السبت 28 فبراير 2015 / 15:18

نزعات قومية وفوضى خلاقة




تفوق سرعة إيقاع التطورات، التي أعقبت التوقيع "الأمريكي ـ التركي" على اتفاق تدريب المعارضين السوريين، احتمالات تمرير الطرفين الموقعين، للمبررات التي طرحاها، بعد طول خلاف، حول أولوية اجندة المواجهة، في سوريا.

التوقيع المثير للجدل في توقيته وملابساته، أعقبه صخب توغل الدبابات التركية في الأراضي السورية لاخلاء ضريح سليمان شاه وتدميره، بحجة حمايته من قوات داعش.

رمزية وأبعاد الخطوة التالية لتوقيع الاتفاق، أضافت جديداً على مخاوف السوريين، من أشباح التاريخ، التي أيقظتها سياسة الرئيس رجب طيب أردوغان، المشدودة إلى الزمن العثماني ـ لا سيما وأنها ترافقت مع تصريحات منسوبة لأحمد داود أوغلو حول حق تركيا في امتلاك أراض سورية ـ لتزيل محاذير التقاء النظام السوري وبعض معارضيه، عند إدانة انتهاك سيادة سورية، تتقاذفها الأطراف الدولية والاقليمية.

ولم يكن خروج النظام السوري وبعض طيف معارضيه، من دائرة المزايدات المتبادلة، للالتقاء عند أطراف الأزمة، مع توغل القوات التركية، في الأراضي السورية ممكناً، لولا "رخاوة" و"هشاشة" الاتفاق، الذي يكرس حالة من الفراغ، في المشهد السوري، رغم كثرة اللاعبين.

ففي سنوات الاتفاق الثلاث، التائهة بين أولويتي القضاء على داعش ورحيل نظام الأسد، والمفتوحة على مزيد من الاقتتال الداخلي، ما يكفي لمياه كثيرة تجري في النهر السوري الفاقد لوجهته المفترضة ، وتفريخ الأزمة السورية الراهنة أزمات أخرى، تبعد السوريين أشواطاً إضافية، عن ما بدأوه قبل اأربع سنوات.

كما توسع المتغيرات، التي أدخلت على المعادلة الداخلية السورية خلال السنوات الأربع الماضية ـ ما زالت مفتوحة على مختلف الاحتمالات ـ والتحولات الاقليمية والدولية المتوقعة خلال السنوات المقبلة، من التشعبات السياسية والاجتماعية، للبنية الديموغرافية، المرشحة أصلاً لإفراز معادلات جديدة، بحاجة لأدوات ومقاربات سياسية مختلفة.

بذلك يبدو الانتقال من إدارة أزمة، لإدارة أزمات تفرخها الأزمة الراهنة، الحقيقة الأكثر حضوراً في المشهد السوري المترامي الأطراف، والمنزلق نحو استحضار مسلسل الفرز الطائفي العراقي وتجلياته السياسية، والالتقاء السوري العابر عند إدانة الاعتداء التركي على بقايا السيادة، تعبير عن غياب قدرة الذهنية السورية بتركيبتها الراهنة، على تجرع مآلات المتغيرات الجديدة.

الشيطان الكامن في تفاصيل الاتفاق التركي ـ الأمريكي يخفي التقاء "نزعات قومية" مغلفة بالإسلام السياسي، وشهية مفتوحة لتوسيع قوس "الفوضى الخلاقة" مما يملي على الطرفين الموقعين، إيجاد المدى الزمني الملائم، لإعادة تشكيل الذهنية السورية، وقد تكون مجريات أحداث السنوات الثلاث المقبلة، خطوة على هذا الطريق .