السبت 6 أبريل 2013 / 21:02

صغار المدواخ

24 - الشيماء خالد

"يا خي بدنا فرة راس"، "أنا أقوى عنك، بدخنها حارة"، "جرب G55 فعلاً تخليك تخمس في راسك"، "المدواخ الصبح يجيب أحسن راس".. تلك بعض العبارات التي ينطقها أولاد من عمر التاسعة في عالمهم السري غالباً.. إنها أجواء يكون "المدواخ" فيها بطلا، وتسلية ومغامرة وغير ذلك الكثير، لا تضاهيه في ذلك السيجارة أو الشيشة.

"محمد"، ابن العاشرة، كان في فسحة المدرسة حين رأى الطلاب الأكبر منه سناً ينسلون متلفتين حولهم بعيداً عن الساحة، وجد نفسه مدفوعاً بالفضول يتبعهم، حين أطل برأسه شاعراً برهبة، اكتشاف عالم الشباب الكبار: "عندما وصلت هناك رأيتهم يتهامسون، كانوا ملأى بالحماس، أخذت أركز نظري على تلك الأداة، لم أكن رأيتها من قبل، كانوا يدخنونها ويميلون رؤوسهم للوراء في استمتاع، ويغمضون عيونهم قليلاً، بدا لي الأمر عجيباً".

لم يكن محمد يعرف المدواخ حتى تلك اللحظة، كانت السجائر التي يدخنها والده هي أقصى ما يعرف عن "الرجولة".

يقول محمد: "والدي يمنعني من التدخين رغم أنه مدخن، وكانت لي رغبة في الأمر لكني خفت رائحتها القوية، وحين رآني أولئك الطلاب ذلك اليوم، عرضوا علي أن أجرب، ففعلت ولم أعرف كيف أستعمل المدواخ فبلعت دخانه، فدخل معدتي ولم أستطع الأكل ليومين، لكني اكتشفت أنه لا يترك رائحة قد ينتبه لها والدي".

"فرّة صبح"
يبدأ الصغار عادة بتدخين السجائر، وربما الشيشة، في مرحلة أولى قبل المدواخ، ذلك برأيهم نوع من التدريب لتحمل الدوخة التي يعتبرونها أقوى بكثير مما سبق: "أصبحت أدرب نفسي على السجائر أولاً، لأني شعرت أن المدواخ أمر صعب علي، فسحبت صدر وبقيت أدخن لفترة، وأخيراً عرفت أني سأستطيع استعمال المدواخ، ووجدت أنه "يفر".

للبدايات حكايات تسبقها أخرى، مثل النسوار، الذي منع نهائياً في الإمارات كونه صنف مخدراً خطرأ، إلا أن المدواخ عموماً علامة رجولة برأي الكثيرين، وقد تزايدت شعبيته في جمهور الشباب والمراهقين في الإمارات، خاصة وأن أغلبهم يبدأونه منذ الصغر.

يحب أغلبهم المدواخ أكثر من السيجارة، يرونه ممتعاً ويعطيهم نتيجة أقوى، فالدوار الذي يسببه مدته لا تطول ولا تسبب الضيق لهم.. "المدواخ أحلى لأنه يجعلك تعيش في عالم آخر .. بالليل نتيجته غير الصبح، تكون قوية وقتها، نسميها "فرّة صبح"، معناها دوار باللهجة الإماراتية، المدواخ الصبح يجيب راس، أما السجائر مزاج، ثم حتى أصحاب الربو أو صعوبة التنفس يقدرون أن يأتوا بالدوخة الباردة، ما ينحرموا من شيء، حتى الطعم تتخلص منه بسهولة، تشرب ماء أو عصير".

"الحارّة" للرجال

بسؤالي لمجموعة من الأطفال والمراهقين عن أماكنهم الأفضل والأمن لتدخين المدواخ، كانت أغلب الإجابات أن المقاهي الصغيرة المنسية في أبوظبي، تناسبهم نظراً لأسعارها الأقل من العام، فـ"علي رامي" (13 عاما) يفضل وأترابه الاحتفاظ بأكبر قدر من المصروف لإنفاقه على شراء الدوخة والمقاهي: " في الصيف كنا نذهب لمارينا كافيه، أو المقاهي المكيفة عامة حتى نشعر بالهواء، لكن بعد فترة أصبحوا يطلبون منا أن ندفع ١٠٠ درهم كحد أدنى حتى يعيقونا عن الجلوس بدعوى أننا نثير المشاكل".

الصغار يذهبون في الشتاء عادة إلى الكورنيش والمقاهي المنتشرة حوله، ناهيك عن مقاهي "الكابينات"، التي توفر مخبأً ممتازاً، حيث يذهب هؤلاء الصغار لأماكن غير مكلفة ومخفية إلى حد ما، حيث تكلفة الجلسة لا تتجاوز ٢٥ درهما.

الدوخة أنواع، تصنف عادة بـ"الحارة" و "الباردة"، و"الوسط – أو المخلوطة"، فالأولى تعطي أثراً حارقاً إلى حد بارز، وعلى العكس الثانية، أما الوسط فيختلف تأثيرها باختلاف نوعيتها ونسب الخلط، الغاية إرضاء مختلف الأذواق طبعاً، فرامي وأصدقاؤه المدخنين يتبارون بميزات النوع المفضل لكل منهم. "من تلك الأنواع الخشنة والناعمة، أفضل شخصياً الخشنة إذ يسهل تنظيفها، على عكس تلك الناعمة التي تتكدس داخل المدواخ، وأنا أدخن "الحارة" التي هي الأصعب، "مش أي حد يقدر عليها، بس للخبرة".

هكذا يرى فريق من الصغار أن الدوخة "الحارة" للرجال الأكثر صلابة، فيتبارون بينهم بقوة التحمل، أما من لا يدخنها أو يرفض حتى تجربتها، فيوصف بالمعقد والجبان، ويُستهجن موقفه، وقد يتعرض للسخرية والتنمر.

فيراري.. وتوت الفتيات
من أسماء الدوخات الملفتة، المستر، ألماس، الفطيم ، حميد، بريمي حار، وغيرها الكثير، ويأخذ المرء مراحلاً في تجريب أسماء عدة منها، كمحمد الذي أخذ وقته في التدرب عليها، "بعد أن أصبحت خبيراً في المدواخ، جربت وصديقي مختلف الدوخات، منها فارس والغربية و بندري، وصاروخ، لكن أحبها إلى جي 55 و فيراري، فعلا كأنك راكب سيارة سباق ،..، جربت أيضا الدوخات بنكهة الفراولة والتوت ولكنها لا تؤثر في، يفضل تركها للفتيات".

لدوخة أسماء وأنواع كثيرة، ويضيف لها الصغار أحياناً مواد أو أدوية تزيد من تأثيرها وخطرها في نفس الوقت، وتزيد من إدمانهم عليها.

تثقل الدوخة جيوب الصغار أكثر من السجائر، حيث تتجاوز الـ 500 درهما، مما يجعلهم يميلون للأنواع الأرخص بين 20 و 30 درهما، أما المدواخ نفسه فتتفاوت أسعاره وأشكاله، ويبدو عالماً بحد ذاته، مثلا يفضل "سلطان" (15 عاما) النوع "الدارج"، " المدواخ الخشب هو الأفضل، والجاهز رخيص، أما التفصيل فأغلى، والرفيع منه أفخر، فشكله أحلى وسَحبة الدخان فيه أحسن، أحيانا نزين مداويخنا بالكريستال أو النقوش أو نتباهى بألوان مختلفة، هنالك أيضا مداويخ تصنع من المعدن، عادة لا تعجبنا، كذلك مداويخ الزجاج منظرها جميل وتحبها البنات، لكن الرجال لا".

يعتبر سلطان وغيره غالبا المداوخ رجولة، وقد يزايدون على بعضهم البعض في إضافات يرون أنها تؤثر فيهم أكثر، مثلا قد يطحنون حبوب البانادول ليخلطوها مع الدوخة نفسها مؤكدين أن الفرق أكبر، أو لتأثير أقوى يحبس أحدهم "النفس" و يعمرونها مرة أخرى وثالثة ثم "يدوخ"، حيث لا تكون فيها نسبة رماد، وبالطبع يفضلون حرقها بشكل دائري وليس من زاوية واحدة، " المدواخ فن، يعمل راس، مش الكل يقدر عليه".

أين يخبأ المدواخ؟

من أشهر المحلات فيما يتعلق بهذا الشأن "يوسف رضا"، و" بن خميري"، و"بيت النوخذة"، و" أبو محمد" ، والمدواخ يباع بأسعار تبدأ من 15 حتى 300 درهم، وحسب التفصيل والتزيين على الطلب يرتفع السعر أكثر، وهذا بدوره يحقق غرض التباهي بالمقدرة الشرائية بين الصغار والمراهقين من محبي المدواخ.

يذهلك الصغار بمقدرتهم على فعل ما يريدون، رغماً عن أنف الكبار، فيستخدمون ذكاءهم المتوقد في التحايل وإخفاء المدواخ عن عيون الأهل، أو الكبار الذين يخشونهم، ويبقى أولئك يتساءلون ،في حال تملكهم الشك، أين يخبأ المدواخ؟.

من سقوف المصاعد في البنايات، إلى الحمام وراء المغسلة وخارج النافذة، ووراء لوحات الفصل، وتحت "بلاطة" مكسورة، أو بين أغصان شجرة، وحمامات المدرسة أو خلف سورها، وبين غابة الملابس التي تخشى حتى الأمهات عاشقات الترتيب الاقتراب منها، إلى حشوة قلب دب ما كان رفيق أيام الطفولة، والتي يعتبرونها أياماً أفَلَت إلى غير رجعة، وللهرب من الرائحة توضع قطع الصابون أو اللافندر، ويرش العطر، لكن هذا لا يمنع أن تشك الأم بحاستها السادسة في الأمر، ناهيك عن الأساتذة ومديري المدارس، الذين يراقبونهم بعيون صقر.

يحكي محمود (14 عاما) كيف يثير ريبة أمه حينما يتعطر كثيراً أو يلوك علكة النعناع، أو حين يشتري الليلك وقطع الصابون الصغيرة "أمي لا يفوتها شيء، تشك دائما بأمري، فأضطر لتغيير مخبأ مدواخي بين الحين والآخر، بين كتبي أو في مقلمتي، في جيب "برمودا" أرتديه تحت ثياب المدرسة، أو في طفايات الحريق وخراطيم المياه في الطابق الذي أعيش فيه، أو المنور، وقد أعطيه لصديقي سلطان ليخفيه في لفة الوزار".

.. للأهل دور أحياناً
في المدرسة يقوم الصغار بإخفاء المدواخ بطرق عدة، لكنهم لا يفلتون من "كبسات" تفتيشية على الحمامات، وعليهم شخصياً، بل إن بعض المديرين والأساتذة يستمرون بممارسة الرقابة حتى خارج أسوار المدرسة: "كنا نهرب أحيانا إلى الإنترنت كافيه قريب من المدرسة، لكن المدير أكتشف الأمر، فذهب لصاحب المكان ودفع له مبلغاً ليصور كل من يأتي من الطلاب إليه دون أن ينتبهوا، صحيح أننا عوقبنا بشدة لكننا لم نستسلم، لدينا دائما طرق جديدة، فحتى حينما يمتنع الباعة عن إعطائنا الدوخة، نطلب من الهنود أو الباكستانيين المارين أن يشتروا لنا وندفع لهم، نحن نعرف أن المحلات لا ترفض بيعنا قلقاً علينا، بل خوفاً من البلدية".

"قبل سنتين لم تكن الكاميرا موجودة فلم يكن أحد يمسك بنا، لكن الآن أصبحنا لا ندخن في المدرسة بل خارجها، أحلى شيء حين يحاول أحد منعنا، نستمتع باختراع طرق جديدة".

ليس كل الصغار مراقبين وممنوعين عن المدواخ، ففي بعض الحالات يكون الأهل على علم ويتجاهلون الأمر، وأحيانا يعلمونهم بأنفسهم، مثلما يحكي خالد: "أبي وأخي الكبير يطلبون مني الدوخة لو خلصت من عندهم، عادي يعني، وأختي أيضا"، بينما البعض الآخر وجد في من يكبره من الإخوة إجباراً على عادة أدمنها فيما بعد، ففي حالة مهند (17عاما) كان أن اكتشف بالصدفة أن أخاه الأكبر يدخن، فركض ليبلغ أمه، "أسرع أخي خلفي وأمسكني بقوة، وضعني في الزاوية وأجبرني على أدخن، وقال وقتها : لو أخبرت أمي سأخبرها أنك أيضا تدخن، فخفت وأصبحت بعد ذلك مدخناً كبيراً".