الأحد 25 يناير 2015 / 21:39

سؤال الحرية في زمن الأصوليات



لا يتفرد العرب بين أمم الأرض في مواجهة سؤال الحرية (الغائبة) في زمن الأصوليات العقائدية التي تعيث في الأرض فساداً وتخنق الباحثين عن حقهم في الحياة الحرة والكريمة.

من بكين في الصين التي تتربع على ربع آسيا، إلى واشنطن عاصمة الامبراطورية التي تحكم القارات الخمس، إلى دمشق عاصمة عرب الشام الذين صاروا شعوباً وقبائل، إلى الموصل التي تئن تحت حكم الدواعش في عراق قسمته الأصوليات إلى عراقات طائفية وإثنية، تغيب تعبيرات الحرية، ويختفى رغيف الخبز مثلما يختفي الحق في الكلام، ولا فرق بين القمعين.

لم تنتج الأصوليات العقائدية إلا القمع والخراب، ولم تنجح الأصولية الماركسية في الاتحاد السوفياتي السابق إلا في تشكيل مجتمع مكشوف لرياح السوء رغم ما كان يغطيه من سحب سوداء، وعندما انهار "الاتحاد" تفكك المجتمع بأسرع مما تفككت الدولة وتفرق "الرفاق" ونزعوا أصوليتهم الماركسية ليرتدوا أصوليات جديدة عبرت عن ذواتها في الصراعات والحروب البينية التي كان آخرها في الشرق الأوكراني.

على مسافة عقائدية قريبة من موسكو، وفي بكين الماوية عبرت الأصولية عن ذاتها القمعية بالدبابات التي سحقت المتظاهرين في ساحة "تيان ان مين" قبل سنين وفي العصي المكهربة التي فضت اعتصام هونغ كونغ قبل أسابيع.

في الطرف الآخر من العالم ومن الخريطة العقائدية ترسخت الأصولية البغيضة في الولايات المتحدة منذ وصول التيار المسيحي المحافظ إلى البيت الأبيض في عهد جورج بوش، وتواصل في عهد باراك أوباما ترسيخ الأصوليات الأخرى في مناطق النفوذ الأمريكي في العالم ومنها منطقتنا العربية.

ولعل قراءة الموقف الأمريكي الداعم للإخوان المسلمين في مصر وتونس وبلاد أخرى، تؤكد انحياز واشنطن للأصوليات الدينية التي أنتجت "القاعدة" و"داعش" وغيرهما من التشكيلات الأصولية الإرهابية في بلادنا مثلما أنتجت "بوكو حرام" في نيجيريا في سياق الحملة المدروسة ضد الإسلام، كما أنتجت "جيش الرب" في أوغندا ومنظمات مسيحية متطرفة في عدد من الدول الأفريقية وفي الولايات المتحدة نفسها التي تكثر فيها المنظمات الكنسية المتصهينة.

لسنا بحاجة إلى عناء التحليل لنربط بين هذه الأصوليات المبعثرة جغرافياً وبين الأصولية اليهودية التي تعبر عن نفسها في المشروع الإسرائيلي للتحول إلى دولة يهودية تمارس تطرفها وجرائمها تحت عنوان "نقاء يهودية الدولة" وتتكئ في تبرير وجودها على حقيقة وجود أصوليات إسلامية (سنية وشيعية) في المحيط الشرق أوسطي وعلى وجود أصوليات مسيحية تحكم في الولايات المتحدة والدول الخاضعة لليمين المسيحي المحافظ في أوروبا.

وقد لا نبالغ في الاستنتاج بأن وجود الفصائل والتنظيمات الأصولية والإرهابية في منطقتنا أضحى "ضرورة" لوجود إسرائيل، ولذلك يحظى اليمين الديني في المنطقة العربية برعاية أمريكية خاصة، وتتساهل الولايات المتحدة في مواجهة إرهاب "داعش" و"القاعدة" وتسعى لإطالة أمد مواجهة الإرهاب الظلامي من أجل إطالة أمد العبث الأمريكي في الداخل العربي والضغط السياسي والعسكري والمالي على النظام العربي بما يخفف الضغط عن إسرائيل ويخدم ترسيخها دولة ليهود العالم على أرض لم يكن لليهود أثر فيها.

في ظل هذا الواقع الصعب يبدو سؤال الحرية مستحيلاً في زمن الأصوليات العابرة للقارات.