الأحد 19 أكتوبر 2014 / 15:34

لماذا من المهم اليوم أن نتذكر رأي الشيخ زايد في الإخوان؟


قبل سنوات بعيدة، وقبل أن يكشّر الإخوان عن أنيابهم، على النحو الذي شاهدناه في أكثر من بلد عربي، وقبل أن تفتضح الكثير من أوراق التنظيم الدولي للإخوان ودسائسهم ومشاريعهم المشبوهة في المنطقة، بما في ذلك الخليج العربي، كان للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، في تسجيل مشهور، لا داعي للتذكير بمحتواه إذ أنه معروف من القاصي والداني، رأي حاسم في الإخوان، وفي خطرهم الداهم والمستمر.

ربما، في ذلك الحين، لم يرَ كثر بعد نظر مؤسس دولة الإمارات، وهو يقول هذا الرأي في الإخوان، وربما اعتبروا قلقه من دسائسهم مبالغاً به، إلا أن الأيام كانت كفيلة بإثبات صواب نظرته وعمق رؤياه، وإن كنا نتذكر اليوم كلماته الحاسمة تلك قبل نحو عقدين من الزمن، فليس فقط لبيان عمق بصيرة الراحل الكبير والتي تجلت في بناء واحدة من ألمع تجارب الدول الحديثة في العالم، ولا لبيان خطورة التنظيم الدولي للإخوان، وقد باتت هذه الخطورة واضحة جلية للجميع. ولكننا نستحضرها اليوم رداً على نظرية لا يني الإخوان ومن يدعمهم ويقف خلفهم (أو أمامهم أحياناً) من جهات ودول قريبة وبعيدة، تفيد بأن الإمارات كانت بألف خير أيام الراحل الكبير، وأن مشكلتهم الجوهرية هي مع حكام الإمارات، بعد رحيل الشيخ زايد.

فكثيراً ما نلمح مثل هذا الخبث والتخابث لدى الكثير من الإخوان، والموحي بأن الأوضاع السياسية والاقتصادية والقيمية في الإمارات، كانت ذات طبيعة معينة، واليوم اختلفت هذه الطبيعة بصورة جذرية، وذهب بعضهم إلى محاولة الطعن في عروبة الإمارات وإسلام الإمارات، وما إلى ذلك من اتهامات تقوم كلها على أن "الجديد" مناقض تماماً لـ "القديم".

مثل هذا الطرح الساذج عانى ويعاني من مشكلات أساسية، أولها التغاضي عن حقيقة أن رسالة الشيخ زايد رحمه الله، تلك الرسالة القومية والعربية والخليجية والإنسانية، وذات الأبعاد الاقتصادية والسياسية والقيمية في وقت واحد، هذه الرسالة هي التي قادت وما زالت تقود مواقف الإمارات، مثلما تقود نهضتها وتنميتها، ويغفل هذا الطرح "الخبيث" كذلك أن الإمارات بقيادة رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، حفظه الله، لا تتصرف بمنطق القطع بين المراحل، بل إنها تبني إنجازات الحاضر على ما تأسس في الماضي، وأن خيط التنمية موصول على مرّ الحقب والعقود، برباط صلب قوامه الشعب الإماراتي نفسه الأمين أمانة تامة، والمنسجم انسجاماً كاملاً مع قيادته، وإن كان هناك انتقادات من هنا وهناك، فإنها تصبّ في إطار البناء ومواصلة المسيرة، لا في مساعي الهدم والتخريب والاستيلاء، مثلما حاولت ثلة من الإخوان فعله، وفشلت أولاً وقبل كلّ شيء بسبب لفظ الإماراتيين لها ولمنطقها العقيم.

ولعل المشكلة الثانية التي يعانيها طرح أولئك هو المنطق البسيط الذي بدأنا به هذه المقالة، والمتمثل في أن الشيخ زايد قال كلمته فيهم، قبل أن يقولها الآخرون، وبالتالي فإن جميع طروحاتهم وحججهم مردودة عليهم، فإن كانوا صادقين في "محبتهم" للراحل الكبير، لكانوا أصغوا باكراً إلى ما قاله، ولكانوا سعوا على الأقل إلى تبديل المسار، باتجاه الوطن، والوطن وحده، لا باتجاه أجندة تنظيم دولي لا يريد الخير لهذا الوطن وأهله.

والمشكلة الثالثة، تتمثل في نفاق أصحاب هذا الطرح المستمر. فهل نسوا أم أنهم يتعمدون تناسي أن مطارق "نقدهم" الهدامة كانت في أشدّها أيام الراحل الكبير، وأنهم لم يوفروا مناسبة، أو إنجازاً، ليحاولوا الحطّ من قدرهذا الإنجاز والاستخفاف بقيمته، وحتى معارض الكتب في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي لم تسلم من سهامهم، فقد كان دأب أتباع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين منذ البداية فعل كل ما من شأنه وقف مسيرة التنمية في دولة الإمارات الحديثة النشأة في حينه، إلا أن تصميم الإماراتيين بالوقوف صفاً واحداً وراء قادتهم، أفشل كلّ تلك المحاولات، وجعل السفينة تمضي واثقة متوازنة في طريقها نحو المستقبل، وهنا بالذات، يكمن الفشل الأكبر للإخوانيين، وخاصة فشلهم في تعلم دروس الماضي، حين عجزوا عن فهم أن ثبات المسيرة نفسه في الماضي، ما زال قائماً اليوم، وأن سرّ نهضة الإمارات وتقدمها في وحدتها التي لا تهتزّ، وفي تضامن أبنائهم المستمرّ وإيمانهم العميق بمستقبل زاهر جنباً إلى جنب قيادتهم، أي جنباً إلى جنب تاريخهم وقيمهم العريقة، بما في ذلك القيم العربية والإسلامية التي لم يستطع الإخوان ومن لف لفّهم المسّ يوماً بأنوارها المتوهجة اللامعة.