السبت 22 نوفمبر 2014 / 14:29

اسرائيل تعرف... ولا تعترف



يعر ف الإسرائيليون أكثر من اللزوم عن الفلسطينيين، ولقد أنفقوا مليارات الدولارات من أجل الحصول على معلومات دقيقة في كل امر يتصل بالفلسطينيين، يعرفون عن عدد الأجنة في البطون، ويعرفون عن المواليد داخل فلسطين وخارجها، ويعرفون كذلك عن الطلبة والخريجين ورجال المال والأعمال وكم يملك الفلسطيني وكم يُنفق، ويعرفون عن السلاح الظاهر والمخفي، ويعرفون كذلك عن الثروات بما في ذلك عدد أشجار الزيتون، وكم ليتر من الماء تنتج الآبار، وكم وكم وكم... الخ.

غير أن معرفة كل شيء عن الفلسطينيين، لا يعني إطلاقاً معرفة الفلسطينيين أنفسهم، وهذه هي نقطة الضعف القاتلة في تقديرات الإسرائيليين حول كيفية التعامل مع الفلسطينيين، وكذلك في وضع السياسات المختلفة في مواجهتهم ومحاولة السيطرة عليهم، ولقد ظهر هذا العجز الإسرائيلي منذ الأيام الأولى لبداية الصراع مع الفلسطينيين وحتى أيامنا هذه، فكل ما حدث على مدى عقود من الزمن كان بديهياً ويفترض أن يكون معروفاً، فالهبات الشعبية لم تتوقف، والثورات على مختلف أنواعها لم تهدأ، والمطالبات الفلسطينية الملحة بالحقوق لم تفتر.

إلا أن الإسرائيليين كانوا يتعاملون مع كل ذلك كما لو أن الهبة تحدث لأول مرة وآخر مرة، أو كأن السيطرة على الفلسطينيين توشك على الاكتمال في فترة ما، لكنّ أمراً مفاجئاً يحدث ليجعل إمكانية السيطرة مستحيلة، وإذا ما أسقطنا هذا التراث الخاطئ والمعطوب في الفهم الإسرائيلي للظاهرة الفلسطينية على أيامنا هذه، فإننا نرى تكرار نمطيا لوسائل التعامل مع الفلسطينيين... ومرد هذا التكرار إما عدم معرفة الاسرائيليين بالفلسطينيين او انهم يعرفون ولا يعترفون.

ولقد أوحى لي بهذه الفكرة حوار تم بيني وبين احد كبار المسؤولين الأمنيين السابقين ، على موجات الإذاعة الإسرائيلية، فماذا قال هذا المسؤول الذي يفترض أن يكون واحداً من المؤثرين بنسبة ما في صناعة السياسة الإسرائيلية.

قال ما يلي "إن الفلسطينيين عندما يقومون بأعمال شغب في القدس، ينسون أن المدينة بوضعها الحالي توفر لهم ستين ألف فرصة عمل، فلماذا إهدار هذه الفرص، وقال كذلك إن على الفلسطينيين أن يشكلوا لجاناً تنتشر في أنحاء المدينة لحث العرب هناك على الهدوء وكذلك لتهدئة الخواطر".

وقال كلاماً كثيراً يدور في فلك فكرته الأساسية وهي أن على الفلسطيني أن يخدم لقمة عيشه فقط، وأن يُسلّم بالأمر الواقع وان يقوم بمجهودات للحفاظ على هذا الأمر الواقع كأفضل مصير للفلسطينيين.

سألته: وهل هذا هو الحل الذي تراه إسرائيل للظاهرة الفلسطينية بكل أبعادها؟ وهل هذا بديل عن تسوية سياسية يحصل فيها الفلسطينيون على حقوقهم السياسية وليس مجرد الحصول على فرص عمل في ظل السيادة الاسرائيلية؟

فكان جوابه أن إمكانية الدخول في تسوية سياسية الآن تبدو مستحيلة وبالتالي علينا أن نعتمد سياسة تهدئة الخواطر فهي الأكثر واقعية.

اذا كان هذا قول مسؤول سابق ، فإن ما يقوله المسؤولون الحاليون اسواء بكثير بل وأبعد بكثير عن حقائق الواقع، يمثل هؤلاء المسؤولون رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يبدو اكثر اعتدالا من باقي اعضاء ائتلافه اليميني، فماذا عند هذا الرجل من هدايا ومآثر للفلسطينيين؟

فالقدس الكبرى التي تعادل مساحة خمس الضفة الغربية هي إسرائيلية بصورة مطلقة وإلى الأبد ، اما سكانها العرب فبعضهم القليل جدا يقبل الاذعان المطلق للأمر الواقع والبعض الآخر إما ان يُبعد الى خارج حدود القدس وإما ان يقتطع المكان الذي يعيش فيه ليعزل عن باقي اجزاء المدينة ، اما بالنسبة للضفة الغربية ، فمرتفعاتها مناطق عسكرية للجيش الإسرائيلي يحمي منها مطار بن غوريون وباقي المنشآت والمدن الاسرائيلية، وما يتبقى من ارض فهي مشاريع استيطان مؤجلة تحت عناوين متعددة منها النمو الطبيعي للمستوطنات القائمة، أما الأغوار التي هي مخزون الأرض الرئيسي المتبقي للفلسطينيين في الضفة، فهي مقتطعة لمصلحة الأمن الإسرائيلي، حيث لابد أن تمتلىء بالجنود والمستوطنين ، كي يحموا إسرائيل من خطر ربما يأتي من إيران، وحين يقترح نتانياهو حلاً كهذا فهو يعرف أن الفلسطينيين لن يقبلوه، وأن فرص الانفجار الأمني بطرق وأشكال متعددة، هي النتيجة الوحيدة لسياسة كهذه فهل يعرف الإسرائيليون هذه الحقيقة، أم أنهم يحبون أن لا يعرفوها، وإذا ما استمروا في هذا الفهم وهذه السياسة فما يحدث الآن في القدس وما يحدث في الضفة الغربية وما يحدث وراء الخط الأخضر وما سيحدث في غزة سوف يظل كما كان منذ البداية اضطراب دائم وخطر دائم وابتعاد مطلق عن الهدوء والأمن والسلام.