السبت 22 نوفمبر 2014 / 19:19

ملائكية الصورة وارتداد الخطاب



تستحوذ العلاقة بين "السياسي" و"الديني" على بعض هوامش سجال، أجنحة "الإخوان المسلمين" في الأردن، وهي تنزلق في خطابها، إلى اتهامات متبادلة ، بتنفيذ أجندات خارجية ، دون مراعاة وحدة الجماعة.

بحد ذاتها، تهمة الارتهان للأجندات الخارجية، التي يستميت كل من صقور وحمائم الجماعة، لإلصاقها بالآخر، مفارقة للصورة الملائكية، التي اعتاد كوادر وعناصر الإخوان، محاولة الظهور بها، أمام جمهورهم.

يعني ذلك من بين ما يعنيه، أن الدخول إلى مثل هذا النفق، محطة أخرى من محطات تبديد الهالة الدينية، التي تحرص الجماعة، على استخدامها كعنصر قوة، تحيط نفسها به، للتغلب على خصومها العلمانيين، وتجاوز تعارض شروط الواقع، مع الأوهام المستفحلة في أطروحاتها. 

سواء ثبتت الاتهامات المتبادلة أو بقيت في إطار التشكيك، والحرب الإعلامية التي تنشب بين إخوة ورفاق الأمس، لا تفقد مبررات إعادة طرح أسئلة قديمة، والتأسيس لأخرى جديدة، تساهم في سبر أغوار الظاهرة الإخوانية التي لا تخلو من الغموض، رغم كل ما أثارته من جدل، منذ قيام حسن البنا بتاسيسها. 

قد تبدأ هذه الاسئلة، بهوامش حضور وغياب البعد الوطني أمام الديني، مروراً بطريقة تفسير الدين، زتداخلات الوضوح والغموض في الخطاب السياسي، وطبيعة الحياة داخل الأطر، ومدى المصداقية في الطرح، لكن السؤال الأكثر إلحاحاً، يراوح حول الحضور القيمي للدين، في ممارسة جماعة دعوية، تضع على عاتقها تقويم المجتمعات، وإعادة الاعتبار للقيم.

ففي الاتهامات المتبادلة ارتداد نحو ذات أضيق، مما كان عليه الحال، وتوظيف لنزعة عدوانية ـكانت تستهدف الآخرـ في مواجهات بينية، واستسهال لشيطنة "الأخوة" وتحويلهم إلى "أعداء" وربما تكفيرهم إذا اقتضت الضرورة، حين يقع الخلاف حول قضايا عامة.

أقل ما يمكن أن يقال، عن منحى وسرعة هذه التحولات، أنها أبعد ما تكون عن الصورة الملائكية التي تحرص الجماعة على الظهور بها، لتبقى معلقة بين الديني والدنيوي.

وبابتعادها عن ملائكية الصورة، واقترابها من واقعها، الذي أدمنت مراوغته والتحايل عليه، تخرج الجماعة عن المسار المتخيل للسلطة الأخلاقية، الذي اعتادت الانحشار فيه، ليتقلص هامش تمييزها عن غيرها، من التيارات والقوى السياسية الممعنة في انكفائها، والمشكوك في انسجامها مع قناعاتها وأيديولوجياتها.

زهد "إخوان الأردن" الآني في الاحتفاظ بالصورة الملائكية، التي توهموها على مدى عقود مضت، لم يأت من فراغ بقدر ما هو تعبير عن فقدانهم قدرة الاستمرار في التعايش ، مع هالة "الديني" التي تمسحوا بها، وإن كانوا بحاجة إليها في صراعاتهم البينية، ولمثل هذا الفقدان نتائج لا تقتصر على انتهاء زمن اختطاف المجتمعات واحتكار الفضيلة، وسقوط منطق التعامل مع "الدنيوي" بأدوات الارهاب الفكري .