الإثنين 16 يونيو 2014 / 22:10

الجهاديون الإسلاميون يهدفون إلى إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط

24 - فاطمة غنيم

ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في تقرير لها أعده الصحفيان بل سبندل وغيرالد إف. سيب، أنه خلال مؤتمر أمني سنوي عقد في إسرائيل هذا الأسبوع، عرض رئيس أركان الجيش صوراً لدبلوماسيَّيْن ماتا منذ زمن طويل. فالإنجليزي مارك سايكس والفرنسي فرانسوا جورج-بيكو دخلا التاريخ بإبرامهما اتفاقية رسمت حدود الشرق الأوسط الحديث، أما الهدف من استحضار هذين الرجلين إلى الأذهان فهو أنه يبدو فجأة أن تلك الحدود، التي مضى عليها قرن من الزمان، ومعها دول الشرق الأوسط التي حددت رقعتها، يجري تمديدها وربما محوها.

وأضاف التقرير أن هذه المنظومة بأكملها آخذة في التفتت كبيت من ورق في طريقه إلى الانهيار، فهناك جماعة إسلامية جهادية، تمكنت من كسب السيطرة على رقعة من سوريا، ودخلت أرض العراق، فاتحةً مدينتين ومهددة الحكومة العراقية التي ساعدت الولايات المتحدة على إقامتها وتساندها بمليارات الدولارات على هيئة معونات وآلاف الأشخاص الأمريكيين.

 التهديد "الداعشي"
وبحسب التقرير، لا تشكل هذه الجماعة التي تعرف باسم الدولة الإسلامية في العراق والشام تهديداً للعراق وسوريا فحسب، إذ تسعى إلى فرض رؤيتها الخاصة بإقامة دولة إسلامية أصولية واحدة تمتد من ساحل البحر المتوسط السوري وتضم العراق الحديث، وهي المنطقة التي شهدت قيام الخلافات الإسلامية التي قامت في القرنين السابع والثامن الميلاديين.

 هناك أيضاً حكومات وحدود تحت الحصار في مناطق أخرى، لقد ظلت الميليشيات الشيعية، على مدى أكثر من سنة، تدخل سوريا وتعمل كذراع افتراضية للحكومة السورية، وفي هذه الأثناء، عبر لاجئون سوريون كثيرون جداً في الاتجاه المعاكس فارين إلى لبنان لدرجة أن لبنان يؤوي الآن أطفالاً سوريين في سن المدرسة يفوق عددهم الأطفال اللبنانيين.

 البشمرغة
وأشار التقرير إلى أنه في العراق، تمكن الأكراد من إقامة وطن لهم في شمال البلاد يصدّر بمساعدة تركيا وضد رغبة الحكومة العراقية، نفطه بنفسه ويدير منافذه الخاصة به للجمارك والهجرة ويملك قواته المسلحة الخاصة به والمعروفة باسم البشمرغة.

 ورأى التقرير أن الصورة صعبة بالنسبة للولايات المتحدة، التي استثمرت بقوة في الحفاظ على استقرار المنطقة، والوضع المتدهور بسرعة في العراق يطلق أجراس الإنذار داخل إدارة أوباما، وصرح البيت الأبيض أن الولايات المتحدة تدرس تقديم مساعدة عسكرية مباشرة بدرجة أكبر لحكومة الرئيس العراقي نوري المالكي، وألمح المسؤولون إلى إمكانية أن تشمل هذه المساعدات ضربات جوية على المسلحين الذين واصلوا تقدمهم حتى صاروا على بعد نصف ساعة بالسيارة من بغداد.

صراع الإمبراطوريات
ونقل التقرير عن الرئيس أوباما قوله: "سيكون هناك بعض الأشياء الفورية قصيرة المدى التي يجب القيام بها عسكرياً، وينظر فريق الأمن القومي في كل الخيارات". وقد حث الرئيس أوباما أيضاً حكومة العراق التي يهيمن عليها الشيعة على السعي إلى سبل سياسية كي يعمل المعتدلون من الشيعة والسنة معاً ضد الجهاديين، وأضاف بقوله: "ينبغي أن يكون هذا أيضاً بمثابة صيحة إنذار للحكومة العراقية".
فلماذا صارت حدود الدول الشرق أوسطية اليوم إلى هذه الدرجة من عدم الإحكام وعدم الفعالية؟

 باختصار، اتحدت الصراعات التي تفجرت في العراق وسوريا لتصبح مركز الصراع بين الإمبراطوريات الأثنية والدينية التاريخية في المنطقة وهي إيران الفارسية الشيعية والمملكة العربية السعودية العربية السنية وتركيا التركية السنية. تلك الثلاث، التي هيمنت كل واحدة منها على الشرق الأوسط بأكمله في مرحلة ما من الألفية الماضية، ضالعة الآن في الصراع على النفوذ من البحر المتوسط إلى الخليج العربي.

 فعلى سبيل المثال، ترفض المملكة العربية السعودية الاعتراف بحكومة العراق الشيعية، وتدعم تشكيلة متنوعة من الجماعات المتمردة التي تكاد تكون كلها من أهل السنّة في سوريا وتعارض حزب الله الشيعي معارضة مريرة.

 وعلى النقيض من ذلك نجد أن إيران، أكبر داعم للنظام السوري المرتبط بالشيعة، أقامت روابط عميقة بالحكومة العراقية التي يهمين عليها الشيعة، وتؤكد أن حزب الله، الذي احتضنه الحرس الثوري الإيراني منذ نشأته في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، لا يزال على مستوى مؤثر من التدريب والتسليح.

 دور أمريكي
كما لعبت الولايات المتحدة أيضاً دوراً، ففي أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر(أيلول)، أطاحت بصدام حسين الذي لم تكن تربطه صلة بالهجمات، وشرعت في محاولة إعادة تشكيل العراق كخطوة أولى نحو تحويل المنطقة.

دعم الانقسامات
تدعم الولايات المتحدة بعض هذه الانقسامات، حيث تساند الحكومة الشيعية التي ساعدت على إقامتها في العراق على سبيل المثال، فيما تشجب النظام السوري ذي الروابط الشيعية، وقد ساعدت إطاحتها زعيما عراقيا وتشجيعها الحكم الطائفي على تأجيج التوترات الدينية والأثنية، كما قوضت الولايات المتحدة مكانة السلطة الأهلية باحتلالها الطويل المليء بالمنغصات للعراق في ظل سعيها إلى إعادة بناء البلد.

 وأردف التقرير قائلاً إن التغيرات الأوسع نطاقاً في هيكل القوة العالمي ساعدت أيضاً على إطلاق العنان للتغيير، فعلى مدى عقود من الزمن، ظل الشرق الأوسط ثابتاً على حاله بفضل سياسات الحرب الباردة والسياسات البترولية، فقد ساندت الولايات المتحدة بلدانا معارضة للاتحاد السوفيتي وغنية بالنفط، في حين ساند السوفيتيون أصدقاءهم في سوريا والعراق وليبيا في بعض الأحيان واليمن.

ظروف فوضوية
ولفت التقرير إلى أن ما يثير قلق الولايات المتحدة والقوى الإقليمية هو احتمال أن يكون الصراع قد أفلت من سيطرتها مدعوماً بصعود الجماعات الأشد خطراً في خضم ظروف فوضوية.

 وأوضح التقرير أن الدولة الإسلامية في العراق والشام تشكل تهديداً لكل من تركيا والمملكة العربية السعودية، لكن فتوحاتها السهلة على مدى الأسبوع الماضي والتي شملت الموصل، ثاني كبرى المدن العراقية تحققت بفضل حكومات أضعفتها سنوات من التمرد والمعارضة.

 أما إيران فقد شجعت من ناحيتها ميليشيات شيعية شديدة التطرف والعنف قصدها في أغلب الأحوال استهداف أهل السنّة لدرجة أن كثيراً من أهل السنّة على استعداد لاحتمال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، إذا كان يوفر لهم الحماية التي لا توفرها حكومتهم.

 تضع هذه الفوضى الرئيس أوباما في موقف صعب للغاية، فمنذ بضعة أسابيع مضت، استعرض في خطاب له بشأن السياسات أسباب النأي عن مستنقع هذه الصراعات الطائفية، لأنها تبدو بعيدة عن المصالح الأمريكية الملموسة، غير أنه فيما يبدو يقر الآن بضرورة أن تفعل الولايات المتحدة شيئاً.