الجمعة 5 ديسمبر 2014 / 19:35

جريمة النقاب.. ماذا بعد الصدمة؟



اهتز المجتمع الإماراتي الآمن على وقع "جريمة النقاب" أو "شبح الريم" (لا فرق بين التسميتين، إلا إذا اعتبرنا أن صفة شبح أطلقت على شخص واضح الوجه والمعالم) بل أصابته الدهشة والحيرة والصدمة، ولعل ذلك مرده بالدرجة الأولى إلى أنه شعر بخدش عميق وفادح في مشاعره الآمنة المطمئنة لانثيال مشاهد لا إنسانية عليه دفعة واحدة، إنها ضربة للإنسانية كما وصفها الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية. ضربة شنيعة اشمأز منه ولفظها مجتمعنا الإماراتي لأنها تفوق ما يمكن لنسيجه الاجتماعي والأخلاقي والديني احتماله.

وها هو المجتمع الإماراتي يستعيد هدوءه ويلتقط أنفاسه، فيقف مجدداً على أرضية العقل الصلبة متأملاً بحكمة واتزان هذه الجريمة البشعة، تنتابه من جهة أحاسيس الألم والحيرة ومن جهة أخرى مشاعر الفخر والاعتزاز بالعمل المحترف من الأجهزة الأمنية بقيادة الشيخ سيف بن زايد آل نهيان.

لكن هل هناك فعلاً كما يشير بعضهم ثغرة أو فراغ ما جعل هذا الشبح يتسلل بكل برودة دم لينقض كالوحش وبلا أي ضمير إلى بيت الراحة، فيغرس سكينه بضربة غادرة فينهي حلماً مليئاً بالحب والحياة وأملاً طفولياً مشرقاً بالمودة والحنان، فتغيب الأمومة من فورها، شبح أتى من تلك المنطقة المعتمة بالموت حيث لا تاريخ ولا فكرة ولا رؤية غير الظلام والسواد والحقد والتشدد والتطرف وكراهية الإنسان للإنسان، أتى من هناك ليطعن حياة بريئة ويثخنها بالدم والألم والجروح والبكاء.

لقد أتى الشبح الذي لم نكن نعرف بعد أهو رجل أم أنثى، وانتابنا جميعاً توقع غريب، لكنه مفهوم، بأن القاتل رجل رمى على جسده خرقاً سوداء، لكننا صدمنا أكثر وأكثر حين اكتشفنا أن الشبح ليس رجلاً، بل امرأة استعملت النقاب لتحطم إنسانية كاملة وأمل طفلين صغيرين، وربما نبعت صدمتنا من شعورنا الفطري بأن المرأة، تلك التي تمنح الحياة وتصونها، لا يمكن أن تكون هي من يطعن الحياة ويغدر بها ويدمرها.

جريمة لا يمكن وصفها بلغتنا البسيطة، بل ربما نحتاج لوصفها إلى لغة أخرى، إلى حروف أسنّ وكلمات حادة كالشفرة حتى نعبر عما اقترفته جريمة النقاب هذه، نحتاج إلى لغة وحشية أخرى قادرة على أن تصف ما أحدثه هذا الإجرام الذي تلفع بالنقاب، حتى وضعنا جميعاً أمام سؤال صعب جداً، سؤال النقاب وما يمكن أن يقترفه بعضهم مستغلاً للغطاء والتخفي والشبحية التي يسبغها هذا اللباس على من يرتديه.

وعلينا جميعاً أن نسأل هذا السؤال الصعب، لأنه واجبنا وليس حقنا فحسب أن نسأل: لو لم تكن هذه المرأة قد تخفّت تحت جنح النقاب، هل كانت تستطيع أن ترتكب ما ارتكبته؟ ثم هل يمكن أن تتحرك في الوقت نفسه محاولة ارتكاب جريمة أخرى لولا جنح النقاب؟ وهل الأجهزة الأمنية المعروفة باحترافيتها التي لا تضاهى ستجد صعوبة في الإمساك بها في نصف ساعة إن لم تكن قد ارتدت هذا النقاب؟
ولعل ما غاب عنا جميعا في خضم النقاش هو أن نتساءل أيضاً ما الفرق بين النقاب والحجاب، هل كلاهما واحد، ولماذا نحاول أن نلتف على الحقيقة التي تبدو واضحة وضوح الشمس؟

علينا أن نطرح مثل هذه الأسئلة، لا لنسأل فحسب، بل لأن مجتمعنا الآمن المطمئن يستحق أن نطرح الأسئلة ونعثر على الأجوبة المقنعة، حتى نحافظ عليه كما هو عالياً مطمئناً ومزدهراً ومستقراً.