الثلاثاء 17 فبراير 2015 / 15:57

محمد بن زايد في الرياض



لم تكن مفاجأة أن يحل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان  ضيفاً على المملكة، فالمملكة بلده الثاني، مثلما أننا لا نشعر أننا ذهبنا إلى دار غريبة،  عندما نسافر إلى الإمارات. بل نشعر في كل مرة  نقف فيها متأملين جمال برج خليفة أننا في ديارنا وبين أهلنا وإخواننا، ولم نشعر قط بأننا ضيوف أو غرباء، وذلك لدماثة الخلق وروعة الاستقبال التي كنا ولا زلنا نجدها عند إخواننا الإماراتيين، إنها دار زايد وكفى.

في طفولتي كنت اسمع باسم الشيخ زايد وهو يتكرر كثيراً على لسان أشعر شعراء القصيدة الشعبية في القرن العشرين، بندر بن سرور العتيبي، والذي صدف أنه صديق والدي، وكان يقضي معظم وقته، إذا زارنا في العاصمة، في رفقة والدي وفي بيته، ويمازحه الوالد ويسأله المزيد من شعره. يقول بندر بن سرور:

ولّي عجوزٍ من وراء شط بغداد *** سمّت على الشيب الفلاحي ولدها

تبغاه   يطلع  مثل زايد ولا فاد *** ولا كل من هاز الطويلة صعدها

هذه الأبيات التي يرددها السعوديون جميعاً وكذا إخوانهم الإماراتيون، هي من رسائل المحبة التي أتحدث عنها في هذه المقالة. هناك شعور عام يسود بين الإماراتيين والسعوديين  بأن الدار واحدة والقضايا مشتركة والطموحات متناغمة، ولن أقول الهموم, " فالهموم" كلمة سلبية، والسلبية لا مكان لها بيننا، وإنما الطموح والتفاؤل والإنجاز: مفرداتنا وكلمات قاموسنا، وما اعتدنا عليه.

ليس بمستغرب أن يكون الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله في استقبال ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد وإخوته ومرافقيه، مصطحباً معه ولي عهده ولي ولي العهد, فالملك سلمان كما عرفناه, هو السيد العربي المضياف الذي ينطبق عليه قول الشاعر(أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله).

والأهم من ذلك هو أن في المشهد اتضاح وتجلّي لمكانة شيوخ الإمارات في قلب الملك سلمان, فهي مكانة ليست لغيرهم.والشيخ محمد بن زايد قبل كل شيء أخ كريم وابن أخ كريم بالنسبة للملك سلمان، قبل كونه شريكاً سياسياً واقتصادياً أساسياً، والقضية تتجاوز أن المملكة والإمارات تمثلان الاقتصاد الأقوى على مستوى الدول العربية، وأن مليون ونصف سعودي قد زاروا دولة الإمارات في 2014, وتتجاوز قضية التبادل التجاري الذي يحتل المرتبة الأولى على مستوى دول الخليج، وإن كان التبادل التجاري بين البلدين لا يستهان به، إذ بلغ نسبة 50% . ومع كل هذا، فالعلاقة بين البلدين ليست علاقة تجارية محضة كما هي علاقاتنا مع الدول الغربية والشرقية، بل هي علاقة إخاء ومحبة قبل كل شيء.هذه المحبة قد تكوّنت مع الإعلان التأسيسي لدولة الإمارات، وبدأت مع الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله والشيخ زايد الذين كانا أخوين حليفين في كل شيء وعلى كل شيء، حتى قبل أن يقف الشيخ زايد مع أخيه الملك فيصل في قضيته التي واجه فيها العالم بأسره، عندما حظر تصدير البترول في 1973 وكان الشيخ زايد مؤيداً للفيصل في ذلك. ولا زالت العلاقة منذ ذلك الحين، بل قبله، علاقة المحبة الأخوية قبل كل شيء، وعلاقة التعاون على حفظ الأوطان وصيانتها والحرص على استقرارها ورفاهها. هكذا أرى زيارة الشيخ محمد بن زايد للمملكة، هي من رسائل المحبة المتبادلة وامتداد لعلاقة راسخة كرسوخ الجبال لا يُكدرها الوشاة وإن أجهدوا أنفسهم بصناعة المكائد وتكلّف الدسائس.

واليوم، في ظل هذا التسونامي الرهيب الذي يعصف بالأمة العربية, كتداعيات لما يسمّى بالربيع العربي الذي بان شتاءَ سيبيريّاً قاسياً على رؤوس المستضعفين من الأطفال والنساء، تقف المملكة والإمارات في خندق واحد من خلال مجلس التعاون لدول الخليج العربي. المجلس الذي يعتبر اليوم أقوى مؤسسة سياسية عربية على الإطلاق, ومن خلاله ستكون انطلاقة القادة لـ (إعادة التوازن والاستقرار إلى المنطقة العربية) ودحر قوى الإرهاب الخارجة عن سياق الدين و التاريخ والأخلاق الإنسانية البدهية.