الإثنين 23 مارس 2015 / 16:36

قراءة في "استراتيجية المياه" في فكر قادة الإمارات



تعتبر قضية المياه من القضايا الهامة عالمياً، فهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات. وقد توحدت الجهود العالمية من أجل إيجاد أنسب الحلول المستدامة لهذه القضية التي تهدد الكثير من الشعوب الفقيرة، كما خصص العالم يوماً سمي باليوم العالمي للمياه والذي يصادف 22 مارس (آذار) من كل عام، بهدف مراجعة الأوضاع المائية للتعرف على المشاكل التي تعرقل استدامة الموارد المائية. 

وشغلت هذه القضية فكر قادة الدول، وفي طليعتها دولة الامارات العربية المتحدة، حيث كانت قضية الموارد المائية في رأس سلّم أولويات قادة الدولة ومحل رعايتهم، فوفّروا الموارد اللازمة وحرصوا على استدامتها من أجل رخاء الشعب الإماراتي بل تعدوا بمبادراتهم حيز الدولة إلى نطاق العالم الأوسع. وتناول قادة الإمارات قضية المياه من خلال خطاباتهم في مختلف المناسبات، سواء البيئية أو غيرها، وصاغوا فكراً استراتيجياً متعلقاً بالمياه، وقائماً على مبادئ الاستدامة العالمية، بل أصبحت المبادرات العالمية والوطنية المنبثقة من هذا الفكر مرجعاً عالمياً ومثالاً يحتذى في تحويل المستحيل إلى واقع ملموس. 

وهذه الاستراتيجية المائية مستمدة من فكر عميق ونظر ثاقب توارثناه جيلاً بعد جيل، فحكيم العرب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات، اهتم بتوفير المياه منذ توليه حكم مدينة العين في حقبة الستينات من القرن الماضي، حيث عمد إلى بناء الأفلاج وصيانتها، وبرز دور المغفور له بالأفلاج عندما كان بنفسه يحدد الأفلاج ويأمر بحفرها وتوصيلها بالمجرى الرئيسي. بل وتكللت هذه الجهود بإنشاء إدارة خاصة تعني بالأفلاج في بلدية مدينة العين. وكان لحفر الأفلاج الايجابيات الكثيرة على المجتمع المحلي حيث أصبحت مزارع مناطق المويجعي مثلاً تروى مرتين أو ثلاثاً بعدما كانت تروى مرة واحدة كل خمسة أسابيع. وأصبح الماء مجانياً للجميع بعد أن كانوا يدفعون الضريبة، وذلك لإيمان المغفور له بأهمية وفرة المياه في تنمية واستقرار المجتمع. 

وأكد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في خطابه بمناسبة يوم البيئة الوطني الذي صادف الرابع من فبراير(شباط) ٢٠١٥ ضرورة الالتزام بالحفاظ على الموارد الطبيعية، وهذا ما يؤكد الدراية الكاملة لقادة الدولة بالوضع الراهن لمواردنا الطبيعية كالمياه، كما يؤكد استمرارية الجهود الوطنية للحفاظ على مصادر المياه الطبيعية من أجل مستقبل مشرق لدولتنا المباركة. ومن العاصمة الحبيبة أبوظبي وتحديداً في ٧ ديسمبر(تشرين أول) ٢٠١٠ خرج إعلان قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي في دورتها الحادية والثلاثين أو بما يسمى بـ"إعلان المياه" والذي دعا إلى إستراتيجية موحدة طويلة المدى لقطاع المياه في دول مجلس التعاون الخليجي، وقد أثمرت قمة الخير في أبوظبي عن مشروع الاستراتيجية الموحدة للمياه والذي بدأ في سبتمبر ٢٠١٣. 

وأكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي  في عام ٢٠١٣ أن جودة الماء هي جودة للحياة عندما قال: "الماء هي الحياة، وجودة الماء تعني جودة للحياة، وسلامتها سلامة لكافة أفراد المجتمع.."، كما أكد أن الماء حياة للبشرية امتثالاً لقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز: (أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَىْءٍ حَي أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ) (سورة الأنبياء: 30 ).

إن ارتباط هذا المورد الطبيعي بالحياة له دلالاته الخاصة، حيث أن التطور الاقتصادي والنهضة العمرانية المتنامية في دولة الإمارات لدليل قطعي على أن قيادة دولة الامارات ذللت الصعاب من أجل التغلب على شح المياه لتوفير حياة كريمة رغيدة لكل فرد من أفراد المجتمع وهذا بعينه واقع ملموس نعايشه. وقد تخطت مبادرة قادتنا حدود الدولة الى العالمية بإنشاء صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حفظه الله "مؤسسة سقيا الامارات" التي تعنى بتوفير المياه للمجتمعات الفقيرة التي تعاني شحا في الموارد المائية.

ولم يغب الماء عن استراتيجية الابتكار التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في الربع الأخير من عام ٢٠١٤، والذي يؤكد لنا أن الجودة في العمل المرتبط بالتطور المتسارع في شتى مجالات الحياة بالإمارات يتطلب حلولاً مبتكرة لمشاكل ندرة المياه، وعقدت الحكومة العزم على الإبتكار النوعي لإيجاد الحلول المستدامة في قطاع المياه. كما أوضح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وذلك في مداخلة له في مجلسه العامر في ديسمبر(تشرين الأول) ٢٠١١ بعد محاضرة ألقاها الخبير والبروفيسور بيتر غليك من الولايات المتحدة الأمريكية بأن الماء أهم من النفط، وأكد سموه أهمية البحث والتطوير لإيجاد بدائل جديدة للموارد المائية.

إننا في دولة الإمارات العربية المتحدة ننعم بالأمن المائي الذي تحقق بفضل حنكة قيادة سخرت الإمكانيات لإستدامة هذا الرخاء المائي للأجيال القادمة من خلال التنويع في مصادر المياه غير التقليدية والحفاظ على المصادر التقليدية جودة وكماً. إن هذا الفكر التنموي لقادة دولة الإمارات العربية المتحدة جعل من الدولة منصة عالمية لإطلاق المبادرات العالمية الرامية الى إستدامة المجتمعات البشرية، فالقمة العالمية للمياه والتي أمر بعقدها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان- ولي عهد أبوظبي في يناير ٢٠١٢ التي تعقد بالتزامن مع القمة العالمية لطاقة المستقبل في أبوظبي منذ يناير (كانون الثاني) ٢٠١٣ خير شاهد على الرؤية المستقبلية لهذا القائد الفذ الذي فهم العلاقة الوثيقة ما بين الطاقة والمياه والذي انعكس على النمو المطرد في المشاريع المستقبلية المتصلة بهذين القطاعيين الحيويين في الدولة. 

إننا في دولة الإمارات العربية المتحدة وبفضل لله عز وجل ثم بفضل رؤية قادتنا وفكرهم الثاقب وحرصهم الأكيد على وضع الموارد المالية والبشرية، بتنا ننعم بمستقبل آمن دائم لمواردنا المائية، فهنيئا لجيل المستقبل.