الروائي السوداني حامد الناظر (أرشيف)
الروائي السوداني حامد الناظر (أرشيف)
السبت 19 مارس 2016 / 12:17

حامد الناظر لـ24: مشروعي الروائي إنساني و"البوكر" ربيع للقراءة

24 ـ القاهرة ـ أحمد علي عكة

يعد الروائي السوداني حامد الناظر من أهم الروائيين الذين يتصدرون المشهد الثقافي السوداني، حيث يقدم مشروعاً أدبياً يصفه بالإنساني، كما أنه يقدم من خلال رواياته أماكن جديدة على الرواية العربية، ففي روايته الأولى "فريج المرر" اختار أثيوبيا كمكان للأحداث وفي روايته الثانية "نبوءة السقّا" اختار أريتريا.

وأكد الناظر في حواره مع 24، أنه سعيد بوصول روايته الثانية "نبوءة السقّا" إلى القائمة الطويلة للبوكر. 24 كان له هذا الحوار مع الناظر للتعرف أكثر على مشروعه الأدبي، وملامح تجاربه السردية السابقة وتجربته الجديدة ومتى سينتهي منها؟

كيف ترى وصول روايتك الثانية "نبوءة السقّا" إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر 2016؟
هو خبر سعيد ولا شك، وصول أي رواية إلى هذه المرحلة المتقدمة في المنافسة يعني أنها استحقت احترام لجنة الجائزة وبالتالي تستحق أن يلتفت إليها القارئ بشكل ما، فقوائم البوكر مناسبات مهمة لإعادة الاعتبار لفن الرواية ولمحترفي الكتابة الروائية عموماً وتشجيعهم على التنافس النبيل وكذلك لحضور أسمائهم وأسماء أعمالهم في وسائل الإعلام لبعض الوقت. قوائم البوكر وما تحدثه من صخب إعلامي وجدل محمود يتكرر كل عام يمكن وصفه بربيع القراءة. إنه موسم طيب لإعادة الزخم إلى الكِتاب وصناعة الكتابة، فالكاتب والقارئ كائنان يتحققان معاً عبر هذه الصناعة المهمة وعبر هذه العلاقة المعرفية الجميلة. على كل حال أشعر بالرضا وبالمسؤولية في آنٍ واحد لكوني أمثل طرفاً في هذه العلاقة المقدسة. سعيد أكثر لحضور روايتي في قلب المشهد الإبداعي وفق شروطه وظروفه الماثلة.



رواية "نبوءة السقّا" تتناول فكرة خداع الجماهير مغلفة بصراع طبقي في قرية أريترية خاضعة للنفوذ الإثيوبي، فما الجديد الذي يقدمه النص من خلال هذا الصراع؟
صحيح أنني لجأت إلى استخدام الصراع الطبقي كغطاء لتمرير الفكرة الأساسية التي بُنيت عليها فكرة الرواية، وقد لا يقدم النص جديداً إذا ما نظرنا إليه من هذه الزاوية. لكن قد تلاحظ أنه مزَجَ عناصر كثيرة في لحظة تاريخية مكثفة ومليئة بالإشارات والتأويلات. لدينا مستويات متباينة للصراع وطني وفكري واجتماعي وعاطفي، وشكّل زمن الثورة في وجه الاحتلال خلفية رمزية مهمة لتفاعل عناصر النص وتطور الأحداث ومآلاتها، وكان لابد لتلك العناصر أن تظهر نوعاً من التناغم الطبيعي وغير المفتعل مع عاملي الزمان والمكان وأن يتصاعد الصراع النخبوي/الاجتماعي نحو مآلاته بطريقة معاكسة للصراع الثوري/الوطني ضد الاحتلال، ثم يتقاطعان في لحظة خاصة، حاولت أن أجعلها صاخبة ومدمرة تصعد فيها النخبة ويسقط فيها الوطن وتفقد بقية العناصر الأخرى ملامحها الكاملة بشكل حاد ومدوٍ. التصورات التي يبنيها النص مع القارئ لما يقرب من مائتين وخمسين صفحة تنهار كلها في لحظة واحدة، والقارئ الذي ينهي قراءة هذه الرواية قبل الصفحات الخمس الأخيرة لن يتمكن من الإمساك بفكرتها الأساسية، وهذا هو شكل المعالجة الذي حاولت تجريبه في نبوءة السقا وأرجو أن أكون قد نجحت فيه.



في روايتك الأولى "فريج المرر" كان المكان إثيوبيا وفي "نبوءة السقّا" اخترت قرية "عجايب" الافتراضية بأريتريا مكاناً لها، فعلى أي أساس تختار مكان روايتك؟
بالنسبة لفريج المرر، لم يكن المكان أثيوبيا فقط، لقد كان جزءاً من جغرافيا واسعة تحرك فيها النص وشملت دبي والسودان والصومال وإريتريا. وبشكل أدق كان المكان (سوق فريج المرر) بطل الحكاية لكنه ووفقاً لتركيبة السوق نفسه ومن ثم حركة الشخوص وحكاياتها ومنابعها أخذت أثيوبيا النصيب الأكبر في حيّز السرد، هذا من الناحية التقنية. لكن من ناحية الحكاية والمعرفة الجميلة قدمت الرواية عوالم جديدة للقارئ العربي، عوالم تبدو غريبة وبعيدة وغامضة أيضاً، لكن في حقيقتها هي قريبة جداً إلى درجة مدهشة، والواقع فيها شبيه بالواقع العربي في مناخاته وإحباطاته، ومواز له كذلك تاريخياً وحضارياً. "الأمهرا" مثلاً يقولون إنهم من نسل الملك "سلمون" والملكة "سبأ" ويقصدون نبي الله سليمان وبلقيس، وكذلك اللغات التي تتحدث بها وتكتبها معظم القوميات في أثيوبيا وإريتريا وجزء من الصومال وكينيا هي لغات حميرية قديمة في أصولها وتعود إلى اللغة الجئزية اليمنية، كما أن أسماء بعض المدن والأنهار على ضفتي البحر الأحمر تتطابق. كل هذه المعطيات تجعل من أرض الحبشة (أثيوبيا وإريتريا) مألوفة نسبياً إذا ما قدمت للقارئ في أي شكل. لذلك موضوع المكان في رواياتي شديد الأهمية والدلالة ووثيق العلاقة بالعناصر الأخرى في النص.

تعود أحداث رواية "نبوءة السقّا" لستينيات القرن العشرين .. فماذا عن استلهامك من التاريخ وتوظيفه في النص السردي؟
"أستير" الأثيوبية، إحدى شخصيات رواية فريج المرر كانت ترى أن التاريخ شيء متصل، وأن عملية الإنتقال من دائرة أصغر كانت تسميها الماضي إلى أخرى قد تكون الحاضر أو المستقبل إنما هو شعور زائف بالتخلص من الماضي، الإنسان إنما يغير موقعه في الزمن وحسب، ولا يغير التاريخ". بهذا المعني فإن العودة إلى التاريخ ليست هروباً بالضرورة وليست فعلاً إسقاطياً وحسب، إنما هي عملية ضرورية لقراءة الحاضر واستشراف المستقبل. ما يمكن ملاحظته بقوة أن أنماطاً فكرية ومذهبية عدة في منطقتنا تبني نظريتها وفلسفتها على التاريخ كأنما هي صاعدة إلى الماضي وليس المستقبل، وبالتالي، إذا أردنا التحاور معها فإننا سنضطر بالضرورة إلى استدعاء التاريخ أو محاكمته. لذلك فإن الزمن يأخذ ذلك المنحى الدائري الواسع الذي عبرت عنه أستير في فريج المرر.



إذا كان عليك أن تضع عنواناً لمشروعك الأدبي فما هو هذا العنوان ؟ ولماذا؟
مشروعي الروائي إنساني بلا شك. أنا منحاز لهذا أكثر من غيره. الأدب الروائي في أصله وفلسفته وعمقه هو مشروع إنساني لكنه متصل بالأفكار والمذاهب والأديان بدرجات مختلفة. وبالتالي فإن أي مشروع روائي يحاول أن ينتصر لفكرة ضيقة أو مشروع جانبي لا ينتمي إلى جنس الرواية بالضرورة. يمكننا البحث عن تسمية مناسبة له لكنه ليس مشروعاً روائياً.

كيف ترى المشهد الثقافي السوداني حالياً ؟
من زواية المنتج والمحتوى والأسماء فإنه جيد وربما أكثر مما يظنه البعض لكنه للأسف يفتقد إلى جسور قوية تصله بالمتلقي خارج السودان، معظم الإنتاج السوداني لم يعبر ذلك العبور المأمول بسبب ضعف النشر المحلي وانكفائه وبسبب عوائق أخرى حكومية لا تسمح له بالنضج والتفاعل المطلوبين. الحكومة سحبت ترخيص اتحاد الكتاب السودانيين وعلقت نشاطه من فترة طويلة. أغلقت كذلك دوراً ثقافية عدة وعلقت أنشطتها ووضعت عوائق قانونية في طريق تقدمها. في بيئة طاردة مثل هذه لا يمكن للمشهد الثقافي أن يزدهر أو أن يتقدم. الحرية شرط أساسي من شروط الإبداع ومن دونه لا يمكننا أن نتحدث عن مشهد ثقافي معافى.

هل لديك تجربة أدبية جديدة تعمل عليها الآن؟ وما ملامحها؟
بالتأكيد، أعمل على كتابة روايتي الثالثة وهي عمل رشيق وقصير، لكنه مكثف ويحمل في طياته دلالات عميقة على مدى هشاشة الإنسان. أنا في العادة لا أحسن تقديم أعمالي أو إعطاء فكرة عن مضمونها بشكل موجز وعميق وأفضل أن يفعل الآخرون ذلك بعد قراءتها. أتوقع أن أفرغ من النص الجديد خلال الأسابيع القليلة المقبلة وأرجو أن يجد القبول.