الثلاثاء 27 يناير 2015 / 23:47

تركيا.. ونجاة الجبهة الجنوبية من "الفساد الثوري"



منذ يومين، حررت كتائب من الجيش الحر اللواء 82 للدفاع الجوي في منطقة الشيخ مسكين بدرعا جنوب دمشق.

تبدو سردية النجاحات في الجبهة الجنوبية لدمشق متتالية قلما نسمع فيها مصطلح الانسحاب التكتيكي في الآونة الأخيرة.

يتقاطع هذا مع تحسس النظام لخساراته المقبلة على هذه الجبهة، ولذلك تتوارد أنباء عن تعزيز دفاعاته تحسباً لمعركة تخرج جنوب مدينة دمشق من يده، ليصبح خط دفاعه في محور السيدة زينب - الحجر الأسود ـ القدم. وفي الأصل، هو محاصر من الجهات الثلاث الأخرى، ما عدا طريق دمشق – حمص.

من المبكر، اليوم، الحديث عن معركة فاصلة، طالت أو قصرت، فبعض هذا الموقف بدأ الحديث عنه في منتصف عام 2012، ولايزال ستاتيكو النصر والهزيمة قائماً منذ ذلك التاريخ على أسس تكتيكية بين مقاتلي المعارضة وجيش النظام، ساعة لهذا ويوم لذاك دون كلمة فصل.

هذا الموقف العسكري يطرح التساؤل مجدداً، خاصة مع تواتر الأنباء عن هزيمة داعش في كوباني – عين العرب، أمس الإثنين، أمام المقاتلين الأكراد المدعومين من طيران التحالف الدولي، وبعض فصائل الجيش الحر، ومجاميع من البشمركة من كردستان العراق. يقول التساؤل: لماذا ينجح المقاتلون في الجنوب، وفي عين العرب – كوباني، ويفشلون في باقي الجبهات؟

نجاح داعش وجبهة النصرة في قهر سكان الشمال والجزيرة ليس في اعتبارنا، فالمقصود دائماً هو المعركة مع النظام الذي ثار عليه الشعب السوري، ثم تولت الكتائب الإسلامية الأصولية اختطاف الثورة من أبنائها، وتقاسمت قهر الناس بالسلاح والفتاوى التكفيرية بالتساوي تماماً مع نظام الأسد وجيشه.

نجح الجنوب، وفشل الشمال، حتى الآن. وبحذف المشتركات بينهما، سنجد أن الفرق هو تركيا، أولاً، ومن ثم الصفاء النسبي لتكوينات المقاتلين في الجبهتين.

في الجنوب سنجد الأردن و"إسرائيل". وكلاهما تضبطان حدودهما لضروراتهما الأمنية. أما في الشمال، فالحدود طولها 822 كم، وبأخذ حسن النوايا في الاعتبار، سنجد أن المنطقة منفلتة من أي ضبط أمني تركي.

وفي واقع السياسة والمصالح، نعرف أن كل المقاتلين الأجانب دخلوا عبر الحدود التركية، مع أموالهم، وأسلحتهم، وأجنداتهم، بل إن هؤلاء يعودون للخروج إلى تركيا، ومن ثم العودة إلى سوريا، حاملين جوازات سفر سورية حقيقية، أو متقنة التزوير.

للسياسة موبقاتها، ولا ينجو أي من داعمي الكتائب السورية التي تقاتل قوات النظام من الشك في أهدافه، لكن أياً من هؤلاء الداعمين لا يمكنه تمرير أي شيء إلى الشمال السوري من غير علم ورضا الأتراك.

بالمقارنة، تحظى الكتائب المقاتلة في الجنوب بالدعم المالي عبر الأردن، لكن دخول المقاتلين الأجانب محظور ومراقب بدقة من قبل السلطات الأردنية الحريصة على أمنها أولاً وأخيراً. ولذلك يكاد تكوين هذه الكتائب يقتصر على السوريين بالكامل، بل ومن أبناء حوران وريف دمشق الذي يلي سهل حوران.

من هنا، كان الولاء للعقيدة القتالية، ولحماية أرضهم وأهلهم الأقربين، وبالتالي الثبات على فكرة مقاتلة الظالم الذي ثار عليه الناس. ولا حاجة، هنا، للتذكير أن درعا هي التي فجرت الثورة السورية، وهي التي قدمت أول الشهداء في 18 آذار/ مارس 2011.

في الشمال، نجد تجربة مقاربة لحالة درعا في المناطق الكردية، سوى أن التجربة الكردية متداخلة مع الطموح القومي الذي أراد انتهاز الفرصة ليربح على كل الجبهات، من النظام، ومن أكراد تركيا، وأكراد العراق، ومن تركيا نفسها، وأخيراً من التحالف الدولي ضد داعش. ولا أدل على ذلك من التهليل للنصر الذي حققه الأكراد أمس الإثنين، حيث اتسم بقدر من النزعة الشوفينية عند بعض الأكراد، وبادعاء تحقيق نصر كردي صرف على داعش. غير أن بعض الأكراد أنصفوا إذ أقروا أنه نصر كردي في إطار الثورة السورية التي لم تحقق بعد ما يرد الروح للذين خرجوا في جمعة "آزادي"، والجمع السلمية السورية الأخرى التي رفعت شعار "الشعب السوري واحد".

بغض النظر عن صحة الشعار الأخير على نطاق الأراضي السورية كلها، بدا الشعار حقيقياً في درعا، وفي المناطق الكردية، أيضاً، وإن كان المنطلقان مختلفين، وظهر أن للعصبية المناطقية دورها في صفاء العقيدة القتالية، وأن الولاء للأرض والناس لا يمكن أن يفسده التدخل الخارجي، وإملاءات واشتراطات الداعمين.

ينجح ثوار الجنوب في فرض كلمتهم، والاستمرار في حرب استنزاف طويلة ضد النظام، مع غياب كامل للعامل التركي في هذه الجبهة، بينما يفشل ثوار الشمال من المقاتلين والناشطين السلميين نتيجة تدفق الأموال من غير حساب عبر تركيا، أو داخل تركيا نفسها لمن رآها مقراً لـ"نضاله".

إذاً، الوقائع تُظهر أن الولاء للأرض والعرض، بعيداً عن العامل التركي، في الشمال والجنوب، مفتاح الصمود الآن، في انتظار النصر، أو تسوية ما.

ولعل هذا التسوية لا تمر من الجنوب.