الأربعاء 16 يوليو 2014 / 16:25

المرأة.. وسط نيران داعش

24- إعداد نيفين الحديدي

تحت غطاء الدين، وادعائه تطبيق الشريعة، يمارس تنظيم داعش، أبشع أشكال الاستغلال تجاه المرأة، وهو ما جعلها تحصد نصيب الأسد من جرائمه ضد المدنيين في العراق وسوريا.

ممارسات فاقت بهمجبتها وانحطاطها، ما شهدته النساء، في أكثر حروب التاريخ وحشية، فمن ضحية لجرائم القتل والاغتصاب والزواج القسري، إلى أداة لتوفير المتعة الجسدية لعناصر داعش، فيما عرف "بجهاد النكاح"، إضافةً إلى "داعشية" في صفوف المجاهدين، خدمةً لأجندة التنظيم المتطرفة، وعملياته الإرهابية.

وثيقة المدينة
تلخص "وثيقة المدينة" التي أصدرها تنظيم داعش، بعد ثلاثة أيام من سيطرته على مدينة الموصل، في 13يونيو (حزيران)، طريقة تعامل التنظيم ونظرته للمرأة، وهي لا تختلف عن بيان سابق وضعه، أواخر العام الماضي، في محافظة الرقة السورية.



وتتضمن قائمة شروط، من 16 نقطة، ولكنها خلافاً لما تدعيه، أبعد ما تكون عن أحكام الشريعة، وروح الإسلام الوسطي، المنتشر في المجتمعين السوري والعراقي، ناهيك عن العقوبة التي يفرضها التنظيم لكل من يخالفها بالقتل والجلد، وهو ما يناقض جوهر الدين القائم على الأخلاق والتسامح.

وبحسب الوثيقة، المرأة عورة كاملة، إذ يطالبها التنظيم بالتزام البيت، وعدم الخروج من دون محرم، وعند خروجها، يفرض عليها ارتداء العباءة الفضفاضة والنقاب، رغم أن الدين الإسلامي يستثني الوجه واليدين من لباس المرأة المسلمة، كما تمنع النساء من الذهاب إلى المدارس للتعلم، ويمنع اختلاط الرجال مع النساء في الأسواق والأماكن العامة.

ومن المحظورات الأخرى، غير المنسجمة مع طبيعة الحياة في هذا العصر، إغلاق صالونات التجميل، ومنع استخدام "المانيكان" لعرض الملابس النسائية، وعلى البائعة أن تكون أنثى، ويمنع أيضاً بيع الملابس النسائية الداخلية للرجال، وبيع الملابس "المزخرفة أو الضيقة أو الشفافة"، ولا يسمح للمرأة بالجلوس على الكراسي، فيما تمنع زيارة العيادات النسائية، التي يعمل بها الأطباء الذكور.



انتهاكات داعش
وتتجاوز انتهاكات داعش هذا الحد، إذ تشمل أيضاً القتل والاغتصاب والاختطاف، للنساء في المدن والمناطق الخاضعة لسيطرته في العراق وسوريا، وهو ما يعتبره مراقبون كارثةً حقيقية، خاصةً مع حالة التكتم المحيطة غالباً بهذه الجرائم.

ويؤكد فيديو بثته قناة العراقية شبه الرسمية في منتصف يونيو (حزيران) الماضي أيضاً، حالات اغتصاب لنساء موصليات، إذ تضمن لقاءات مع شقيقتين تم اغتصابهما من قبل عناصر داعش، وقالتا إن "المغتصبين كان عددهم كبيراً وقاموا بقتل الرجال بالمنزل، ثم تناوبوا على اغتصابهما مع امرأة أخرى"، وذكرتا أن "أحد المغتصبين كان يتحدث بلهجة خليجية، وآخر بلهجة أجنبية وبهيئة غريبة".

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أعلنت في أوائل يونيو (حزيران) الماضي، على لسان المتحدث باسمها روبرت كولفيل "انتحار أربع نساء بعد تعرضهن للاغتصاب من قبل عناصر داعش في مدينة الموصل".



أداة للحرب النفسية

ومن الواضح أن هذا العنف ليس عشوائياً، إذ يرى مراقبون أن تنظيم داعش يوظف المرأة كأداة للحرب النفسية، فالاغتصاب هو السلاح الأكثر شيوعاً لترويع النساء، والسيطرة على المجتمعات أثناء الحروب، عبر استغلال العاطفة الخاصة، التي تبديها المجتمعات العربية لشرف المرأة، وحرصها على حمايتها ورعايتها.

وحتى الآن لا توجد إحصائية بعدد النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب على يد عناصر داعش مُنذ سيطرتهم على الموصل، ثاني أكبر مدن العراق من الناحية السكانية، غير أن وزارة حقوق الإنسان العراقية، أكدت أن هناك حالات اغتصاب أكبر، ولكن لم يتم إبرازها في وسائل الإعلام، إضافةً لطبيعة المجتمع الموصلي، المتكتم على حدوث مثل هذه الجرائم.

وفي محافظة الرقة السورية، تكثر إلى جانب الاغتصاب، حالات الزواج القسري لفتيات بعناصر من داعش، إذ تشير تقارير إعلامية إلى أن بعض الأهالي، يوافقون على تزويج بناتهم، إما طمعاً بالمال، أو لأنهم من مؤيدي داعش، بينما هناك من يضطرون للموافقة، خشيةً من انتقام التنظيم.



ولا تعاني المرأة السورية والعراقية المتواجدة في مناطق الصراع من جرائم الاغتصاب، والانتهاكات الأخرى فحسب، بل هي ضحية لتداعيات تطور الأحداث، ففي الموصل فر آلاف المواطنين، أغلبهم من النساء والأطفال، الذين يعيشون اليوم في ظروف قاسية، تتمثل بانعدام السكن، وغياب أبسط مقومات الحياة.

ويحذر مراقبون من انعكاس جرائم داعش، التي سبق ومورست في سوريا والأنبار، ومازالت مستمرة حتى الآن، على زيادة ظاهرة التحرش في المجتمع العراقي، وتأثيرها على أفكار بعض شرائح الشباب قليلي التعليم، والعاطلين عن العمل، والذين يعيشون في بيئة فقيرة.

أداة للجنس
ذكرت وزارة حقوق الإنسان العراقية في 2 يوليو (تموز) الحالي أن داعش "فرض جهاد النكاح على النساء عبر فتوى لا أساس لها في الدين الإسلامي، وترفضها الأعراف والتقاليد الاجتماعية للعراقيين، إذ يطلب من كل مقاتل ينضم لصفوفه، بأن يجبر أخته أو قريبته على مناكحة أحد عناصر التنظيم".

وكان مستخدمو التواصل الاجتماعي، تداولوا مؤخراً مقطع فيديو، من برنامج الإعلامي الكويتي، محمد الملا، "الكويت والناس"، يتضمن منشوراً لتنظيم داعش، يحمل تاريخ 12 يونيو (حزيران) الماضي، ويطالب فيه أهالي نينوى في العراق، بتقديم الفتيات غير المتزوجات، للمشاركة في جهاد النكاح.



ومما جاء في المنشور: "نطالب أهالي هذه الولاية بتقديم النساء غير المتزوجات، ليقمن بدورهن في جهاد النكاح، لإخوانهن المجاهدين في المدينة، ومن يتخلف سنقيم عليه الشريعة، وتطبيق قوانين الشريعة".

ورغم أنه لم يتم التأكد من صحة هذا المنشور، إلا أن تقارير إعلامية عديدة، أشارت إلى إجبار عناصر داعش لنساء عراقيات في الموصل والفلوجة وغيرها، على ممارسة "جهاد النكاح"، وهو ما أدى إلى انتحار أربع نساء موصليات في الآونة الأخيرة.

فتوى جهاد النكاح
وبالانتقال إلى بدايات ما يسمى "بجهاد النكاح"، نجد أن التنظيم استند في تبرير فرضه على النساء، إلى فتوى مجهولة الهوية، انتشرت على هامش الحرب السورية، في أواخر 2012 تقريباً، ولكنها سرعان ما نسبت إلى الداعية السعودي محمد العريفي، الذي يقال بأنه أصدرها في ربيع 2013.

وتدعو الفتوى النساء إلى التوجه نحو سوريا، من أجل ممارسة نوع خاص من الجهاد، أي إمتاع المقاتلين السوريين، لساعات قليلة، بعقود زواج شفهية، من أجل تشجيعهم على القتال، وتشترط تجاوز أعمار الفتيات الرابعة عشر، وكونهن مسلمات.

كما تبيح الفتوى للنساء، ممارسة الجنس، بصورة متكررة في اليوم الواحد، بعقود زواج شفهية، لإشباع رغبات المجاهدين، وتستحق الفتيات مقابل ذلك لقب" المجاهدات"، وبالتالي دخول الجنة، إلا أن بعض رجال الدين أوضحوا أن الزواج في الإسلام يحتاج إلى شروط، منها حضور ولي الأمر والشهود، وفي حالة إعادة الزواج، إتمام العدة.



 ولعل ما ساهم في إعطاء مصداقية أيضاً لهذه الفتوى، وسرعة انتشارها، ظهور إشاعة أخرى في وسائل الإعلام، تقول أن 13 فتاة تونسية استجابت لها، وهو ما أثار الكثير من ردود الفعل الغاضبة من المجتمع المدني، وبعض رجال الدين، الذين اعتبروا أنها جريمة وبدعة، واختراق لقيم الدين، وحقوق الإنسان والمرأة.

وفي سبتمبر (أيلول) 2013، ذكر وزير الداخلية التونسي، بأن تونسيات ذهبن إلى سوريا ومارسن الجنس، وعدن حوامل، دون أن يحدد عددهن، وهو ما نفاه الجيش الحر وجبهة النصرة، ووصفه جيش الثورة بأنه "فبركات إعلامية أو لبس"، وأنه يعد "زنا كامل الأركان وليس جهاداً".

بيئة فقيرة
وفي سوريا، تناولت وسائل الإعلام الرسمية قضية "جهاد النكاح" بانتظام، خاصةً في أواخر 2013، إذ قامت أيضاً ببث "شهادات"، من أبرزها فيلم وثائقي بعنوان "شريعة ضد الشرع" لإرهابيين أسرى، قالوا إنهم "أجبروا زوجاتهم على ممارسة هذا الجهاد"، ونساء ضحايا لهذا "الاستعباد الجنسي" تحت ضغط أزواجهن، وعناصر التنظيم.

وبينما يجبر تنظيم داعش بعض الفتيات على ممارسة "جهاد النكاح"، تشير تقارير إعلامية، إلى أن هناك نساء يمارسن هذا النوع من الجهاد، عن سابق قناعة، لإيمانهن بأنه خدمة للمجاهدين، ويدخلهن الجنة، فيما تشارك أخريات، طمعاً بالمال، نتيجة لانتمائهن لبيئة فقيرة وغير متعلمة.



وكانت تقارير أخرى، نشرت صورة جدول "لجهاد النكاح"، ويتضمن مواعيد لتحديد أوقات ممارسة الجنس، بين بعض النساء والمقاتلين، بحيث يحصل كل مقاتل على ساعتين، ويتناوب على كل امرأة، ثلاث رجال في اليوم الواحد، تحت عنوان "جدول النكاح للأخوة عناصر كتيبة الفاروق مع المجاهدات"، وقالت إنه وجد معلقاً في إحدى غرف المركز العسكري، لعناصر المجموعات المسلحة في إدلب.

داعشيات
بعد شهر من سيطرة داعش على محافظة الرقة السورية، في منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، شكل التنظيم أول كتيبة نسائية مسلحة، أطلق عليها اسم: "كتيبة الخنساء"، ويهدف منها إلى فرض تحجيب النساء، وعدم خروجهن دون محرم، ومراقبة تحركاتهن، حيث تتولى نساء الكتيبة مهام السجانات، وينفذن العقوبات بحق المخالفات.

وبحسب تقارير، فتحت داعش أيضاً باب الانتساب إلى الكتيبة، والبيعة لقائدتها المدعوة "أم ريان"، ليتم استقطاب "العازبات اللواتي تتراوح أعمارهن بين ١٨ و٢٥ سنة، إضافةً إلى نساء متزوجات، مقابل راتب شهري، لا يتجاوز ٢٠٠ دولار، بشرط التفرّغ الكامل".



ولا تقتصر مهام "الداعشيات" على مراقبة النسوة، وتنفيذ العقوبات، حيث ذكر أمير منشق عن تنظيم داعش، يدعى أبو دجانة الليبي، أن التنظيم يستخدم النساء للإيقاع بخصومه، الذين يصعب الوصول إليهم بالطرق التقليدية.

ويمتلك التنظيم، وفقاً لليبي: "كتيبة خاصة للاغتيالات، وتصفية خصومه داخل سوريا وخارجها، خاصةً المتواجدين في تركيا، عن طريق المسدسات الكاتمة للصوت والتسميم، بتجنيد المقربين من أي شخص، يريدون قتله، ووضع السم له في الطعام".

أما "الوحدة الثانية من النساء، فهي لاستدراج شباب الجيش الحر المعارض، إذ تصادق الفتاة شاباً من المقاتلين، وتجمع المعلومات عنه، ثم تقوم بإرسال اسمه للتنظيم، ليتم تصفيته، ويتم كذلك تجنيد بعض الفتيات داخل مدينة الرقة، عن طريق ارتداء الزي العادي، وترك شعورهن، والجلوس في المقاهي، لجمع المعلومات عن خصوم ومعارضي التنظيم في المدينة".



 وفي العراق، أعلنت الأجهزة الأمنية في كانون الثاني (يناير) من العام الحالي، اعتقال مسؤولة نساء التنظيم في محافظة نينوى، وتدعى رجاء الأنصاري، وقالت "إنها مقربة من زعيم داعش أبو بكر البغدادي، ولديها علاقات وثيقة مع الخط الأول من قيادات التنظيم في الأنبار".

انتحاريات 
 وكشفت مصادر أمنية أنه "عثر على رسائل خطية من الإرهابي أبو بكر البغدادي، يدعوها إلى استنفار جهودها، لتجنيد النساء في الموصل كـ"انتحاريات"، ويؤكد لها أن هناك ضعفاً في مجاميع داعش الإرهابية، فيما يتعلق بالإرهابيات الانتحاريات وأعدادهن".



وتتضمن بعض الفيديوهات المنتشرة عبر وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، شهادات لنساء عراقيات في محافظة الأنبار، يعلن انضمامهن لتنظيم داعش، لنصرة المجاهدين، كما نشرت داعش في 27 كانون الثاني (يناير) الماضي، شريط فيديو لنساء يمجّدن التنظيم، ويُعلن عن تشكيل "مجلس عسكري نسوي في محافظة صلاح الدين".

ويُظهر الشريط نساء عراقيات ملثمات، يرتدين ملابس غريبة، ويحملن البنادق، وعلم النظام العراقي السابق، وإذا كان التنظيم يحاول، كسب التعاطف، وخدمة أجندته الإعلامية، باستغلال هؤلاء النساء، فإن سذاجة الطرح، وفجاجة التعبير، في هذه الفيديوهات، تعكس ظلامية الفكر الإرهابي وإفلاسه.



في المقابل، تشير المعلومات إلى أن بعض النساء في محافظة الأنبار غربي العراق، يقاتلن الإرهاب، حيث نجحن بطرد عناصر "داعش" من مناطقهن، فيما ذكر ناشطون في محافظة الرقة السورية أن مجموعة من النساء، تصدت لهجوم الداعشيات، في عدة حوادث، تعبيراً عن رفضهن لسلوكيات التنظيم وأفكاره، وهو ما يجسّد التحدي الأكبر الذي تواجهه المرأة السورية والعراقية، وهي تشارك الرجال، في قتال جماعات التنظيم.