الجمعة 21 نوفمبر 2014 / 23:30

عن مدينة تفضل أكل الحكايات عن الحلوى



1
يا سلمى، أنا رجل بلا ذكرى. يعيش في مدينة تتكسب من التاريخ، وأنت تعرفين التاريخ جيداً وتعلمين من يتكسب منه.

أعيش في مدينة بلا حاضر ، ولا تتمنى المستقبل، الزمن فيها بلا مأوى، مدينة تفضل أكل الحكايات عن الحلوى، ليست لأنها مسلية ولكنها بلا ثمن، الشعراء فيها يعيشون على أطرافها بلا عنوان.

2
تعلمين يا سلمى أنه برقصة زوربا وصوت الكمانجات الحزينة يكتب الشعراء عن قصص الحب الفاشلة بعناية شديدة، أكثر من أن يلحظوا عدد الجنيهات التي يتركها لهم المارة في القبعة التي وضعوها أمامهم ليأكلوا ويشربوا .

3
وقف الشاعر وسط الشارع يهلل "كم أنا سعيد" فلم ينتبه له المارة، وذهب لأقرب رصيف ليكتب قصيدة سعيدة فلم يكتب سوى بعض الكلمات غير الموزونة عن عدم اعتناء المارة بسعادته وبكى، فنام حزيناً علي الرصيف بجوار قطنه.


4
تعلمين يا سلمى، لو خيروني بين أن أكون في هذا العالم وبين أن أكون كهلاً في العدم أعبث باللا شيء، سأختار العدم حالماً بخروجي للعالم، خير من أن أكون في العالم كارهاً وجودي وألعن العدم الذي أتيت منه. العدم بلا مشاعر. بلا أفكار. لا يحمل في طياته ذكريات مؤلمة تجبرني علي الانحناء .

فأنا الكهل المبتسم.

أنا الليل الطويل الذي لا ينتهي، أنا الذي لا يفارق الأحباء لأنني لا أملك أحباء. عقيدتي هي اللا شيء.

الابتسامة البلهاء التي تنتشر بلا جدوي علي وجهي غير عابئ بطموح الآخرين لأني لا أملك طموحاً منافساً.

لا أنتظر.

لا أقلق.

لا أمل.

لا أحب، وهذه أهم فضيلة في العدم، أني لا أحب. قلبي دائما مليء باللا شيء، أجوف لا خدش يؤرقه في المساء، لا يبحث عن أغنية تلائم حرقته وجرحه.

في العدم يا سلمى لم أشعر بأني ضعيف وذلك لأنني هنا لا مجال لأثبت أني قوي، فالكل هنا سواسية، يسيرون فرادى ولكنهم لا يحلمون بطريق مختلف عن باقي السائرين، فالكل يسير نحو اللا شيء، لا وصول .. ولا مكان .. ولا زمان، مع أنني أعيش وحيداً في العدم، إلا أن ألفتي الوحيدة بذاتي وبملامحي الغائبة في المرآة التي لا أراها مع أني أحبها، رأيتها مرة تسير ورائي ضاحكة، فرحة بأني لم أخرجها للعالم حتي يصيبها العبوس والأرق.

5
يا سلمى، الوحيدون طيبون بالفطرة يقفون أمام البحر في الصباح يبحثون عن وجوه الأحباء الذين رحلوا في هدوء غير عابئين بأرق العالم ولا بأحلامهم البائسة.

الوحيدون وحدهم.