الجمعة 18 أبريل 2014 / 13:55

كراهية أم عداء للسامية؟



يفضّل التيّار الغالب في الإعلام الأمريكي، وتقتفي أثره الشرطة والسلطات القضائية عموماً، إطلاق صفة "جريمة كراهية" على أعمال العنف التي تستهدف الأقليات الإثنية أو الدينية؛ لكي تتفادى، استطراداً، استخدام تعبير "العداء للسامية" حين يُرتكب الفعل ضدّ اليهود تحديداً، على شاكلة الجريمة التي شهدها مركزان يهوديان قرب كانساس سيتي، قبل أيام.

ورغم أنّ فريزر غلين كروس، المشتبه به، والمعتقل الآن، تأكد من الهوية اليهودية لضحاياه قبل الإجهاز عليهم؛ ثمّ تابع الهتاف بحياة أدولف هتلر، حتى وهو قيد الاعتقال داخل سيارة الشرطة؛ فإنّ الخطاب الصحفي الذي هيمن على تغطية الجريمة واصل تفضيل التوصيف الأوّل وتجنّب الثاني، إلا في حالات قليلة. البعض يذهب، محقاً، إلى تأويل أوّل يقول إنّ من المحرج، والمربك، اتهام رجل أمريكي ـ مسيحي، وأبيض أيضاً! ـ بالعداء للسامية؛ رغم أنّ هذا التراث البغيض، كما تسجّل مدوّناته التاريخية كافة، غربي المنشأ، وأبيض استطراداً، ومسيحي بمعنى تأصيله الديني.

البعض الآخر، كما أفعل شخصياً، يستقرّ على تفسير ثانٍ، مفاده أنّ العداء للسامية تهمة مخصصة للعرب وللمسلمين، في المقام الأوّل، أو حتى حصرياً؛ لأسباب لا تعود بجذورها إلى أيّ اعتبار تاريخي، أو وقائع كثيرة، أو حتى قليلة، تثبت التهمة؛ بل ببساطة لأنّ العداء للسامية يبدأ، عند فريق الاتهام هذا، من مخاصمة دولة إسرائيل. ولن يفيد الماضي المشبوه للمشتبه به، كروس، ولا سيما عضويته في منظمة "كو كلوكس كلان"، أو عواطفه النازية الصريحة، في تثبيت تهمة أخرى غير "جريمة الكراهية".

وقبل خمس سنوات وقعت، في العاصمة الأمريكية واشنطن هذه المرّة، جريمة مماثلة، ذات أبعاد أعمق تجذراً في الظاهرة إياها: المواطن الأمريكي جيمس فون برون، 88 سنة، أبيض البشرة، النقيب السابق في البحرية الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية، الحائز على أربع نجوم تقدير بسبب بسالته في القتال، حامل البكالوريوس في الصحافة، وعضو جمعية Mensa التي تزعم أنها تضمّ الـ 2% الأذكى في الولايات المتحدة... هذا الرجل اقتحم متحف الهولوكوست، على مرمى النظر من البيت الأبيض، مدججاً ببندقية، وأطلق النار، فجرح عدداً من حرس المتحف، وأودى بحياة أحدهم، قبل أن يخرّ هو نفسه صريع طلقاتهم.

المعلومات أفادت بأنّ الرجل لم يكن يخفي أفكاره الكارهة لليهود، وهذا ما كان المرء يدركه دون عناء عند زيارة موقعه على الإنترنت (قبل أن تسارع سلطات "مكتب التحقيقات الفدرالي"، الـFBI، إلى حجبه)، وقراءة بعض كتاباته؛ وبينها مقالة بعنوان "خطأ هتلر الأسوأ: أنه لم يحرق اليهود بالغاز!"، على سبيل المثال الأوضح. لديه، كذلك، كتاب بعنوان Tob Shebbe Goyim Harog، مستمدّ من عبارة شهيرة جاءت في التلمود، وتُنسب إلى الحاخام شمعون بن يوشاي، تقول بالحرف: "أقتلوا حتى الأخيار في صفوف الوثنيين اللايهود"؛ والتي تبدو ـ إذا انتُزعت من سياقاتها التاريخية والحربية الصرفة، كما يساجل بعض فقهاء التلمود ـ دعوة صريحة إلى الإبادة الجماعية.
لكنّ الرجل، وعلى نقيض ما حاولت أن توحي به وسائل الإعلام الأمريكية، لم يكن حالة "منعزلة تماماً"، سواء على المستوى الفردي، أو حتى ضمن نطاق منظمته التي أسماها "إمبراطورية الغرب المقدّسة"؛ بل يندرج، مثل غلين كروس على الأرجح، في تراث أمريكي واسع ضارب الجذور، لعلّ "جبهة العاصفة" Stormfront هي أفضل تعبيراته اليوم. وهذه منظمة أطلقها دون براون، القيادي السابق في "كو كلوكس كلان"، ثمّ القيادي في "حزب البيض القومي" الذي كان اسمه "الحزب النازي الأمريكي" حتى العام 1967.

في كلّ حال، الأمر لا يقتصر على التبشير العقائدي، ففي أمريكا اليوم أكثر من 2000 منظمة ذات طابع عنصري، أو ديني متشدد، أو يميني رجعي؛ تحتسب في صفوفها أكثر من خمسة ملايين منتسب، وتتولى إيواء آلاف المسلّحين المدرّبين المنضوين في عشرات الميليشيات العسكرية. وزجّها، اعتباطاً وخبط عشواء، في خانة "جريمة الكراهية" وحدها، لا يغيّر من مضامينها الأخرى الأوضح والأخطر. التعمية عن الحقيقة ليست، هنا، أقلّ حماقة، واستغباءً، من السعي إلى حجب الشمس بغربال!