الجمعة 23 يناير 2015 / 14:39

ملك القلوب



يودّع العرب والمسلمون، وأبناء الخليج على وجه الخصوص، قائداً من طراز رفيع، اجتمعت في شخصيته خصال لا تتوفر إلا في كبار القادة التاريخيين: تواضع مشهود ورؤية عميقة وحزم في الموقف والقرار، والتصاق نادر بهموم شعبه وأمته. هذا هو الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، صاحب الأيادي البيضاء والمبادرات السياسية والاقتصادية والتنموية والثقافية الكبيرة التي ساهمت في أن تتمكن المملكة والخليج العربي، من مواجهة تحديات جمة، في مرحلة التحولات المتسارعة والاضطرابات والمؤامرات، دون أن تتخلى عن مشروعها النهضوي ومواصلة مسيرتها في التنمية والبناء.

فقد اتسمت مسيرة الراحل الكبير بالعمل المستمر والدؤوب على خطين متوازيين: مواجهة المخاطر المتمثلة خصوصاً في الإرهاب والتطرف، وفي الوقت نفسه عدم السماح لهذه المخاطر بأن تعوّق مسيرة التنمية والالتفات إلى الحاجات المتنامية لشعب المملكة، بل إن الرؤية الفريدة للملك الراحل تجاوزت حدود المملكة إلى المنطقة العربية والعالم، مدركاً بحسّه العميق وقدرته على استشراف الأحداث، أن أمن المملكة وسلامها واستقرارها ونهضتها، لا تكون إلا بأمن المنطقة كلها، وأن التحديات التي تواجه هذه الدولة العربية أو تلك لابدّ أن تنعكس على بقية الدول والأقطار العربية.

فرأينا سعيه الدؤوب في مختلف الملفات الساخنة والمصيرية التي واجهت وتواجه المنطقة، وحتى في عزّ مرضه، لكي يجسر الخلافات ويطفئ الفتن ويحقن الدماء، وهو ما شهدناه في مواقفه التاريخية تجاه مصر، ووضعه خارطة طريق واضحة للمصالحة الخليجية، ورعايته المباشرة لهذه المصالحة، ومواقفه الصلبة من التطرف والإرهاب، ودفاعه الدائم عن الإسلام أمام من يحاولون تشويه صورته وسرقة صوته وتدمير رسالته إلى العالم.

وإذ نودّع اليوم هذه الشخصية الكبيرة، التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه، وتربعت على قلوب الناس وفي وجدانهم وذاكرتهم، فكلنا ثقة من أن إرث الملك عبدالله، سيبقى ماثلاً للعيان، وأن المملكة العربية السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ستواصل مسيرتها الواثقة، وحضورها المحوري في المنطقة والعالم، وسوف تستمرّ في لعب دورها الجوهري في تكريس وسطية الإسلام، ومواجهة دعاة الظلام والظلامية، والتطرف والإرهاب، وستكون لها المساهمة الكبرى كما عهدناها دوماً في قيادة المنطقة العربية للخروج من النفق المظلم الذي تريد بعض القوى لها أن تقبع فيه طويلاً.