الثلاثاء 10 فبراير 2015 / 15:57

محمد بن زايد بين الرواية السهلة والأخرى غير السهلة



العالم يعيش حالة من القلق. منطقتنا تعيش حالة من القلق. الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في افتتاحه الجلسة الرئيسية من القمة الحكومية أمس الاثنين، وصف هذا القلق. قال إننا نعيش أوقاتاً صعبة. و"إننا" هنا تعود على العالم أجمع، وتشمل الإمارات تحديداً لأنها كدولة فاعلة في معظم المجالات الحيوية، جزء لا يتجزأ من هذا العالم، وهو ما يدركه جيداً صانع القرار الإماراتي، ومن المهم الالتفات إلى ذلك في افتتاح قمة حكومية باتت تعدّ، رغم عمرها القصير نسبياً، واحدة من مرايا النظر في أحوال عالمنا اليوم، وما يعتمل فيه من أحداث وتحولات.

لكن الحكومية لا تتعلق بطرح المشكلات أو توصيف المشهد فحسب، بل إنها تتعلق في المقام الأول بالممارسات وإيجاد الحلول على التحديات المتزايدة التي تواجه الحكومات في زمننا هذا. ومن هنا، اختار الشيخ محمد بن زايد، ولأسباب جدّ  وجيهة لا تتعلق فقط بالاعتزاز والفخر، أن يقدّم للعالم ما يمكن وصفه بـ "التجربة الإماراتية" في الإدارة والحكم.

كان يمكن لولي عهد أبوظبي، أن يقدم الرواية السهلة عن التجربة الإماراتية، تلك التي يضع الحاكم نفسه من خلالها في قلب كل ما يجري، فيكون سبباً وحيداً للنهضة والتنمية والتطور، ويصور نفسه بصورة العالم والخبير بكل شيء، ويقدم الامتيازات الممنوحة بوصفها "عطايا" و"مكرمات"، إلا أن الأوقات الصعبة لا تحتاج إلى أجوبة سهلة، ومن هنا اختار الشيخ محمد بن زايد في كلمته أن يقدم الرواية غير السهلة بالضرورة لهذه التجربة، وهي الرواية الصادقة والجواب الحقيقي حول أسباب نجاح التجربة الإماراتية.

فجاء استحضاره منذ بداية كلمته وحتى نهايتها لرؤية الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ليعيد التأكيد مجدداً، للإماراتيين – مسؤولين ومواطنين – وللعالم أجمع، رسالة الشيخ زايد حول "الحكومة المميزة" (وهو موضوع كلمته) وأنها من حيث الجوهر تلك التي تعتبر "كل واحد من مواطنيها ثروة". هذا الكلام ليس شعراً ولا عاطفة رومانسية ولا هو من باب الشعارات والدعاية السياسية، ومن هنا يضرب الشيخ محمد بن زايد أمثلة عدة من تلك الأمثلة التي تعدّ منارات هادية في القيادة الإماراتية:

جواب الشيخ زايد على الصحافي الذي قال له "أنت تدلع شعبك"، فجاء الجواب ليميز بين "الدلع" و"الواجب".

وهذه القصة التي سردها الشيخ محمد بن زايد وجدت ترجمتها مرات عدة يسردها عبر مراحل متقطعة: عند تأسيس الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة جهاز أبوظبي للاستثمار في السبعينيات، وإبان احتلال الكويت في نهاية الثمانينيات، وعند مساندة رجال الأعمال الإماراتيين لمصر في أزمتها، وعند الإعلان عن الخدمة الوطنية الإماراتية.

تعكس هذه الأمثلة وقائع أساسية حول التداخل العضوي بين الحاكم والمحكوم أو بين القيادة والشعب في الإمارات، وهو تداخل قائم على التفاعل المستمر بين الطرفين، وعلى التفاهم العميق بينهما على أنهما شريكان وطرفاً واحداً في الواجبات والمسؤوليات. فالدولة أو الحاكم الذي يعتبر أبناء الشعب "عياله" (مقابل أن يكونوا تابعيه) لا يفكر معهم بلغة الأرقام الجامدة، ولا يواجههم بمنطق الحسابات الباردة، بل يقاسمهم الخير والثمار، انطلاقاً من أن هذا "واجب" وليس "دلعاً" أو ترفاً، لكي يشاركوه هم بدورهم تحمل المسؤوليات، وهو ما عبرت عنه الأمثلة البليغة التي ذكرها الشيخ محمد بن زايد، ليقول من خلالها التالي: لدينا تجربة ناجحة في الحكم بدأها وعلّمنا إياها الشيخ زايد، وسار على هداها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، وهي تجربة أثبتت نجاحها مرة بعد مرة، فلماذا علينا البحث عن شيء جديد أو تجربة جديدة، من خارج منظومة قيمنا وعاداتنا، ولماذا علينا الاستسلام لمنطق الأرقام، ما دامت تجربتنا هذه بالذات، بعناصرها هذه بالتحديد، صنعت لبلادنا حضورها الذي تستحقه في العالم، وتمكنت من تحقيق مصالح الإماراتيين في جميع المحطات؟

لذلك بدا الشيخ محمد بن زايد يقول أمراً بديهياً، لكن كما قال فإن الناس ينسون وبالتالي يجب تذكيرهم، بمحطات سابقة واجهت الدولة فيها تحديات، من قبيل انخفاض أسعار النفط "والسفينة واصلت طريقها" لأن الأساس الذي يحركها صلب ومبني على قناعات ثابتة، ولا أحسب أن هدف الشيخ محمد بن زايد من ذلك كله طمأنة الإماراتيين على حاضرهم، أو دفعهم إلى الفخر بماضيهم، بل تنبيههم إلى ما يمكنهم فعله الآن، للمساهمة في بناء مستقبل بلدهم، وهذا يبدأ أولاً بالأفكار والقناعات التي من شأنها بناء المبادرات وتحديد الأفعال والتصرفات.

أزعم أن رسالة الشيخ محمد بن زايد قد وصلت إلى الإماراتيين، وسيلتفتون كما هم دوما إلى جانب المسؤولية الاجتماعية والشراكة والاتحاد، لأنها الضامن الوحيد لاستمرار مسيرة الإمارات على النحو الذي نرجوه جميعاً.