الخميس 28 مايو 2015 / 18:49

المحور الفكري الإماراتي: دور الإعلام في نشر قيم التسامح ومكافحة التطرف

ينشر 24 المحور الفكري الذي تقدمت به الإمارات "دور الاعلام في نشر قيم التسامح ومكافحة التطرف"، والذي اعتمده مجلس وزراء الاعلام العرب الخميس الماضي 21 مارس (أيار).

وفي مايلي المحور الفكري:-

يتضمن التسامح التعامل مع سلسلة من القيم الأخلاقية والمعنوية التي تشجع على الاعتراف بالآخر، واحتضانه في بوتقة انسانية واحدة، وتقدير التعددية والاختلاف بين الناس والمجتمعات باعتبارها ظاهرة طبيعية لا بد من الاحتفاء بها وتحويلها إلى فرص للتضامن والتكاتف بين الثقافات والأديان المختلفة، ومفهوم التسامح هو الحد الأدنى من تلك السلسلة من القيم الأخلاقية للعيش المشترك، لأنه يعني أن هناك طرف يتسامح في وجود طرف آخر، ولابد أن نسعى بعد ضمان إستقرار قيم التسامح إلى ترسيخ قيم التعايش والتجانس لضمان الوصول إلى الصيغة المثلى للعيش المشترك، التي عرفتها مجتماعتنا على مر عقود طويله، ويتناقض مفهوم التسامح مع مفهوم التعصب والتطرف والذي لا يترك أي هامش للآخر لكي يعبر عن رأيه وأفكاره بكل حرية وانفتاح، وبالتالي فإن التطرف الفكري ورفض الآخر هو الأساس الأخلاقي للاستبداد سواء الفكري أو السياسي، وعامل هدم للمجتمعات لأن من يتبناه لا يمتلك الشجاعة الأدبية والمعنوية للاعتراف بالآخر، بل "تأخذه العزة بالإثم" في التشبث برأيه دون أي اعتبار للآخرين.

كما يتضمن مفهوم التسامح قيمة العيش المشترك ومواجهة المصير الواحد على مستوى الجغرافيا أو الثقافة، بحيث يعمل الجميع لتحقيق الأهداف الإنسانية المشتركة في ظل تعددية تبني ولا تهدم.

ورغم أن نشر قيم التسامح ومكافحة التطرف هي مهمة تقوم بها المؤسسات الاجتماعية والتربوية والثقافية بمختلف أنواعها، إلا أن المسؤولية الكبرى في تحقيق هذه المهمة تقع على عاتق وسائل الإعلام بكل فئاتها، نظراً لقدرة الإعلام على الوصول إلى ملايين الناس والتأثير فيهم.

دور المؤسسات الإعلامية في نشر ثقافة التسامح ومكافحة التطرف
تعد المؤسسات الإعلامية من أكبر المؤسسات الاجتماعية والثقافية تأثيراً في نشر ثقافة التسامح ومحاربة التطرف أو العكس، فالمؤسسات الإعلامية أصبحت أكثر وسائل التواصل البشري تأثيراً في صناعة الثقافة، وتشكيل الوعي، وتحديد توجهات البشر في مختلف المجتمعات، وذلك بحكم قدراتها الواسعة والمؤثرة في نشر المعلومات بكافة أشكالها إلى جماهير واسعة من الناس بسرعة فائقة، من خلال البرامج الإخبارية والترفيهية والتسويقية والدينية والثقافية المختلفة، ولكي تحقق وسائل الإعلام دورها المنشود في نشر قيم التسامح ومكافحة التطرف، فلا بد من استنادها لاستراتيجية شاملة وبعيدة المدى تحدد من خلالها مجموعة أهداف تعمل جميع الأطراف الإعلامية والمجتمعية على تحقيقها بشكل مشترك، وقد دلت الدراسات على أن وسائل الإعلام تعلب دوراً مهماً في تشكيل الرأي العام وفي التنشئة الاجتماعية وفي غرس القيم الثقاقية ونشر الوعي بالآخر، وبالتالي فهي محرك رئيس لتعزيز قيم التسامح ومحاربة التطرف.


نحو بناء استراتيجية إعلامية لنشر ثقافة التسامح ومكافحة التطرف
يلعب الإعلام دوراً مهماً في نشر ثقافة التسامح ومكافحة التطرف في إطار استراتيجية إعلامية شاملة، تتضمن توظيف وسائل الاتصال التقليدية والحديثة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الإعلامية التالية:

1) بناء رأي عام مساند لقيم التسامح نظريا وتطبيقيا على مستوى الأفراد والجماعات.

2) تعزيز التواصل والحوار بين الشعوب العربية والإسلامية والشعوب الأخرى من خلال التعريف بالجوانب السمحة للحضارة العربية الإسلامية، التي تتنافي مع ممارسات التعصب والإرهاب والتطرف.

3) تشجيع المواهب الفكرية والإعلامية العربية على إنتاج محتويات إعلامية في الوسائل الإعلامية التقليدية والجديدة تعزز قيم التسامح والاعتراف بالآخر والعيش المشترك والسلام كقيم إنسانية متجذرة في الحضارة العربية.

4) استقطاب الشخصيات والمؤسسات المؤثرة في الغرب للتفاعل مع المجتمعات العربية من خلال المؤتمرات والندوات والبحوث والدراسات بهدف إبراز الأبعاد الحضارية والإنسانية للمجتمعات العربية.

5) إطلاق حملات إعلامية مكثفة تستهدف الفكر المتطرف على المستوى العربي والعالمي، من أجل فضح جوانب هذا الفكر وتعريته أمام العالم.

6) توفير الفرص الثقافية والإعلامية للشباب لممارسة حقهم في الاتصال والتعبير الثقافي المسؤول لخدمة أوطانهم ومجتمعاتهم.

7) تشجيع قيام مؤسسات إعلامية متخصصة في مكافحة الفكر المتطرف عبر الحوار العقلاني البناء.

8) التركيز على ما يجمع ولا يفرق وعلى القواسم المشتركة بين الثقافات والحضارات والديانات.

9) عدم إفساح المجال اعلامياً للخطاب الديني المتشدد وعدم المساهمة عن غير قصد في نشره، وبالمقابل إفساح المجال للخطاب الديني المعتدل والمتسامح والوسطي.

10) تعزيز الكوادر البشرية في المؤسسات الإعلامية الخليجية والعربية لتأهيلها لتكون قادرة على التعامل الفاعل مع مفردات الفكر المتطرف، وتكون قادرة على تعزيز قيم التسامح والسلام.

11) تطوير الخطاب الإعلامي بحيث يصبح أكثر احتضاناً لقيم التسامح ومكافحة التطرف واستيعاب الآخر والعيش المشترك.


المبادرات الإعلامية المقترحة
1) إطلاق قنوات ومؤسسات صحفية وإلكترونية متخصصة في بناء ثقافة التسامح ومكافحة للفكر الإرهابي والمتطرف، باللغة العربية وتكون موجهة لجميع شرائح المجتمع.

2) إطلاق برامج تأهيل وتدريب إعلامي فكري للإعلاميين لتمكينهم من التفاعل الناجح مع قضايا الفكر المتطرف، من خلال تبني خطاب إعلامي يدافع عن قيم التسامح والعيش المشترك ويحارب الفكر الإرهابي المتطرف.

3) إطلاق برامج استقطاب الصحفيين والمؤثرين العالميين للحضور إلى المنطقة العربية، والاطلاع على واقع التسامح والتعايش المشترك في بعض النماذج المشرفة في المنطقة.

4) تعديل المناهج الجامعية في الإعلام والاتصال لتتضمن مفردات مهمة في نشر التسامح، ومكافحة التطرف عبر وسائل الإعلام.

5) إنشاء مراصد إعلامية لمتابعة التغطيات الإعلامية العربية والعالمية للفكر المتطرف واتجاهات الرأي العام بناء على منهجيات تحليلية حديثة.

6) بناء علاقات تشاركية بين المؤسسات الإعلامية والمؤسسات الثقافية والتربوية والاجتماعية، لتوفير دفق فكري من تلك المؤسسات إلى الفضاء الإعلامي.

7) إطلاق حملات إعلامية مركزة عبر وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية والإلكترونية، للتوعية بقيم التسامح والتحذير من الفكر المتطرف.

8) الاستفادة من المؤسسات والمنتديات التي تتبنى المبادئ المشار إليها ونشر ما يصدر عنها، بما في ذلك اعداد برامج حوارية ومسلسلات إذاعية وتلفزيونية، وتشجيع الكتاب والمفكرين لتناولها في كتاباتهم.

9) تشجيع المؤسسات الإنتاجية والأفراد على إنتاج برامج ثقافية تركز على التسامح والاعتدال وتقبل الآخر وتشجع حوار الحضارات.

المرجعيات الفكرية والدينية والمعنوية والقانونية التي يستند إليها الإعلام في نشر قيم التسامح ومكافحة التطرف لا يمكن لأي جهد إعلامي أن ينجح في تحقيق المستوى المرغوب من نشر قيم التسامح بكافة أشكالها، إلا بالاستناد إلى مرجعيات فكرية وقانونية ودينية ومعنوية يعتد بها على المستويات القطرية والدولية، فخلال السنوات الماضية، ومع تطور النزاعات واندلاع الحروب في مناطق العالم المختلفة، بما فيها المنطقة العربية، أضحت ثقافة التسامح إحدى المجالات التي حظيت باهتمام واسع في المجتمعات الحديثة على المستويين الرسمي والأهلي، والعالمي والدولي بحيث شكلت هاجسا مهما يؤرق شعوب العالم التي تبحث عن الاستقرار والسلام والأمان. وقد عقد الكثير من المؤتمرات وأطلقت المبادرات التي تحث على تعزيز ثقافة وقيم التسامح ومحاربة التعصب في مجتمعات العالم وهدفت بالدرجة الأولى إلى بلورة أطر مشتركة للتعاون بين الشعوب والدول في نشر تلك الثقافة وتعزيزها.

1) القيم والمبادئ الإسلامية السمحة: يحث ديننا الإسلامي الحنيف على التسامح والتعايش المشترك ويكافح التعصب والتطرف في إطار ثقافة التعايش المشترك لجميع أفراد المجتمع، بصرف النظر عن أصولهم الثقافية والعرقية والدينية.

2) إعلان المبادئ بشأن التسامح الذي اعتمدته الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة المجتمعة في باريس في الدورة الثامنة والعشرين للمؤتمر العام، في الفترة من 25 أكتوبر (كنشرين الأول) إلي 16نوفمبر (تشرين الثاني) 1995، حيث تنص تلك الوثيقة على أن التسامح هو الوسيلة الوحيدة التي تؤدي إلى السلم، وتتضمن ديباجة الإعلان وفصوله الستة معلومات بالمناهج التي يجب اتباعها من أجل تطبيق مبدأ التسامح في مجتمعنا والتجمعات المعاصرة، وعرفت الوثيقة التسامح بأنه "الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا، ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد، وأنه الوئام في سياق الاختلاف، وهو ليس واجباً أخلاقياً فحسب، وإنما هو واجب سياسي وقانوني أيضاً، والتسامح، هو الفضيلة التي تيسر قيام السلام، يسهم في إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب"، كما أشارت الوثيقة إلى أن التسامح لا يعني المساواة أو التنازل أو التساهل، بل التسامح هو قبل كل شيء اتخاذ موقف إيجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المعترف بها عالمياً، ولا يجوز بأي حال الاحتجاج بالتسامح لتبرير المساس بهذه القيم الأساسية، والتسامح ممارسة ينبغي أن يأخذ بها الأفراد والجماعات والدول، مؤكدة إن "التسامح مسؤولية تشكل عماد حقوق الإنسان والتعددية، بما في ذلك التعددية الثقافية والديمقراطية وحكم القانونk وهو ينطوي علي نبذ الدوغماتية والاستبدادية ويثبت المعايير التي تنص عليها الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. كما أن قيمة التسامح لا تتعارض ممارسة التسامح مع احترام حقوق الإنسان، ولذلك فهي لا تعني تقبل الظلم الاجتماعي أو تخلي المرء عن معتقداته أو التهاون بشأنها، بل تعني أن المرء حر في التمسك بمعتقداته وأنه يقبل أن يتمسك الآخرون بمعتقداتهم، والتسامح يعني الإقرار بأن البشر المختلفين بطبعهم في مظهرهم وأوضاعهم ولغاتهم وسلوكهم وقيمهم، لهم الحق في العيش بسلام وفي أن يطابق مظهرهم مخبرهم، وهي تعني أيضاً أن آراء الفرد لا ينبغي أن تفرض علي الغير، فمن خلال هذه المادة يتضح ثراء المفهوم مما يجعل من الصعب تحديده في تعريف جامع مانع.

3) إعلان البحرين حول حوار الحضارات: دعا البيان الذي صدر عن مؤتمر الحضارات في خدمة الإنسانية في مايو (أيار) 2014 إلى إذكاء روح الوسطية والاعتدال وإشاعة ثقافة العيش المشترك في نطاق احترام سلامة الأوطان، والعمل على تعزيز علاقة الانسان بأخيه الانسان في إطار التكريم الإلهي لهما، وشدد البيان على أنه لا يمكن لحقوق الانسان أن تكتسب فاعليتها إلا في حدود معايير موحدة في التطبيق العملي بين الحضارات كافة، داعياً إلى العمل على أن تتلاءم السياسات الوطنية والمحلية على مستوى العالم مع غايات الحوار الحضاري، وجاء المؤتمر استجابةً للإرادة السامية والمبادرة الحكيمة لملك مملكة البحرين، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، الساعية إلى بناء تحالف حضاري تتلاقى فيه الإنسانية في منظومة القيم المشتركة وتواجه به آفات التعصب والكراهية والتطرف والإرهاب، حتى يستمر العالم في بناء علاقات إنسانية متوازنة ترتكز في جوهرها على الإنسان ذاتاً وقيمة لا في فرديته فحسب، وإنما كذلك في انتمائه إلى الوطن والأمة والعالم.

4) مجلس حكماء المسلمين الذي انعقد في أبوظبي 9-10 مارس (آذار) 2014 وأقر خطته وأهدافه الاستراتيجية التي تنطلق من نشر وتعميم صحيح الإسلام، وفهم رسالته السامية، التي تتطلب من أجل تحقيقها العمل على إطفاء الحرائق، وضرورة تلاقح الثقافات على شتى المستويات الدينية والأخلاقية والفلسفية أو المعرفية، وإعداد الجيل المقبل من العلماء العقلانيين والمتنورين، من أجل عمارة الأرض بالسلم والوئام بدل الحرب والخصام.

وقد خلص المنتدى إلى عدد من إلى النتائج والتوصيات التالية:
1) إن جزءاً كبيراً مما تعيشه الأمة اليوم من فتن مرده إلى التباس مفاهيم شرعية لا غبار عليها في أذهان شريحة واسعة من المجتمعات المسلمة، كتطبيق الشريعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وطاعة أولي الأمر.

2) إن المفاهيم المتقدم ذكرها كانت في الأصل سياجاً على السلم وأدوات للحفاظ على الحياة ومظهراً من مظاهر الرحمة الربانية، التي جاء بها الإسلام على لسان نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلما فهمت على غير حقيقتها وتشكلت في الأذهان بتصور يختلف عن أصل معناها وصورتها انقلبت إلى ممارسات ضد مقصدها الأصلي وهدفها وغايتها، فتحولت الرحمة إلى عذاب للأمة اكتوى به المذنب والبريء واستوى في إشاعته العالم والجاهل.

وأوضح المنتدى إن من أسباب ذلكم الالتباس:
أ‌- فك الارتباط بين خطاب التكليف وخطاب الوضع، وبما أن خطاب الوضع هو الأسباب والشروط والموانع التي تكيف تنزيل خطاب التكليف، فإن هذا الأخير لا يتصور في الواقع إلا منزلا على خطاب وضع، بمعنى أن الأحكام الشرعية تتغير بتغير الجهات الأربع وهي: الزمان والمكان والإنسان والأحوال، ولذلك فإن التكليف بفرض معين لا يتم في فراغ، وإنما ينبغي أن يتم في هذا الوضع رباعي الأبعاد، فالجهاد خطاب تكليف، ولكن ما هو الوضع الذي يكون فيه واجباً، وما هو الوضع الذي يكون فيه محرماً لأنه سيحقق ضرراً وفتننا تتناقض مع مقاصد الشريعة في حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال.

ب‌- غموض العلاقة بين الوسائل والمقاصد، بل أحيانا انقلاب العلاقة حيث تتحول المقاصد إلى وسائل، والوسائل إلى مقاصد مثل حالة العالم العربي اليوم، حيث تحولت السلطة التي هي وسيلة لتحقيق حياة الإنسان والحفاظ عليها إلى غاية تتصارع عليها القوى والأحزاب والطوائف ويدهسون في طريقهم أرواح ملايين البشر.

ت‌- ضمور القيم الأربعة التي تقوم عليها الشريعة، وهي: الحكمة والعدل والرحمة والمصلحة، حيث يقول إبن القيم رحمة الله عليه: “والشريعة مبناها وأساسها يقوم على الحكم ومصالح العباد في المعاش والميعاد، فهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن الحدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة في شيء وإن دخلت فيها بالتأويل”.

3) إن السلم من أعلى مقاصد الشريعة الإسلامية لكونه ضامنا لحفظ كل المقاصد الضرورية وما يتفرع عنها من مراتب المصالح، وهو ما نطقت به نصوص الشرع وشهدت له التصرفات النبوية وسار عليه الصحابة رضوان الله عليهم ومن اقتفى أثرهم من السلف الصالح، ومن ثم فإن الإذعان لأولوية السلم على غيره من المصالح فريضة شرعية، قبل أن تكون اعتباراً بالتجارب الإنسانية واستفادة من الحكمة البشرية.

4) إذا كانت المطالبة بالحق حقا، فإن البحث عن السلام أحق.

5) إنه لا حقوق بدون سلام: لأن فقدان السلم هو فقدان لكل الحقوق؛ بما فيها الحق في الوجود! فالسلام هو الحق الأول والمقصد الأعلى الذي يحكم على كل جزئيات الحقوق.

6) إن منظومة السلم: فقهاً وقيماً ومفاهيم، لا تستهدف غمط الحقوق ولكنها بتغيىر الوصول إليها بطرق أكثر سدادا ووسائل أقرب رشاداً، أقله أن الوقت الذي يضيع في المحاربة والمغالبة لو استعمل بشكل عقلاني في جو {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ- فصلت:34} لأعطى نتائج باهرة ترضي كل الأطراف، وقد تحظى برضا الله سبحانه وتعالى، لأنها صانت الدماء والأموال والأعراض وقللت الكراهية وألفت بين القلوب.

7) إن كل المفاهيم التي يستند عليها في غير حالة الدفاع الشرعي عن النفس لتسويغ مشروعية العنف والاقتتال بين المسلمين كتطبيق الأحكام الشرعية وتغيير المنكر والجهاد وقتال البغاة، مما هو داخل في خطاب التكليف هي مفاهيم ضبطها الشرع نفسه بخطاب الوضع، أي بضوابط التنزيل والتطبيق حتى لا تكر على مقصد السلم بالإبطال، فمن أراد تطبيق الشرع فليحذر من فصل خطاب التكليف عن خطاب الوضع.

8) إن حسن النية لا يسوغ التوسل إلى الهدف مهما كان نبيلاً بالاحتراب ونشر البغضاء والشحناء، لأن الهدف النبيل يجب أن تكون وسيلته نبيلة، فلا يجوز التذرع بالوسائل السيئة للوصول إلى مقاصد حسنة في اعتقاد المتذرع.

9) إن الإسلام وضع فقهاً متكاملاً لحل النزاعات بالوسائل السلمية العاقلة، تتمثل مفرداته في كتاب الصلح، والصلح معاقدة يرتفع بها النزاع بين الخصوم، ويتوصل بها إلى الموافقة بين المختلفين.

10) إن المنظومة الحوارية التي اشتمل عليها التراث للوصول إلى نوع من الرضى والتراضي من قبيل الحوار لإبرام "عقد الصلح" وما أحيط به من الضمانات، بالإضافة إلى توسيع مجالات توظيفه ليشمل كل ما يمكن أن يتصور من نزاع وخلاف، بدءاً من الخلاف العائلي إلى النزاعات الدولية، بمختلف الأدوات من تحكيم أو إبراء أو عفو، يمكن أن تعتبر من أغنى المنظومات التشريعية والأخلاقية.

11) إن قواعد فقه السلم وكلياته هي:

أ- النظر في المآلات والعواقب
ب- درء المفاسد مقدم على جلب المصالح

12) اعتبار ترتيب التفاوت في المصالح وتفاوت المفاسد فيقدم الأهم على المهم.

13) إن فروض الكفايات تنقسم إلى ما يجوز لعامة الناس أن يقوموا به وما لا يجوز لهم أن يقوموا به، وهو أحكام الولاية العامة المنوطة بأولي الأمر كإقامة الحدود والتعزيرات وإعلان الحرب والسلام بين الأمم، ومختلف التدابير العائدة على المجتمع بالفائدة.

14) إن الجهاد في أصله وسيلة للسلم ، وهو شامل لكل القربات، وماض إلى يوم القيامة بأنواعه المختلفة ( جهاد الدفع وجهاد العلم والمال وجهاد النفس...)، لكن جهاد الطلب بمفهوم غزو امم اخرى ليس مقبولا في عصرنا لزوال القوة المادية المانعة من الاتصال بالناس ودعوتهم إلى الخير.

15) وخلص المنتدى إلى مجموعة من الأفكار للعلاج منها :

1) إنه آن الأوان أن تتجه المجتمعات المسلمة أفراداً وجمعيات وتنظيمات سياسية وحكومات ودولاً إلى التعاون على البر والتقوى، وتقديم المصالح العليا للإنسان والأوطان على المصالح الخاصة، واعتماد الحوار والتوافق منهجا وحيدا لتحقيق التنمية الشاملة.

2) الدعوة إلى انفتاح جميع التيارات على بعضها بعضاً، وبناء جسور التواصل ليعبر منها الجميع إلى السلام.

3) الدعوة إلى "حلف فضول" جديد لعقلاء الأمة وإلى بلورة نظرية للتعارف تكون أساساً ثابتاً لا يتزحزح للعلاقات الدولية، انطلاقاً من قوله تعالى ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا).

4) إعادة تثبيت سلطة المرجعية في الأمة باستعادة العلماء مكانتهم وريادتهم داخل المجتمعات المسلمة، وقيامهم بواجب النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المنضبط بضوابط الشرع نائين بأنفسهم عن أي صراع أو تخندق فكري أو سياسـي ليكون صوتهم، معبراً عن الأمة بكل مكوناتها وتكون كلمتهم محل تقدير وتوقير إن لم تكن محل إجماع.

5) بيان خطورة استنباط الأحكام من النصوص الشرعية والمدونات الفقهية مجردة عن حيثياتها وملابساتها للشرائح المتعلمة من الأمة، وتوجيهها إلى وزن الرجال بميزان الحق لا وزن الحق بميزان الرجال.

6) إعادة إحياء المذهبية الفقهية بأصولها وتقاليدها العلمية باعتبارها سياجا حمى الأمة من الفتن الاجتماعية وضبط الفتوى بضبط أهلها وشروطها وحدودها.

7) إن الديمقراطية ليست غاية وهدفا في حد ذاتها؛ بل وسيلة في البيئات المتهيئة لها لتدبير اختلاف المشارب الفكرية والمشاريع السياسية. ومن ثم فإن واجب دعاة الإصلاح أن يضعوا نصب أعينهم تحقيق العدل والمساواة دون تقديس للآليات مستحضرين السياقات التاريخية والبيئات والأعراف الخاصة بمجتمعاتهم حتى لا تصبح الديمقراطية في بعض المجتمعات دعوة إلى الحرب الأهلية.

8) إيلاء عناية خاصة لثقافة السلم في المجتمعات المسلمة بعد أن ضمرت وضعفت وخلا الجو لثقافة العنف والاقتتال وانتزاع الحقوق بكل الوسائل مهما بلغت تكلفتها البشرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

9) إحياء فقه السلم المبثوث في بطون أمهات الفقه الإسلامي من كتب مجردة أو نوازل وفتاوى، وتطوير هذا الرصيد باستخراج أصوله وقواعده وضوابطه لاستثماره والبناء عليه وتجديده.

10) بناء مشروع تربوي متماسك وملائم للعصر ينطلق من مقومات الأمة ومصادرها ويعلي من قيم التعايش السلمي والوئام والتسامح واحترام التنوع والاختلاف.

11) ترسيخ الوازع التربوي في النظم التربوية وتصحيح الصورة النمطية التي تحصر الدين والشريعة في الوازع العقابي والسلطة التنفيذية.

12) إعطاء الأولوية في نشر ثقافة السلام وبث قيم الوئام للناشئة وللشباب، ودعوتهم إلى الانخراط الفعلي في نشر ثقافة السلم في المجتمعات المسلمة، وبلورة مقومات خطاب جديد يناسب احتياجاتهم لأنهم من جهة الأقل حصانة ضد خطاب الكراهية والعنف، ومن جهة ثانية أمل الأمة في تغيير ما بنفسها.

وحدد المنتدى مجموعة من الوسائل للوصول إلى ذلك منها:

1) الاستفادة من جميع الاستراتيجيات الهادفة إلى نشر ثقافة وقيم السلم ، ومما راكمته البشرية بخبرتها الطويلة من وسائل وآليات حل النزاعات كمؤسسات التحكيم والوساطة الدولية.

2) استثمار كل الوسائل المتاحة لنشر ثقافة السلم والوئام (كتب ومجلات وكتيبات ونشرات وقنوات إعلامية ومواقع إلكترونية وتجمعات شبابية وجمعيات ومنتديات...)

3) دعوة وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي إلى تحمل مسؤولية الكلمة وتقدير آثارها على التعايش والوئام، وإلى الانخراط في تعزيز ثقافة السلم في المجتمعات المسلمة.

4) دعوة المثقفين والأدباء والمبدعين إلى الانخراط في دعم رسالة هذا المنتدى وإلى الإسهام في تعزيز ثقافة السلم والتعايش في المجتمعات المسلمة.

5) الاستفادة من الحصيلة العلمية للبحث الأكاديمي الشرعي فيما يتعلق بفقه السلام والوئام والمصالحة (حصر الدراسات وتصنيفها وتقويمها ونشر ما يستحق النشر منها...)

6) دعم المجتمعات المسلمة في الغرب تربويا وتعليميا وفقهيا بما يسمح لها ولأجيالها الصاعدة بفهم الإسلام في سماحته ووسطيته، ويجنبها مزالق التطرف والعنف والصدام مع مختلف مكونات المجتمع، ويدفعها إلى الانخراط في تنمية أوطانها بما يضمن التعايش للجميع وتصحيح صورة ديننا الحنيف وصورة أتباعه في الغرب.

وعن الإعلام دعا المؤتمر إلى:
1) تشجيع الحوار بين المكونات المختلفة على المستويين العالمي والمحلي، باعتباره ضرورة إنسانية ومجتمعية، لإشاعة التعايش بين أتباع الديانات والحضارات والثقافات في الأوساط الثقافية والإعلامية والتربوية.

2) الاهتمام بالتعليم الديني في المدرسة والأسرة والمجتمع، والتأكيد على أثره في تهذيب الإنسان، وتعزيز القيم النبيلة، وتشجيع الحوار البناء بين الشعوب.

3) أن تهتم وسائل الإعلام بنشر ثقافة السلام والتفاهم، وأن تتحرى الدقة والموضوعية والتوثيق في التعامل مع الموضوعات ذات الأثر الكبير في المجتمعات البشرية، وأن تتجنب إلصاق تهمة الإرهاب بأديان مرتكبيه.