السبت 22 نوفمبر 2014 / 00:16

رؤساء على لائحة الاحتياط



1-
-"هل تبقى شيء لم أقله لشعبي الذي سيرميني على رأسه لأطيرَ إلى القصر؟".

- هذا هو السؤال الذي يقبع في لاَوَعْيِ كل مترشح للرئاسة في تونس، قبل ان تبدأ الطوابير في رمي الأصوات في الصندوق.

- العملية تبدأ بورقة يستلمها الناخب في مكتب الانتخاب حيث يرى فيها 27 رأساً لمقعد الرئاسة الوحيد، ودور الناخب هو أن يقوم بوضع علامة (X ) أمام رئيسه المرتجَى، ويقف أمام نفسه، في خلوته وفي لحظة موجزة يختار رئيساً لمدة خمسة أعوام ، وهكذا ، فإنّ الناخب الواحد يعيّن رئيساً ويُعدم 26 رأساً!

- لقد صار عدد الرؤساء أقل من 27 بعد أن عرف من عرفوا وزنَهُم، وانسحبوا بعدما حسبوا أنهم غلطوا في حسابات الرئاسة والشعب معاً، وتأكدوا من أمارات الهزيمة قبل انطلاق السباق، واستصغروا أنفسهم، وانقطعت أنفاسُهم في هذا الطريق الذي بَدَا لهم ورديّاً، فالباب الذي كان مسدوداً صار مفتوحاً على مصراعيه أمام كل من يأنس في نفسه الكفاءة ويقبل قانون الصراع، ويكون الصارع أو المصروع بلا ضمان في النجاح أو النجاة بِخُفَّيْ حُنَيْن ولسان حالهم يردّد قول شعر أمرئ القيس:

"لقد طوفتُ في الآفاق حتى قنعت من الغنيمة بالإياب".

2-
تكاثر المتقدمون لخطبة ودّ الشعب ومالَ الإعلامُ، وسبرُ الآراء إلى اختيار اثنين (قطبيْن) لسيناريو الرئاسة التونسية.

إنّ الطريف في قصة ما سمِّي بـ "الاستقطاب الثنائي" هو أن أحد القطبيْن معروف الاسم ومرتفع السهم وهو الباجي قائد السبسي رئيس حزب نداء تونس (86 مقعداً في المجلس)، وأمّا الاسم الثاني فهو في الأرجوحة ومتردد بين هؤلاء:

أ- محمد منصف المرزوقي (الحليف العميق للإخوان المسلمين، اللائكي الإخوانيّ، والذي جنّد في حملته ميلشيات تؤمن بالعنف لحماية "الثورة"، وسبق أن استضاف رموزها في القصر الرئاسي. وأما حركة النهضة الإخوانية، في الظاهر، فلم تسند أحداً من المترشحين، والباطن يقول إن بعض قواعدها سيصوت لصالح المرزوقي، ومن شاهد حملته الرئاسية استطاع أن يرى  وجوه الحرس الإخوانيّ بجلاء ما بعده وضوح، فلقد سبق للمرزوقي أن استخدم حزبَهُ زَوْرَقاً  للعبور إلى قصر الرئاسة،  بعد أن أشرع راشد الغنوشي له الباب في إطار التحالف، فقد تعب المرزوقي قياماً وقعوداً عند قدميْ حليفته النهضة، ثم أصبح مستقلاّ عن حزبه الذي انحدر إلى 4 مقاعد في المجلس النيابي الجديد، وهو لا يملك رصيداً  غيرَ صورة باهتة لرئيس مؤقت.

ب- حمة الهمامي، إنه اليساري والمعارض الدائم الذي عرف السجون أعوام بورقيبة، بل كان سجيناً إلى آخر الساعات في حكم بن علي، وكان راديكالياً لا ينثني، و من أبرز المطالبين بإعداد دستور جديد وإعدام الدستور القديم، وهو يعتمد على حماس الشباب اليساري ويشكّل حماسُ أغلبهم نوعاً من الشعبية التي من الممكن أن تكفل له الوصول إلى الدورة الثانية في الانتخابات الرئاسية، وهو مرشح "الجبهة الشعبية" وحصتها البرلمانية 15مقعداً.
   
ج- محمد الهاشمي الحامدي: هو سليل حركة النهضة وابنها الذي ضلّ عن نهج الغنوشي، وتعارضت مصلحتهما. ويملك قناة "المستقلة" في لندن حيث يعرض فيها صورته ومواهبه في التفكير والتدبير والشعر والطرب أحياناً، ولا ينتهي من الاستشهاد والمباهاة بالنظام البريطاني ولا يكفُّ، في الوقت نفسه عن المناداة بتطبيق الشريعة، وتحويل القيروان إلى عاصمة إدارية لتونس ودغدغة الإخوان بإشارات توحي لهم بانه  أقربُ اليهم من المرزوقي، وله حسابات طريفة، تشبه تاجراً مبتدئاً في عدّ أرباحه القادمة قبل فتح الدكان ، علماً بأن حزبه "تيار المحبة" يملك مقعدين اثنين في البرلمان الجديد.

د- كلثوم كنّو :هي القاضية والحقوقية التي صمدت ايام بن علي وتعرضت الى عديد المضايقات ، ولم يعرفها الجمهور الواسع الا بعد 14 جانفي ، وسبق لها ان شاركت في عديد الندوات التلفزية ، وقد لمس منها الجمهور الشعبي نزاهة وصدقاً، وهي تظنّ ان ما تلاقيه من مساندة شبابية وشعبية يمكن ان تشكل لها قاعدة أصوات نسائية ورجالية وهي تتوقع ان تكون الثانية في الاستقطاب الثنائي ،وهي مستقلة ولا تملك مقعدا في البرلمان الجديد .

ه- سليم الرياحي : رجل تونسي طارئ وقد بزغ نجمه بعد خروج بن علي وأسس حزباً سمّاه الاتحاد الوطني الحرّ، وهو مشهور بأمواله الكثيرة، ويشاع عنها الكثير من الخرافات، وعلاقاته بالقذافي تحتاج إلى كلام مسؤول، ولقد ذاعت شهرته مثل خرافة من خلال رئاسته لواحد من أكبر النوادي الرياضية شعبية في تونس العاصمة خاصة النادي الأفريقي. فقد هجم بأمواله وكَنَسَ من بيت النادي الرياضي كل مظاهر الحاجة، وغطّاه بالمال. إنّه محلّ طمع الكثير فقد عوّل على المال في الاستثمار السياسي وشراء ما أمكن من الأصوات المعروضة للبيع والذمم الجاهزة والأحزاب الصغيرة المفروشة لإيجار أصواتها، وقدم نفسه باعتباره "رئيساً صغير السن، مازال ينتظره الوقت للترشح للرئاسة ولكن بلاده لا تنتظر" على حد عبارته، ولحزبه 16 مقعداً في البرلمان.

5-
هل يتمكن أي من هؤلاء من الوقوف أمام الباجي قائد السبسي، مع أن الذي لا شك فيه هو أن الجميع يكره شركات سبر الآراء ويستخدم قارئة الفنجان مستنجداً مستوضحاً لا عن الرئاسة، ولكن عن وزنه الشعبي من خلال كمّ الأصوات للرئاسيات القادمة. ولكن الأكيد أن الحياة السياسية في تونس قد انتخبتهم ليلعبوا في مسرح قصر قرطاج دورَ الرؤساء الاحتياطيّين الذين سيقول كلهم :

"لا شك أني لم أعرف بعدُ كلمةَ السرّ حتى أقولها لشعبي فيَرْميني على رأسه لأطيرَ إلى الرئاسة "