الأحد 7 ديسمبر 2014 / 21:49

النقاب: بين الحرية والأمن





تعتبر الإمارات دولة كوزموبوليتان متعددة الثقافات والأعراق بشكل يفوق أغلب دول الخليج، إذا ما أخذنا في الاعتبار الكثافة السكانية. وذلك غالباً ما يعود إلى كونها وجهة سياحية واستثمارية وتجميلية أيضاً. هذا عوضاً عن كونها وطن ثان لعدد كبير من المغتربين العاملين فيها. وحلت الإمارات في المرتبة الخامسة عالمياً ضمن أكبر الدول في استقبال الوافدين وفق إحصاءات الأمم المتحدة، وهم يقدرون بنحو 7.8 مليون نسمة. يرى العالم دبي الآن مدينة عالمية، ربما في مصاف مدن عالمية شهيرة كباريس ولندن ونيويورك وغيرهم.

جريمة أبوظبي التي راحت ضحيتها سيدة أمريكية، معلمة وأم لطفلين، على يد شخصية مجهولة ظهرت في كاميرا المول التجاري منتقبة مؤخراً، تعيد إلى الأذهان أزمة النقاب الأمنية. الأزمة التي اشتعلت في فرنسا على مدى سنوات إثر إصدار قانون حظر النقاب لدواع أمنية. إلا أن صوت الإنذار هذه المرة يسمع في مكان قريب جداً، في الخليج. أصل القضية ليس النقاب بطبيعة الحال، لكنه كان أداة مهمة من أدوات الجريمة، تلك التي تلاها زرع قنبلة أخرى بصناعة يدوية أمام منزل أمريكي آخر.

القضية تأخذ طابعاً "إرهابياً"، هدفه خلق حالة من الرعب والفوضى. وإن كان البيان الأخير يقول إن السيدة ليست مرتبطة بأي خلية أو تنظيم، وإن الجنسية الأمريكية ليست المستهدفة ولكنها عشوائية تجاه الملامح الغربية. كل ذلك مع نفي المؤتمر الصحافي الذي رأسه الشيخ سيف بن زايد وجود علاقة بين الضحية والقاتلة. ومما أثار إعجابي في مشهد القبض أن من اقتحم منزل الإرهابية هن سيدات عسكريات إماراتيات اقتدنها بملابس النوم. وهذا المشهد يحسب لتاريخ الإمارات الحديث الذي مكّن المرأة في مناصب ومجالات وطنية مهمة.

نسبة المواطنين في الإمارات مقارنة بالوافدين تقدر بنحو 10٪ فقط، بحسب البنك الدولي. وندرة النقاب في المجتمع الإماراتي الآن يعني أن لا مبرر أو عائق اجتماعياً لمنعه. في اليوميات العامة، لا ترى -في العادة- إماراتيات منتقبات بالنقاب التقليدي. ما يوجد في تاريخ الإمارات هو البرقع الإماراتي القصير المعروف الذي ترتديه كبيرات السن، أو "الغشوة" وهي غطاء خفيف منسدل يبدي ملامح المرأة غالباً. وقد صُدّر النقاب التقليدي إلى الإمارات من خارجها في الثمانينيات الميلادية. وفي عام 2008، صَدَر قانون إماراتي بحظر النقاب والغطاء في "بيئة العمل"، لأنه غالباً يعطل الإنتاج، إلا أن ذلك الحظر لا يبدو أنه شمل الأماكن العامة!

ولأن موضوع النقاب أخذ في فرنسا من الزخم ما يكفي عربياً ودولياً، فبطبيعة الحال جاء الهجوم من جديد حاداً كعادته على أي فكرة تدعو للاستغناء عنه. إلا أن ما لم يجتمع عليه الفقهاء والمذاهب الإسلامية لا ينبغي بالضرورة أن يكون فرضاً دينياً أو اجتماعياً في العصر الحديث، عوضاً عن أن يكون مسألة فيها نظر إذا كان مهدداً للأمن القومي و"ذريعة" لارتكاب الجرائم. وقد استغل النقاب في حوادث كثيرة في المنطقة منها السرقة والاعتداء والتنكر.

ومن النقاط المهم ذكرها أن النقاب يمسخ الهوية الوطنية والفردية للمرأة. خاصة إذا لم يكن عن رغبة واختيار وإنما الخضوع لسلطة ذكورية. وهذا ما يمكن اعتباره عنفاً نفسياً ضد المرأة بجعلها فاقدة للقرار والأهلية. أضف لذلك تناقض وجود صورة جواز السفر وبطاقة الأحوال مع وجه منتقب في الواقع.

إن المعادلة التي تضع الفتنة وذرائعها في مواجهة تعطيل المجتمع هي معادلة خاسرة، ولا بد أن تكون كذلك. الفتنة موضوع شائك ومرهق، ما هو تعريف الفتنة؟ هل يندرج الوجه بين أدواتها؟ ولم قد يندرج إن اختلفت معايير ومقاييس الجمال والفتن معاً؟. وإن اتفقنا جدلاً، فإن وجه المرأة الفاتنة للرجل كوجه الرجل الفاتن للمرأة، كلاهما قد يكون فتنة. لذا فإن السؤال هنا هو: لماذا لا ينتقب الرجل أيضاً طالما أن ما يفتن الرجل يفتن المرأة بطبيعة الحال، أليس كذلك أيتها النساء؟.

ينقسم المجتمع في الاختلاف على النقاب، البعض يراه تقرباً دينياً وحرية شخصية ويراه البعض الآخر خللاً اجتماعياً. لكن الإرهاب يجعل من الحرب على كل أدواته المحتملة و"سد ذرائع" الجريمة قوانين يجب أن تفرض ليعم الأمن والسلم. وأرجو أن ينقرض النقاب خلال عشرين عاماً من الآن على الأكثر مع الأجيال الحديثة، تلك التي لابد من أن تتخلص من هذا الإرث الاجتماعي الثقيل. ويا بعض المعسّرين كفوا عن تعسير الدين، وعن تحميل المرأة قيوداً ثقيلة وكأنها في مجتمعنا الحديث هذا سجين خطِر تجر على ساقيها كرات ضخمة من الفولاذ.