السبت 30 أغسطس 2014 / 11:33

غزة والحرب السياسية



الصديق أحمد يوسف، رجل أكاديمي، التزم خط الاعتدال في حركة حماس، هذا الصديق أفصح عن السبب الميداني الذي دفع حماس للتنازل عن معظم مطالبها المعلنة، تحت عنوان "تأجيل البت في هذه المطالب".

وعزا أحمد يوسف، مرونة حماس في اللحظات الأخيرة من الحرب، إلى قيام اسرائيل بتدمير خمسة أبراج في غزة، وتهديدها في المضي قدماً في تدمير جميع الأبراج إن لزم الأمر ، وما أعلنه أحمد يوسف يصلح لأن يكون درساً مستفاداً من حرب غزة، كما يصلح أن نقرأ من خلاله مجريات ما يمكن أن يحدث سياسياً وعسكرياً.

عسكرياً:
حصلنا على وقف لإطلاق النار دام ثلاثة أيام، وندعو الله أن يستمر هذا الوقف إلى ما لا نهاية ، ولا جدال في أن أهل غزة حين انهمروا كالسيول الجارفة إلى الشوارع والحارات والميادين، إنما فعلوا ذلك حباً بالحياة التي عادت إليهم بعد كوابيس الموت والدمار، لا نستطيع أن نقرر النتائج السياسية لهذه الحرب فكل ما يجري الحديث عنه هو استنتاجات نظرية ورغائبية لا أكثر.

سياسياً:
إن المعركة بدأت تحت عناوين في غاية الخطورة، خلاصتها أن الأيام القادمة سوف تشهد أصعب عملية مقايضة يتبناها العالم، بين سلاح غزة، الذي يريد الأمريكيون والإسرائيليون وحلفائهم نزعه أو إسكاته إلى الأبد، وبين إزالة ما يربو عن مليوني طن من الأنقاض والشروع أثناء ذلك وبعده في إعادة الإعمار، وهذه المقايضة يرى الأمريكيون أنها يمكن أن تثمر، إذا ما صدر قرار من مجلس الأمن تحت عنوان "الحل طويل الأمد لوضع غزة".

الأمريكيون وحلفاؤهم، يستعيدون من الذاكرة سيناريو الضاحية الجنوبية الذي تأسس على عاملين متداخلين لا انفصام بينهما، الأول كثافة التدمير الذي تعرضت له المنطقة الجنوبية، والذي دفع السيد حسن نصر الله إلى القول: "لو كنت أعرف أن هذا القدر من الدمار سوف يحل بنا لما أقدمنا على اختطاف الجنود الإسرائيليين، الذي كان اختطافهم سبباً للحرب".

وهذا الدمار الرادع، أنجب قراراً من مجلس الأمن، منع حزب الله من أن يطلق طلقة واحدة اتجاه إسرائيل على مدى ثمانية سنوات، مع توجيه سلاح حزب الله الأكثر والأقوى والأمضى من سلاح حماس في غزة، نحو أي مكان آخر سواء داخل لبنان أو سوريا أو حتى العراق ، ومنذ تلك الحرب التي ما يزال حزب الله يحتفل بالنصر فيها، حظيت إسرائيل بهدوء مطلق، ما أغرى الولايات المتحدة وحلفائها إلى استنساخ هذه التجربة وفرضها على غزة.

حتى الآن.. ونحن ما زلنا في اليوم الثالث أو الرابع لوقف إطلاق النار، لا نستطيع الجزم بنتائج الجزء السياسي من الحرب، فهنالك فرق موضوعي بين حروب إسرائيل مع حزب الله وحروبها مع غزة، والفرق في جوهره يسجل لمصلحة حزب الله، الذي يتمتع بعمق جغرافي وتسليحي وتمويلي، على جبهة تمتد من بوابة فاطمة حتى حدود الاتحاد السوفياتي السابق، وهذا لسوء الحظ ما لا يتوفر لحماس، التي تخوض حروبها مع إسرائيل بلحمها ولحم غزة الحي، ومع تفهمنا للشعور بالنصر والاحتفاء به، إلا أن دهاليز السياسية وحساباتها، والقوى الكونية المتدخلة فيها، تحتم على حماس أولا أن تعد نفسها لمرحلة بالغة التعقيد وقد تتجدد فيها الحرب وفق أجندات التحريض الإسرائيلي الداخلي، والذي ما زالت الغالبية الشعبية تصب في مصلحته إن لم تر وعلى نحو سريع نتائج تشير إلى نصر إسرائيلي صريح في هذه الحرب.

فلنراقب كل دقيقة من فصول الحرب السياسية، التي بدأت مع اللحظات الأولى للهدنة الأخيرة، والشيء الوحيد المطلوب من حركة حماس أن تفعله هو الحذر والتحوط باتجاه عدم منح إسرائيل ذريعة لاستئناف حرب التدمير ثانية، ذلك أن الشعور الإسرائيلي بعدم تحقيق نصر مقنع للناخبين الإسرائيليين، لابد وأنه يضع حكومة نتانياهو المتداعية أمام خيارين أحلاهما مر، الخيار الأول: حسم المعركة السياسية بصورة أفضل مما حسمت المعركة العسكرية، والثاني: الذهاب مجدداً إلى حرب التدمير، في محاولة ربما تكون أشد ضراوة كي ترضي نتائجها جميع الإسرائيليين الذين يشعرون بأن كل ما حدث في غزة لم يحقق المطلوب.