزمة المستمرة منذ أكثر من ثلاثة سنوات.


على أن الحدث الأبرز الذي أحدث صدمة في الرأي العام الدولي والإقليمي هو الفيديو الذي يظهر عملية شق صدر جندي سوري لإخراج قلبه والتهامه وتناولت الاتهامات وقتها الجيش الحر، فيما نسبه الكثيرون لتنظيم القاعدة.



وانتشر فيديو أخر تحت عنوان "القاعدة تذبح جندي سوري أمام الأطفال" يظهر كيف أعدم المقاتلون الملثمون جندي سوري، أمام مجموعة كبيرة من الأطفال والمراهقين بوحشية مخيفة.

ويبدو أن كل هذه الممارسات بوحشيتها وإجرامها، لم تكن كافية للمجتمع الدولي لوضع حد لها، ولا للشباب "المجاهد" الذي قدم من مختلف أصقاع الأرض ليلبي هذه التنظيمات للوصول لأهدافها القذرة.

الخلافة والخلاف
وبحسب تقرير لوكالة رويترز للأنباء، في مايو (أيار) 2013، فإن نفوذ جبهة النصرة الإسلامية أكثر جماعات المعارضة السورية نجاحاً في القتال ضد الرئيس السوري بشار الأسد، كما وصفتها، تراجع أمام قوة جهادية أكثر تطرفاً وهي "داعش".

ولفت التقرير إلى أن "قائد بارز للمعارضة في سوريا على صلة وثيقة بجبهة النصرة صرح بأن الجبهة انقسمت إلى جبهتين، الأولى تسير على نهج القاعدة التي تسعى لتأسيس أمة إسلامية واحدة، والأخرى سورية ذات أهداف وطنية تساعد في القتال ضد الأسد".

ورغم الانقسامات الحادة ضمن تنظيم "جبهة النصرة" من جهة واحتدام الخلافات بين التنظيمين "الكبيرين" من جهة أخرى، إلا أن الخلافات تبقى ضمن "البيت الواحد" كونها تتعلق بمناطق النفوذ والأساليب المتبعة والولاءات الشخصية، ولا تتعلق بالعقيدة، إذ إن الجماعتين تسعيان لإقامة الحكم الإسلامي أو "الخلافة".

وتأكيداً "لشكلية" هذه الخلافات أعلن تنظيم جبهة النصرة في البوكمال "جنود الحق" مبايعته "الدولة الاسلامية في العراق والشام"، ما يسمح "للدولة الإسلامية في العراق والشام" بأن تكون موجودة على جانبي الحدود بما أنها تسيطر أصلاً على بلدة القائم الحدودية في العراق.

وفي حين أن معظم التحليلات التي عقبت خبر إعلان "المبايعة"، خلصت إلى أن هذا الإعلان يعبر عن "جنود الحق" دون جبهة النصرة كلها، تظهر المعطيات على أرض الواقع، لتشير إلى أن هذا "الخضوع" يقابله قناعة واضحة بمبادئ "داعش" الذي يسعى لتقيق حلمه الوهم، بإنشاء دولته المزعومة، لتحكمها خلافة إسلامية جديدة.