الأحد 21 سبتمبر 2014 / 09:10

العشب الأمريكي

 

في الحرب الجديدة، الحكاية تبدأ كل مرة بقصة مُرَاهَقَة. مهاجر عربي يعيش في ولاية ألاباما منذ أربعين سنة. يتحدث الوالد عن ابنه المُرَاهِق في أكبر مكان إعلامي أمريكي. السي إن إن تسعى لمقابلة الوالد، وكأنَّ اهتمام السي إن إن، يرجع إلى صدمة حضارية، وهي كيف تحوَّل الابن، الذكي اللطيف المتفوق في دراسته، المغني والمحب لموسيقى الراب في أوقات فراغه، والمقيم في بلد الحريات والديموقراطيات والإنسانيات، إلى أحد زعماء القاعدة. الأب لا يجد التفسير، ويتحدث عن مزيد من ذكاء الابن ولطفه وتفوقه، ومُقدم البرنامج يندهش في البداية، وتزيد دهشته مع استمرار الوالد في تأكيد ذكاء ولطف وتفوق ابنه، وكما لا يجد أحد جوابا شافياً على سر إقامة رموز الإرهاب منذ نهاية السبيعينات إلى الآن في أمريكا والغرب إلا الإجابة المُباشرة بأن تلك الرموز هي رأس الحرْبَة في السيطرة الاقتصادية على الجميع بمن فيهم المواطن الأمريكي والأوروبي، وبما أن الإجابة المُباشرة حاضرة حضور البديهيات في التحليلات الفكرية والسياسية منذ الثمانينات، ومع ذلك تتحقق سيناريوهات الخراب المُعَوْلَم، فلا معنى في استدعاء تلك الإجابة طوال الوقت، والبديل عنها هو الاتجاه إلى إجابات أخرى غير مباشرة. المُرَاهِق العربي هو أبو منصور الأمريكي الذي ذهب إلى الصومال كي يُجاهد في سبيل الله مثل طالب مُرَاهِق في فيلم أمريكي ذهب في صباح يوم إلى مدرسته، وفتح النار بسلاح آلي، ليقتل عشرين زميلاً. الأول بتأثير مقولات بن لادن الجهادية، والثاني بتأثير رؤية المخرج التسجيلية لدوافع ملل المُرَاهِق وهشاشة الحياة الأمريكية. دائماً في السينما الأمريكية، حتى مع سائق سكورسيزي، العنف أكبر كثيراً من أسبابه، وأيضاً ذكاء المُرَاهِق العربي ولطفه وتفوقه الدراسي، وحبه للراب، أقل كثيراً من رحلته المُفاجِئة إلى الصومال، والجهاد في صفوف حركة الشباب، وإعلان الإدارة الأمريكية عن مُكافأة مالية قدرها خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن مكانه. يستغرق صعود وأفول النجم الإرهابي في الفضاء الأمريكي من سبع إلى ثماني سنوات، ويكفي القضاء على نجمين أو ثلاثة لتدمير دولة. أعلن أوباما أن حربه على تنظيم الدولة الإسلامية قد تستغرق ثلاث سنوات، فإذا قتل أوباما، وهذا ما سيحدث، ثلاثة نجوم داعشية، وراح في سبيل ذلك مئات الآلاف، وانفجرتْ حروب طائفية، ومجاعات، وإبادات عرقية وإثنية، لقال في النهاية: حققنا انتصاراً على تنظيم الدولة الإرهابي، كما نجحنا في الصومال، وأفغانستان، والعراق. الحقبة الأمريكية هي حقبة الشيزوفرينيا. القوة المريضة عقلياً. سائق سكورسيزي، وهو يستعرض في بروفا أمام مرآة، المجرى الخفي لانزلاق السلاح من تحت كم سترته. القوة الأمريكية قوة ترحال، قوة غجرية، قوة عدوانية، لا أرض لها. إنهم يُقيمون على الحدود، العرَّاف الهندي على حد الصحراء في فيلم أوليفر ستون وُلدوا ليقتلوا، وشوارعهم لا تشبه الشوارع، شوارع هاي واي، كما في فيلم ديفيد لينش مولهولاند درايف. القوة الأمريكية في العراء، على طريق جاك كرواك. أمريكا كلها تعيش في الخارج. كيف تجرَّأ كافكا على كتابة رواية بعنوان أمريكا دون رؤتيها فعلياً؟ وهو الدقيق في فنه، ربما لأنه أدرك بحدس أن أمريكا لا داخل لها، وأنه يكفي رؤية بعض الكروت السياحية، لكتابة الرواية، ثم أن مُفَارَقَة كافكا أنه كتب روايته عن داخل أمريكا، وهي بخارج فقط. الفيلم الأمريكي الأكشن المثير المشطشط نهار وليل خارجي. أفاتار، وده ماله، ده خارج الخارج. هل قدَّرَتْ الثقافة الأمريكية أن رواية أمريكا لكافكا، هي إهانة مُعقَّدة عميقة لا تستطيع فهما، ولا مناص أمامها سوى الصمت والتجاهل. في سياق آخر وصف دولوز الأدب الأمريكي بأنه أدب عشب في مقابل أدب الأشجار الفرنسي. العشب الشيطاني الفوضوي منعدم الجذور. قبضة من العشب في العراء. العشب الطاير، والشحن على الطاير. شحن الدواعش على الطاير.